«بعد أحداث ثورة تونس، طلبت مقابلة الرئيس مبارك بشكل عاجل لأنقل له وجهة نظرى السياسية، وأقول له رأيى السياسى فيما يجب فعله استباقًا لـ25 يناير، ولكن لم يستجب لى، فطلبت مقابلة أمين السياسات جمال مبارك، وتم تحديد لقاء يوم 25 يناير 2011. وفى هذا اللقاء قلت له يجب أن تصل الرسالة إلى الرئيس، وإلى النظام كله، إن ما حدث فى تونس من الممكن أن يتكرر فى مصر، ومهم جدًا بدل ما ناخد ده بسلبى، ناخده بشكل إيجابى، بمعنى إن اللى الدولة متأخرة فيه من إصلاحاتها السياسية عليها أن تقوم به الآن، ليس خوفًا من المظاهرات المماثلة، وإنما تأكيد لما اتفقنا عليه فى السابق»، فأجاب جمال مبارك: «كلها 48 ساعة وستعود الناس لأعمالها وحياتها، ربما تأثرت بكلام المعارضة أكثر من اللازم، والوضع هنا مختلف عن تونس، فى تونس الرئيس التونسى كانت قراراته خاطئة وتصرف بتسرع، والجيش شد الكوبس عن زين العابدين».
ما سبق جزء من إفادة وشهادة د. حسام بدروى، آخر أمين عام للحزب الوطنى المنحل، أحد أهم الرجال المقربين من دائرة الحكم فى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وكما يُعرف عنه دائمًا فإنه كان صوت المعارضة فى الحزب الحاكم، لذا تكتسب الكواليس التى يكشفها عن آخر أيام «مبارك» أهمية خاصة، وتكشف تفاصيل وأسرارًا تعلن لأول مرة عن فترة غامضة، وإن كانت قريبة من تاريخ مصر المعاصر، وهذا ما قدمه فى الكتاب الصادر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية.
يحوى كتاب «رجل العاصفة» للكاتب الصحفى الشاب أحمد مبارك، مشاهد من السيرة الذاتية للدكتور حسام بدراوى، القيادى السابق بالحزب الوطنى المنحل، والصادر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية.
بدأ الكتاب بـ 6 مقدمات لستة كتاب وسياسيين مصريين، هم رفعت السعيد، وقدرى حفنى، ومصطفى الفقى، ومحمد المخزنجى، وجورج إسحاق، وأسامة حمدى، غير المقدمة الرئيسية للكتاب، التى يقدمها أحمد مبارك ويصف فيها ثورة يناير بـ«العاصفة».
وعُرف عن الدكتور حسام بدراوى أنه كان يحمل مشروعًا لإصلاح الحزب الوطنى من الداخل، فكثيرًا ما اعترف بفساد الحزب، وقال فى شهادة له: «ليس لأننى فى الحزب الوطنى أرفض الاعتراف بوجود فساد، أو أقاوم تداول السلطة باعتبارها أمرًا خاطئًا، من يلعب وحيدًا لا يلعب بشكل جيد».
كما كانت للدكتور «حسام» آراء مناقضة لرأى الحزب الوطنى، فيما يتعلق بالرقابة الدولية على الانتخابات، باعتبارها تمس السيادة الوطنية حسبما روّج لها الحزب، وكان يعتبرها «تزيد من درجة نزاهة الانتخابات».
ودفع حسام بدراوى- حسب الكِتاب- ثمن مواقفه داخل الحزب، فنال هجومًا عنيفًا من إعلام «الوطنى»، وبالإضافة لإقصائه من مجلس الشعب، وتحجيم دوره داخل النادى الأهلى، أغلق المستشفى الذى كان تملكه عائلته، بسبب خطأ لشركة موردة لأنابيب الأكسجين، وهو ما تم تضخيمه من الحكومة، وأغلق المستشفى حينها عدة أشهر.
وكان لحسام بدراوى موقف معارض لتوريث الحكم من «مبارك» لابنه «جمال»، وهو ما عبّر عنه فى مواقف عدة، فقال فى أحد تصريحاته: «إن التخوف فى الإعلام المستقل من فكرة التوريث حق لهم، ومهم أن يعبروا، وأنا معهم لا أحب التوريث، ولا أتمنى انتقال الحكم بالتوريث بأى شكل من الأشكال»، معتبرًا ذلك «تخطيًا لإرادة الشعب».
وأكد القيادى السابق فى الحزب المنحل فى قراءة له عن أسباب اندلاع ثورة 25 يناير «أن النظام أعطى انطباعًا بأن شيئًا مريبًا يتم إعداده من أجل توريث الحكم لجمال مبارك، وهو ما كان يستوجب توضيح مبارك نفسه».
ومع اندلاع ثورة الياسمين فى تونس، وفى الأيام السابقة والأولى لثورة يناير، كانت لـ«بدراوى» مواقف معارضة، ومطالبة للنظام بالاستجابة لمطالب الإصلاح السياسى، بالإضافة للقائه جمال مبارك قبل الثورة بأيام قليلة، والذى أشرنا له من قبل، خرج مع اليوم الأول للثورة وطالب الحزب الوطنى بالاستجابة لمطالب الجماهير، وأسِف لأن النظام لم يتحرك بالسرعة المطلوبة، خاصة مع مشهد نزول الجيش المصرى إلى الشوارع، وهو ما جعله يشعر بكابوس لا يستطيع الخروج منه.
وبعد اندلاع الثورة مع محاولة الرئيس الأسبق إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وحسب د. رفعت السعيد «فإن حسام بدراوى قبل المخاطرة كرجل يلقى بنفسه فى شلال هادر»، وقَبِل منصب الأمين العام للحزب الوطنى، وذلك بعدما طلب «مبارك» مقابلته فى مساء 4 فبراير 2011 برئاسة الجمهورية ليعرض عليه تولى أمانة الحزب الوطنى، ولجنة السياسات.
وهذا اللقاء كما أوضح «بدراوى» حضره زكريا عزمى، وجمال مبارك، وقام «مبارك» فى بدايته من على مكتبه ورحب به، وقال له: «أنا فكرت فيك وزير تعليم ووزير صحة، وفى اللحظة دى فكرت فيك رئيس وزراء، لكن اللحظة مختلفة تستدعى أن تكون على رأس الحزب، إوعى تكون زعلان منى أنا مكنتش برضه أجيب اسمك عشان مايؤذكش»، فأكد «بدراوى» لـ«مبارك»، بحسب ما نقل الكاتب صلاح منتصر، بأنه لا يمكن إدارة الحزب بنفس هيئة المكتب، فرد عليه الرئيس الأسبق: «اعتبرهم كلهم مستقيلين.. افعل ما تشاء كما تراه صحيحًا».
وبعد تولى حسام بدراوى أمانة الحزب الوطنى، قضى 4 أيام كاملة ما بين جلسات للحوار مع شباب الثورة، ورموز من المعارضة.
وكشف الكتاب أن حسام بدراوى قدّم رؤيته لنائب رئيس الجمهورية، الراحل اللواء عمر سليمان، حيث رأى أنه حان الوقت لتسليم الرئيس سلطته لنائب الرئيس، وطلب منه تعديل الدستور، خاصة المواد المحددة لمدد الرئاسة، ومواد الشفافية والمساءلة، كما طالب بإجراء انتخابات مبكرة، وهو ما وافق عليه «سليمان» قائلًا: «معاك حق»، بحسب «بدراوى»، ولكنه عاد وقال: «أنا رجل عسكرى والرجل الثانى فى الحكم، وقد يفهم كلامى على أننى أريد الحصول على مكانة، أعتقد أنك الوحيد القادر على فعل ذلك».
وتعددت اللقاءات بين «بدراوى» و«مبارك» فى الأيام الأولى للثورة، فبعد لقاء نائب الرئيس، خرج ليجتمع بـ«مبارك» وعرض عليه رؤيته بإجراء انتخابات مبكرة ونقل السلطة، وهو ما رفضه الرئيس الأسبق، وأكد أنه «سيخرج بعد 8 أشهر، ولن يترشح»، فكان رد حسام بدراوى: «سيادة الرئيس متزعلش منى، أنا بكلم سيادتك وشاوشيسكو أمام عينى»، فى إشارة للرئيس الرومانى الأسبق الذى قبض عليه الثوار عليه هو وزوجته، وتمت محاكمته، وتم إعدامه.
من الواضح أيضًا أن المحيطين بـ«مبارك» لم يكونوا يتفقون مع رؤية «بدراوى»، فبعد أن أعلن «مبارك» موافقته على التعديلات فى الدستور، وطلب من عمر سليمان الاتصال بالدكتور فتحى سرور للاتفاق على التعديلات المطلوبة، وفى أثناء وجوده فى القصر الجمهورى قال له أحد الموظفين: «المقابلة انتهت»، وهو فسره «بدراوى» بأن من قام بذلك زكريا عزمى.
ولم تتقدم الأمور وفق ما رسمه «بدراوى»، وخرج بيان «مبارك» بعد الأيام الأولى الساخنة للثورة بعيدًا عما تم الاتفاق عليه معه، وتم نفى تصريحاته للتليفزيون عن موافقة «مبارك» على التعديلات، وذلك من قبل رئيس الوزراء حينها، الفريق أحمد شفيق، ووزير الإعلام أنس الفقى.
ووصف «بدراوى» مشهد دائرة الحكم فى ذلك الوقت قائلًا: «مبارك كان مستوعبًا لما يحدث، ولكنه كان فى حاجة إلى من يشرح له الموقف، وما عليه فعله، حيث تم تضليله من جانب المحيطين به».
بعد كل هذا فضّل أمين الحزب الوطنى الاستقالة، وخرج ليقول: «آن الأوان لجميع الحكام، ليزيدوا من احترام شعوبهم، ويعلموا أن الشعوب قادرة على تغيير حياتها للأفضل»، وبعدها بساعات صدر بيان المجلس العسكرى بانعقاده الدائم، وبعدها صدر بيان التنحى الذى قال عنه حسام بدراوى: «إن مبارك لم يكن يملك غير الموافقة، لكنه طلب من اللواء عمر سليمان تأجيله حتى يغادر هو وأبناؤه، حتى تمت إذاعة البيان، وانفجرت فرحة الشعب».
ورصد الكتاب إلى جانب كواليس الحكم والسياسة، المشاهد الأقل شهرة فى حياة «بدراوى»، فروى بدايته كناشئ فى فريق الكرة بالنادى الأهلى، وذلك بعدما شاهده الكابتن محمود الجوهرى، مدرب النادى الأهلى ومنتخب مصر الأسبق، وطلب منه الانضمام للفريق، وهو ما تم بعد استئذان والده، وانضم حينها لفريق يضم عددًا من نجوم الكرة فيما بعد، منهم مصطفى عبده، وعبدالعزيز عبدالشافى، واستمر معهم حتى انضم لكلية الطب، وهو ما حال دون استمراره فى لعب الكرة.
أنور الرفاعى يكتب: سيبقى "25 يناير" عيدا للشرطة المصرية.. إذا كان الشعب تخلص من "سرطان الإخوان" فالتخلص من "فيروس النشطاء" ضرورة.. وتنحى مبارك أنقذ مصر من مؤامرة إسقاطها