لم تعد الحملات الانتخابية تدار كما كانت فى السابق من خلال المؤتمرات الصحفية والخطب فى الميادين وقاعات المجالس المحلية وعلى الشاشات، ولعل حملة المرشحة الفرنسية اليمينية مارين لوبان تسير على خطى حملة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فمواقع التواصل الاجتماعى، بما فيها من بعض الأخبار الكاذبة ومساحة الحرية الكبيرة فى تداول الموضوعات المحظورة فى المنصات العامة، أصبحت تستخدم بشكل كبير للترويج لأفكار وأهداف انتخابية خاصة فى مجموعات مناهضة الأجانب ومعاداة العولمة والقومية الشعبوية.
وفى تقرير لها، قالت صحيفة "فينانشيال تايمز" إن وحدة الإنترنت التابعة لحزب الجبهة الوطنية الذى تقوده لوبان "قوية ومتفانية، والرسائل العدوانية التى تطلقها من قلب غرفة عمليات وسائل الإعلام الاجتماعية هى الأقوى فى الساحة السياسة الفرنسية".
وبحسب استطلاعات الرأى، فإن أقرب مرشحى الانتخابات الفرنسية لدخول الإليزيه هما لوبان رئيسة حزب الجبهة الوطنية، وإيمانويل ماكرون، وزير الاقتصاد السابق، وتشير الاستطلاعات إلى أن ماكرون، 29 عام، سيفوز فى الجولة الثانية على غريمته ذات الـ48 عام فى مايو من العام الجارى.
ويظل الفوز المفاجئ الذى حققه دونالد ترامب فى الانتخابات الأمريكية نهاية العام الماضى، على الرغم من استطلاعات الرأى التى كانت تقلل من فرص نجاحه أحد أبرز عوامل التى تقلق الدوائر السياسية داخل فرنسا، وتدفع "لوبان" للبحث عن مفاجأة مدوية ، وحسم لانتخابات من الجولة الأولى بحسب مراقبين.
وتتبنى لوبان آراء مماثلة لتلك التى يتبناها ترامب والتى أعلن عنها صراحة خلال حملته الانتخابية، وتنشر تلك الآراء من خلال فريقها على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" و"تويتر" وموقع آخرى محسوبة على اليمين المتطرف.
وانتقدت لوبان حلف "الناتو" وأكدت فى تصريحات عدة أنها ستعمل على سحب باريس من منطقة اليورو وعقد استفتاء على عضوية البلاد فى الاتحاد الأوروبى إذا ما استمر فى فرض قوانين حرية الحركة داخل دول التكتل، ودعت لحرمان الأطفال الأجانب من التعليم المجانى وسحب الجنسية من المتطرفين، رافعة شعار المبادئ والقومية الفرنسية.
وقالت الصحيفة البريطانية فى تقريرها إن "جيش من المعلقين" والكتائب الإلكترونية من مواقع مثل المساواة والمصالحة " Egalité et Réconciliation" وشارع فولتير " Boulevard Voltaire" وفرانسوا ديسوش " François Desouche"، مثل العمود الفقرى لمجتمع اليمين المتطرف داخل فرنسا.
وتجمع المواقع الثلاث أكثر من 550 ألف متابع على فيس بوك، من بينهم ما يقرب من 269 ألف لموقع فرانسوا ديسوش فقط، وهو ما يشبهه البعض بموقع بريتبارت الأمريكى المتطرف، والذى روج لترامب أثناء حملته وتم تعيين رئيسه التنفيذى ستيف بانون كمساعد بارز فى البيت الأبيض. أما لوبان فلها 1.3 مليون متابع على تويتر، ومثلهم على فيسبوك، أى أكثر من ضعف متابعى منافسها الشاب ماكرون.
وقال جايتان برتراند، مدير حملة لوبان على الإنترنت، للصحيفة: "إن منافسها ماكرون يهتم بالتسويق وليس السياسات. إن الإعلام والمؤسسات تدعمه ضد مصالح الشعب"، وهو ما يذكر بهجوم ترامب على مفهوم "المؤسسات" التى تهاجمه، على حد تعبيره.
وأشارت فاينانشال تايمز إلى أن حملة لوبان تنتج سلاسل من الفيديوهات التى تسعى لوقف صعود نجم ماكرون وتتهمه بافتقاده للسياسات وتصفه بـ"مرشح الفراغ"، بما أنه لا ينتمى لحزب معين ويقول إنه لا يمينى ولا يسارى، كما أن تاريخه السياسى ليس طويلا.
ومن بين تلك الفيديوهات واحد يظهره فى زيارة للجزائر والتى وصف فيها الاحتلال الفرنسى "بالجريمة ضد الإنسانية"، وهو ما أغضب اليمينيين فى ذلك الوقت، بالإضافة إلى صور له مع مواطنى شمال أفريقيا، وتسائل الحزب فى إحدى منشوراته عما إذا كان ماكرون يريد أن يكون رئيسا لفرنسا أم الجزائر.
وقال جايل برتراند من شركة "كانتر ميديا" الاستشارية للصحيفة: "إن مارين لوبان قوة لا يستهان بها فى وسائل الإعلام الاجتماعى، فهى تتمتع بمتابعة قوية وتجلب المزيد من المشاركة من خلال استهداف المرشحين المنافسين"، وهى الاستراتيجية التى نهجها ترامب ضد هيلارى كلينتون أثناء الانتخابات، على حد قول الصحيفة البريطانية.
وأكدت الصحيفة أن يمينيين متطرفين يساعدون فى دفع أجندة الحزب إلى الأمام بأساليب صادمة مع إبقاء أيدى الحزب نظيفة، مثل عمل حساب على تويتر باسم "جميل ماكرون" ووضع صورة له بلحية طويلة لإضفاء صبغة عربية وإسلامية عليه وبالتالى تشويهه أمام الناخبين – وقد نفى الحزب علاقته به بالحساب.
ونوهت الصحيفة إلى أن الهجوم على ماكرون من قبل حملة لوبان حظى بعشرات الآلاف من الإعجابات وإعادة المشاركة والتعليقات، ومن المتوقع إنتاج المزيد من الفيديوهات ضد ماكرون.
وتابعت أن شبكة تجمع الحركات اليمينية المتطرفة حول العالم تدعى "fachosphère" تروج لأفكار حزب الجبهة الوطنية وتضخمها وتضعها فى سياق عنصرى أو إسلاموفوبى، كما أن مواقع متطرفة غير فرنسية تروج لحملة لوبان كذلك، مما يدل على حركة عالمية تتعاون لترجيح كفة اليمين فى العالم.
ونفى مدير حملة لوبان على الإنترنت وجود صلة بين وحدته وبين الحركات اليمينية الأجنبية، ولكنه أشاد بـ"ولادة أيدولوجية عالمية تشارك حزب الجبهة الوطنية فى أرائه الشعبوية المعادية للهجرة"، حسبما نقلت عنه فاينانشال تايمز.