«كان الملك» السابق، فاروق يستقل سيارته المرسيدس الليموزين الخضراء الجديدة، وبصحبته زوجته «ناريمان»، ومن خلفه وأمامه حراسه الألبان ورجل شرطة إيطالى على دراجته البخارية، ويتوجه إلى منطقة الكازينوهات والنوادى الليلية الفاخرة فى «فيا فينيتو» يجلس إلى موائد القمار، يشاهد العروض الفنية التى يقدمها النادى الليلى، يطلب الشراب لكل الموجودين، يلقى بدعاباته ونكاته، يضحك، يغنى، ينقر على أدوات المائدة الفضية ضابطا لإيقاع الموسيقى، وناريمان فى صمت ولا أثر لأى تعبير على وجهها الجامد، وعند الفجر يتحرك الموكب، مغادرا أضواء «فيافينيتو»، متجها صوب التلال بالقرب من قلعة «جاندوفلو»، حيث مكان الفيللا ذات الأسوار العالية التى يقيم فيها.
هكذا يقدم الكاتب الأمريكى «وليم ستادين» جانبا من حياة فاروق فى منفاه بإيطاليا، التى توجه إليها للعيش فيها بعد أن عزله مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 من حكم مصر يوم 26 يوليو 1952، ويذكر «ستادين» فى هذه الحياة المقدمات التى ستؤدى إلى انفصال «فاروق» عن «ناريمان»، يقول فى كتابه «فاروق ملك مصر- حياة لاهية وموت مأساوى» ترجمة «أحمد هريدى» «كتاب الجمهورية- القاهرة»: «بعد قليل من الوقت بدأت ناريمان تقضى لياليها فى الفيللا، مفضلة رحلات الشراء النهارية مع سائق سيارتها المرسيدس الحمراء على السهر حتى الفجر فى الكازينو والنادى الليلى، وبعد فترة توقفت تماما عن الخروج من الفيللا».
يواصل «ستادين»: «فى شتاء 1952 اصطحب فاروق وزوجته ناريمان فى إجازة إلى تلال الألب على الحدود الإيطالية السويسرية، ومكثا فى جناح بفندق وسط الجبل، كان فى وقت من الأوقات عش الحب الذى جمع موسولينى وعشيقته كلاريتا بيتاسى، وبالرغم من باقات الزهور التى نثرها فاروق فى أرجاء جناحها بالفندق فإن ناريمان كانت غير راغبة فى شىء، فقد رفضت ممارسة رياضة التزحلق على الجليد، وحتى عندما نجح فاروق فى أن تصحبه إلى قاعة الطعام بالفندق، رفضت أن تتناول شيئا، ورفضت الحديث، فقط كانت تجلس عابسة الوجه تحرك بأصابعها أجزاء السوار الذهبى الذى يحيط بمعصمها محدثا صوتا جعل الجالسين من حولها يعتقدون إما أن فاروق يمسك بيد ناريمان وهو فى حالة هيام شديد، أو أنه يقبض على يدها ليمنعها من فعل شئ، وناريمان تحاول أن تتخلص من قبضته، كانت ناريمان فى التاسعة عشرة من عمرها فى ذلك الوقت، ومع ذلك فإن العالم لم يكن يتوقع منها كملكة تلك التصرفات التى لا تصدر إلا من مراهقة صغيرة».
فى يوم 12 مارس «مثل هذا اليوم» من عام 1953، أعلن فاروق انفصاله عن «ناريمان» واحتفظ بابنه الملك أحمد فؤاد، والتجأت ناريمان مع والدتها أصيلة هانم إلى سويسرا لتدبير المال لعودتها إلى مصر حسب كتاب «خفايا فاروق وناريمان فى المنفى» لمحمود فوزى «دار الجداوى للنشر- القاهرة».
يقدم «جميل عارف» فى كتابه «كانت ملكة- ناريمان آخر ملكات مصر» «المكتب المصرى الحديث- القاهرة»، أسرار أ أخرى أدت إلى هذا الطلاق، والكتاب عبارة عن حوار طويل أجراه «عارف» مع عم «ناريمان» والمسؤول عنها مصطفى صادق»: «كانت ناريمان تتصل فى كل يوم تليفونيا بوالدتها أصيلة هانم فى القاهرة منذ وصولها مع فاروق إلى كابرى، ولم يكن رجال الثورة يعترضون على تلك المكالمات التليفونية، كانوا يراقبونها فى صمت، ويكتفون بتسجيلها باعتبارها مكالمات خارجية، ومرت عدة أسابيع ثم انتقل فاروق إلى روما، وفيها بدأت متاعب ناريمان ومشاحناتها معه، كانت تبكى وتتوسل إلى أمها، وفى إحدى المرات قالت لأمها: «أنا بموت، فاروق حيقتلنى».
ذهبت أصيلة برسائل ناريمان إلى مجلس قيادة الثورة، وحسب عارف: طلبت أن يصرحوا لها بالسفر لإنقاذ ابنتها، وفى روما صدمت الأم بمنظر ابنتها، كانت هزيلة، وشحب لونها، وأمسكت «أصيلة» بخناق فاروق، وبدأ الشجار بينهما وفرشت أصيلة هانم أثناءه الملاية لفاروق، و صممت على أن تأخذ ابنتها معها، وأمام إصرارها قال لها: «خديها وروحى انت وهيه فى داهية»، فأسرعت ناريمان إلى جمع حقائبها وهى تبكى، ودخل عليها فاروق إلى حجرتها موجها كلامه إلى أصيلة : «علشان تمشى لازم تنسى أنها كانت مراتى فى يوم من الأيام، وتنسى إن لها ابن منى، ده ابنى مش ابنها، وأدمعت عينا ناريمان وهى تقول لفاروق: «يعنى مش عايزنى اشوفه قبل ما أسافر، قال لها: «ولا ده كمان» وتركت الفيللا يوم 12 مارس 1953 دون أن تودع ابنها.