الاسم إنسان.. المهنة يساعد الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالإيدز.. هو "م.س" ساقته الظروف لإجراء عدة عمليات جراحية أدت لإصابته بالإيدز، تحولت حياته من مجرد مدرس لغة إنجليزية إلى مساعدة المئات ممن يتعرضون للإصابة بالإيدز ولا يجدون من يساعدهم، وذلك من خلال برنامج "الحرية من الإدمان والإيدز" الذى يرعاه عدد من الأطباء بقيادة الدكتور إيهاب الخراط لتقديم المساعدة للمرضى المتعايشين مع الإيدز.
يحكى "م.س" لـ"انفراد" خلال مؤتمر "تطوير السياسات الصحية والقانونية والبنية التشريعية للتجاوب مع فيروس نقص المناعة البشرى فى مصر"، تفاصيل إصابته بفيروس الإيدز: "بدأت القصة من 2002 بالتبرع بالدم وبعد عدة أيام حضر للمنزل مجموعة من موظفى مديرية الصحة التابعة للمحافظة التى أنتمى إليها وصدمت من عبارة "أنت مصاب بالإيدز ولازم تيجى تكمل باقى التحاليل".
ويكمل: "وقع علىَّ الخبر كالصاعقة ولم أصدق نفسى، وعلى الفور طردتهم من المنزل حيث كان الشائع فى ذلك الوقت أن هذا المرض مشكلة وعيب وعار والفكرة السائدة عنه أنه ينتقل من خلال الممارسات الجنسية الشاذة وغير الشرعية".
ويضيف: "أخذت فى التفكير وذهبت للتأكد من صحة التحاليل التى قاموا بها، وهناك قال لى مقدم المشورة بالمستشفى العام بالمحافظة: "لو ظهرت النتيجة إيجابية سنتواصل معك لنعرفك كيف يمكنك التعايش مع الإيدز وإن لم نتصل بك فاعلم أنك غير مصاب".
فى مصر مريض الإيدز آخر من يعلم
ويستكمل: "بالفعل لم يتواصلوا معى فتأكدت من عدم إصابتي، وتزوجت وأنجبت وكانت حياتى طبيعية للغاية، وفى 2011 مرضت بارتفاع درجة حرارتى مع ظهور طفح جلدى فى أجزاء متفرقة من جسمى وذهبت لمستشفى الحميات القريبة وكانت الصدمة منذ بداية وصولى للمستشفى حيث تعامل معى الجميع على أنى مريض إيدز بناء على نتائج تحاليل 2002 ولم يتواصلوا معى وتركوني، واكتشفت أن مديرية الصحة أبلغت مستشفى الحميات بإصابتى بالإيدز منذ عام 2002 دون إخبارى وأن اسمى مسجل بالمستشفى منذ ذلك التاريخ كمريض بالإيدز دون أن يتواصل معى أحد وكأننى أخر من يعلم بالإصابة".
ويتابع: "جميع الأفكار السيئة جاءت إلى ذهنى أولادى وزوجتى والدم الذى تبرعت به وصل لأحد أم لا، فمن الممكن أن يكونوا نسوا مرضى وأعطوا الدم لأحد ونقل المرض له ولغيره من بعده".
ويضيف: "كل هذه الأسئلة تحولت إلى حلبة صراع بداخلى ونقلتها إلى الطبيب فى المستشفى بخناقة كبيرة حتى يسمعنى أحد المسئولين هناك ويعرف كيف وصل الإهمال لديهم إلى هذا الحد، فكيف يكون مريض الإيدز فى مصر هو آخر من يعلم بإصابته وأن يبقى طوال 10 سنوات حاملاً للمرض دون أن يخبره المستشفى رغم علمه بحالته، وكان مبرر الطبيب فى ذلك الوقت أنهم لم يستطيعوا الوصول إلىّ، رغم أننى لم أغير عنوانى وحضروا لمنزلى من قبل؟".
وعن سبب إصابته بالمرض يوضح م.س أنه أجرى 4 عمليات جراحية خلال الفترة من 2000 – 2002، منها عملية الزائدة الدودية ويرجح أن هذا هو سبب الإصابة.
ويكمل المريض باقى تفاصيل المأساة: "وبعد كل الخناقات التى قمت بها فى المستشفى لم يتحرك أحد ولكن المعاملة معى كانت سيئة وكأننى أنا الجانى وليس المجنى عليه، فالتعامل كان فيه إهانة كبيرة لى بداية من تعامل الممرضات وصولاً إلى الطبيب الذى كنت أظن أنه سيقف بجانبى ويتعامل معى بطريقة صحيحة ولكن للأسف جميعهم أساءوا لى وشعرت أنى مجرم كل جريمته أنه مصاب بالإيدز".
ويضيف: "بسبب العلاج انقطعت عن العمل فترة بإجازة رسمية، حيث كنت أعمل مدرس أول لغة إنجليزية وحصلت على لقب المدرس المثالى لمدة 6 سنوات على التوالى، ولكن بعد عودتى للعمل مرة أخرى، فوجئت بأن الجميع يعلم بإصابتى بالإيدز وهرب جميع الزملاء منى ومن أول لحظة لى فى المدرسة وقبل جلوسى على الكرسى قالت مديرة المدرسة: "ده طلب نقل ليك من المدرسة أولياء الأمور هددوا أنهم هيخرجوا أبناءهم من المدرسة لو أنت فضلت تدرس ليهم".
وبتنهيدة طويلة أوضح "م.س": "لم يحزننى تعامل مديرة المدرسة وزملائى لأن الأطباء تعاملوا معى بطريقة أقل من ذلك، وبعد انتقالى للإدارة التعليمية حدث معى نفس التفاصيل التى حدثت فى مدرستى ولم أستطع مقابلة أحد هناك، وتحولت الحياة أمامى إلى طريق أسود مسدود ليس له نهاية وأثناء سيرى فى الطريق صدمتنى سيارة وألزمتنى الجلوس فى السرير 3 أشهر".
"وخلال هذه الفترة تعلمت كيف أفكر بطريقة إيجابية بعيدًا عن الانهزامية التى كنت أعيش فيها بسبب تعامل الآخرين، وكانت البداية أننى فكرت فى زوجتى وبعد إجراء الفحص عليها والتأكد من عدم إصابتها بالإيدز قمت بالانفصال عنها بإرادتى حتى لا تصاب منى فيما بعد، وكى تستطيع استكمال المسيرة من أجل أبنائي، وبعد شفائى من الحادث ذهبت للإدارة التعليمية لاستلام مكانى الجديد ففوجئت بإنهاء خدمتى فى وزارة التربية والتعليم بدون التحقيق معى أو إرسال انذار لى، ورفعت قضية فى مجلس الدولة وحتى الآن لم أصل لحل".
وبصوت حزين يقول: "أنهوا خدمتى فى التعليم بدون تحقيق.. أنا مش مجرم أنا مجرد مريض"، ونتيجة الصعوبات التى واجهتها فى حياتى قررت العمل من أجل خدمة من يعانون مثلى بالإيدز ويتعامل معهم المجتمع على أنهم مجرمون بالإضافة إلى حماية الأفراد الأكثر عرضة للمرض ليعرفوا كيف يتعاملون معه ويحمون أنفسهم منه، وذلك من خلال الجمعيات الأهلية التى أصبحت متوفرة فى أماكن كثيرة الآن لتوعيتهم.
وينصح "م.س" من يشكون فى إصابتهم بالإيدز ويقول: "الحق نفسك واعرف عندك إيدز ولا لأ وأنت واقف على رجليك احسن ما تقع والناس كلها تتفرج عليك".
ويوجه للمجتمع جملة يريده أن يفكر فيها وهي: "ياريت بدل ما تحارب مريض الإيدز حارب المرض نفسه، ما فيش حد معصوم من الخطأ بلاش نظرة الاحتقار التى يقوم بها المجتمع".