أقوى شهادة بقوتك وصحة موقفك هى تلك التى تأتى من خصمك، لاسيما لو ظل يتحدث لأشهر عن أنك مهزوم لا محالة، ولا سبيل أمامك سوى الفشل.
شهادة جديدة بأن مصر تسير على الطريق الصحيح جاءت من مجلة "إيكونوميست" البريطانية، التى كانت قد نشرت على مدار الفترة الماضية عدة تقارير تحمل صورة قاتمة سوداوية عن البلاد رغم معرفتها، بحكم طبيعتها الاقتصادية العميقة، بمرارة الإصلاح الاقتصادى الذى تقوم به، والذى عانت منه من قبل دول أخرى أصبحت قوى اقتصادية الآن.
ونشرت مجلة "إيكونوميست" فى عددها الأسبوعى الأخير تقريرا بعنوان "اقتصاد مصر يظهر مؤشرات الحياة.. الدواء المر بدأ يعمل"، قالت فيه إن هناك علامات على أن الرئيس عبد الفتاح السيسى بدأ يعيد مصر مرة أخرى على مسار سياسى معقول، معددة الخطوات التى قامت بها حكومته... منها زيادة أسعار المحروقات وفرض ضرائب جديدة والسماح بتحرير سعر الصرف.
وفيما يتعلق بتحرير سعر الصرف، أشارت المجلة إلى أنه "بالرغم من أن الدواء مر، يبدو أنه حقق شيئا مرادا منه وهو إغراء المستثمرين الأجانب للعودة إلى السوق المصرية"، لافتة إلى تضاعف الإقبال على شراء السندات الحكومية، مضيفة أن "هذه الشهية للاستثمار فى مصر علامة واضحة على تنامى الثقة فى الاقتصاد المصرى".
وأشارت المجلة إلى أن هذا التغيير شعر به أيضا المصريون العاملون بالخارج، حيث زادت تحويلات المصريين بالخارج بعد قرار تحرير سعر الصرف. ولفت التقرير إلى مزايا أخرى لتحرير سعر الصرف، منها دفع عجلة النمو- ولو بشكل تدريجى- فى التجارة والسياحة، حيث زادت الصادرات غير النفطية بنسبة 25% فى يناير الماضى مقارنة بالعام الماضى.
وقالت الإيكونوميست أيضا إن زيادة الصادرات بجانب صفقة قرض صندوق النقد الدولى ومصادر أخرى من شأنها زيادة احتياطيات البلاد من النقد الأجنبى، لافتا إلى ارتفاع تلك الاحتياطيات فى فبراير الماضى لأعلى مستوى لها منذ 2011، مما يبشر بتراجع العجز الدولارى الذى يعوق قطاع الأعمال.
وقدمت المجلة الاقتصادية البارزة توقعات إيجابية بالقول هناك علامات تؤكد أن المرحلة المقبلة قد تشهد المزيد من التعافى، مشيرة إلى أن انخفاض قيمة العملة بمثابة دفعة لبعض المصنعين، حيث يحول المستهلكون اتجاههم من السلع المستوردة المرتفعة التكلفة إلى بدائل محلية أقل تكلفة.
ودلل التقرير على ذلك بالإشارة إلى انخفاض العجز التجارى فى يناير من العام الجارى بنسبة 44% عن نفس الشهر فى العام الماضى.
وتلك الشهادة مهمة. فهذه هى الإيكونوميست نفسها التى نشرت عددا كاملا أثار ضجة فى أغسطس الماضى بعنوان "حالة الإنكار"، خرجت فيه عن رصانتها المعروفة حتى فى توجيه الانتقادات، وشنت فيه هجوما شرسا على السياسة الاقتصادية لمصر، واتهمتها بإهدار المليارات من أموال المساعدات الخليجية لها، ونقلت آراء شخصيات دولية حاولت بها التدليل على صحة فرضيتها بأن مصر تسير فى الطريق الخاطئ.
وهى نفس الصحيفة التى تحدثت عن "تدمير مصر" فى تقرير آخر العام الماضى، قدمت فيه انتقادات غير موضوعية للرئيس عبد الفتاح السيسى. لكن يبدو أن المجلة البريطانية لم تستطع الاستمرار فى سياسة "تكسير العظام" بعدما كانت معظم المؤشرات الاقتصادية الدولية والتقارير الصادرة عن مؤسسات مرموقة كلها فى صالح مصر فى الأشهر الأخيرة.
وبدأ تراجع الإيكونوميست عن نهجها القاتم فى تصوير الأوضاع فى مصر عندما نشرت فى يناير الماضى وضعت فيه مصر ضمن أفضل 12 وجهة استثمارية فى العالم فى عام 2017. وقال كبير الاقتصاديين لدى المجلة سايمون بابتيست فى أول أعدادها للعام الحالى إن ارتفاع جاذبية مصر الاستثمارية يرجع إلى إصدار البنك المركزى المصرى قرارا فى نوفمبر الماضى بتحرير سعر الصرف، والذى كان موضع ترحيب دولى فى آواخر عام 2016.
وأضاف "بابتيست" أنه يعتقد أن الأسواق تجاوزت حالة التقلبات التى أعقبت اتخاذ هذا القرار، وأنه يتوقع تحسن أداء الجنيه المصرى خلال عام 2017 ليرتفع بنسبة تصل إلى 14 بالمائة.