دارت الكاميرا لتصوير فيلم «انتصار الشباب»، بطولة أسمهان، وفريد الأطرش، وإخراج أحمد بدرخان، وبعد أسبوع، وبالتحديد يوم 10 مارس «مثل هذا اليوم» من عام 1940، تزوج «بدرخان» من «أسمهان» بعقد عرفى لم يستمر أكثر من أربعين يومًا.
فى قصة هذا الزواج، تتداخل السياسة بالحب بالطائفية بطبيعة شخصية أسمهان «الغريبة» بوصف الكاتب الصحفى مصطفى أمين، مضيفًا: «تصر فى الصباح على أن تفطر طبق فول مدمس وطعمية، وتصر فى المساء على أن تأكل الكافيار وتشرب زجاجة شمبانيا، وتحرص على الذهاب إلى المساجد توزع الصدقات، وإلى الكنائس توقد الشموع، وفى الليل تذهب إلى النادى الليلى فى ملهى البيروكيه، وتسهر حتى الصباح»، «أسمهان لعبة الحب والمخابرات، كتاب اليوم، أخبار اليوم، القاهرة»، ويقول عنها محمد التابعى فى كتابه «أسمهان تروى قصتها» عن «دار الشروق، القاهرة»: «تسرف فى الشراب على نحو لم يعهده فى امرأة سواها، حتى أنها لخصت نفسها بالقول إنها لا تستطيع أن ترى الكأس ملآنة ولا تستطيع أن تراها فارغة».
كان عمرها وقت هذا الزواج 28 عامًا «مواليد 1912»، أما «بدرخان» فكان عمره 31 عامًا «مواليد 8 أكتوبر 1909»، وحسب «أبوالعينين»: «درس السينما فى باريس، ويعد من روادها فى مصر، ومع أنه نشأ فى فنه ملعقة من ذهب، إذ كان أبواه يملكان مساحات واسعة من الأرض الزراعية إلا أنه جم التواضع، شديد الحياء، مستمسكًا بالدين، لا يقرب الشراب ولا المعصية، ولا يترك فرضًا من فروض الصلاة».
السؤال: كيف جاء هذا الزواج سريعًا؟، وكيف تم بينما بدأ غرامها الملتهب مع أحمد حسنين باشا، رئيس الديوان الملكى يوم 8 فبراير 1940 فى حفل بمنزل «التابعى»؟، حسب شهادة «التابعى» نفسه فى كتابه عنها.
والإجابة تأتى فى ثلاث روايات لا يحضر فيها «حسنين باشا» بشكل لافت، الأولى يذكرها شقيقها فؤاد الأطرش فى مذكراته «قصة أسمهان»، تحرير الكاتب الصحفى فوميل لبيب، ويذكر فيها أن «بدرخان» كان يتردد على بيت الأسرة كثيرًا فى أثناء التجهيز لفيلم «انتصار الشباب»، وكانت «أسمهان» ترحب به، وكان هو شديد العطف عليها حتى آنست إليه، وصارت تروى له متاعبها، وكان فى حياتها عشرات الأصدقاء، أصدقاء قمار وخمر، ولم تكن تركن إلى واحد منهم أو تفتح له قلبها بسر، ووجدت فى «بدرخان» طيبة وتواضعًا وشريكًا عاقلًا لحياة يلزم لها بعض العقل، أما «بدرخان» فوجد بنفسه ميلًا إليها، ويؤكد «فؤاد» أن والدته وافقت، لكنه رفض لأن «الدرزية»- حسب تقاليد الدروز- يجب ألا تتزوج من غير درزى، حتى لا تختلط الأنساب، لكن «فريد» أقنعه، غير أنه لم يحضر الفرح.
أما الرواية الثانية فيذكرها مصطفى أمين: «كان بدرخان صديقى وزميلى فى الجامعة الأمريكية، وأذكر أننى سألته عندما كان يخرج لى فيلم «فاطمة» بطولة أم كلثوم، ما الذى جعله يتزوج أسمهان، أجاب: كنت أخرج لها فيلمًا، وشعرت أثناء التصوير أنها شقية وتعيسة ويائسة من الحياة، وجلسنا بعد التصوير نتحدث على انفراد، وكانت تروى لى مأساتها وتبكى، وفجأة مسحت دموعها وقالت لى: تتزوجنى؟، ووجدت نفسى أقول: أتزوجك، وأحضرنا شاهدين، وكتبت وثيقة الزواج العرفى».
الراوية الثالثة يذكرها محمد التابعى، ويقول فيها إنها كانت تريد الحصول على الجنسية المصرية لكى تبقى فى مصر التى تحبها، وأن تكون لها صفة واعتبار، أى تكون «مدام فلان»، ويذكر أن السبب فى أن يكون الزواج عرفيًا، هو أن الحكومة المصرية أصدرت فى أوائل الحرب العالمية الثانية قانونًا يحرم على المصريين الزواج من أجنبيات إلا بعد الحصول على موافقة وزارتى الداخلية والعدل، ونصحتها صديقاتها بعمل عقد زواج عرفى، ثم السعى بعدها من أجل الموافقة على عقد الزواج، والحصول على الجنسية المصرية، وكانت جنسيتها وقتئذ «سورية فرنسية»، ويوضح «التابعى» تدخله لمساعدتها لدى الحكومة فى هذا الأمر، مشيرًا إلى أنه قابل مدير إدارة الجنسية والجوازات الذى طلب منه أن تقدم دليلًا على أنها بريئة الذمة والعهد، وأن زوجها حسن الأطرش، ابن عمها، طلقها طلقة بائنة.
سألها «التابعى» عن ورقة طلاقها، فقالت إن الدروز لا يسيرون فى شؤون الزواج والطلاق على ما يسير المسلمون عليه فى مصر، فالزواج يتم عندهم شفويًا، وأمام الشهود، وكذلك الطلاق، وفشلت محاولة «التابعى» فى مساعدتها، ورفضت وزارة الداخلية تسجيل زواجها.