إذا كنت من مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى فبالتأكيد ارتطمت عينيك مرة أو أكثر بهاشتاج "اللى عنده معزة يربطها"، وإذا لم تكن فقد تكون شاهدت واحدًا من برامج "التوك شو" التى ناقشت هذا التسجيل الصوتى الذى شغل الكثيرين خلال الساعات الماضية.
وعلى الرغم من وجود شكوك حول حقيقة هذا الرد الذى تحول إلى "إفيه" تتداوله مواقع التواصل الاجتماعى إلا أنه يظل فى النهاية يعكس الطريقة التى يفكر بها الكثير من المصريين بشأن عدة قضايا، بدءًا من التربية ووصولاً إلى العلاقة بين الجنسين والنظرة "الذكورية" للنساء فى المجتمع.
وبعيدًا عن مستوى الحوار بين الوالدين، والانتقادات العديدة التى وجهت لهما، وهذا "الرد الذكورى" المنسوب للأب، هناك العديد من التساؤلات والقضايا التى يدفعنا هذا التسجيل الصوتى وما صاحبه من ضجة إلى التفكير بها.
كيف نربى أولادنا؟
"أنا متخلفة أو مش متخلفة أنا حرة فى دينى" عبارة تضمنها التسجيل الصوتى لأم الطفلة التى قبلها زميلها فى المدرسة، وهى محقة فعلاً، وبالطبع هى حرة ولا يحق لأحد أن يشكك فى قناعاتها وما تؤمن به وتراه صحيحًا؛ ولكن ينبغى أن يدفعنا هذا إلى التفكير فى الطريقة التى نربى بها أبنائنا، وليس فقط الطريقة التى تربى بها هذه الأسرة ابنتها.
دائمًا ما نردد أن "كل واحد حر فى عياله" ويتعامل الآباء والأمهات مع أطفالهم وكأنهم "ملكية خاصة" لهم، ونردد إكليشيهات محفوظة عن أن "ماحدش هيخاف عليك أكتر من أبوك" "مافيش أم بتكره ولادها ومافيش أب بيؤذى ولاده" هل نحن جادين حقًا؟ ألم نسمع أبدًا عن كل تلك حوادث التعذيب والقتل والاغتصاب للأطفال، ذكور وإناث، من قبل ذويهم بالإضافة إلى حالات انتحار الأطفال التى يقف خلف الكثير منها الضغوط التى يتعرضون لها من الوالدين.
فى عام 2016 رصد تقرير المجلس القومى للأمومة والطفولة الصادر فى أغسطس، 285 حالة عنف أسرى ضد الأطفال خلال النصف الأول من العام، كما رصد 12 حالة انتحار لأطفال لأسباب متعددة منها خوف الطفل الشديد من عقاب والديه.
هذه الانتهاكات المرصودة ضد الأطفال ليست بالطبع كل ما يحدث، وليس كل ما يحدث من أخطاء فى تربية الأطفال هو عنف، ونحن فعلاً بحاجة ماسة إلى دورات تدريبية إجبارية لتأهيل المقبلين على الزواج على التربية السليمة، ونحن بحاجة لتوعية واسعة للأهالى بأن هذا الطفل الذى نعبر عن شديد اعتزازنا به فنقول أنه "قطعة منا" فى الواقع لا يجب أبدًا أن يكون "نسخة كربون" منا، ولا يجب أن نفرض عليه اتجاهات وطرق تفكير اخترناها نحن بإرادتنا، دون أن تكون له إرادته.
كيف نتعامل مع أخطاء أبنائنا؟
استعرض التسجيل الصوتى المذاع، بما فيه الذى ينسب لوالد الطفل، نمطين شائعين لطريقتنا فى التعامل مع أخطاء أبنائنا، قالت الأم "لازم الأمهات تعرف كل حاجة، أنا لو بنتى عملت حاجة لازم كل الناس تعرف بنتى عملت إيه، عشان نقوم ونربى ولادنا"، هل بهذه الطريقة حقًا يتم تقويم أولادنا؟ الكثير من الأسر تعاقب طفلها على أخطائه أمام آخرين.
وكثير ما يرتكب الطفل خطأ فى البيت أو المدرسة ويفاجأ بأن هذا الخطأ الذى ارتكبه أصبح معروفًا لجميع أفراد عائلته وربما يبدأ الكبار من العائلة يعلقون له على الخطأ وينصحونه وكل منهم يدلى بدلوه فى التصرف الصائب الذى يجب أن يفعله، وفجأة يتحول ذلك الخطأ الصغير الذى ارتكبه إلى فضيحة تعمد الوالدان نشرها كى "يخجل من نفسه"، ويتردد ألف مرة قبل أن يرتكب الخطأ. ولكن النتيجة هى أنه يتردد ألف مرة قبل أن يصارح والديه بأخطائه ويتفنن فى ارتكاب الخطأ دون أن يعرف أحد.
أما النمط الثانى فى التعامل مع أخطاء الأبناء يتجسد فى الرد المنسوب للأب "أنا ابنى يبوس اللى هو عاوزه" بمثل هذه "البلطجة" يتعامل الكثير من الآباء مع أخطاء أبنائهم، وهم يظنون أنهم بذلك لا يسمحوا لأحد بأن "يكسر عين" ابنهم أو يتطاول عليه.
يتجنبوا خطأ النمط الأول بخطأ آخر وهو فرض قوانين طفلهم على الآخرين أما من يتضرر من سلوكياته فهذه "مشكلته" وعليه أن يتعامل معها.
الأمر نفسه ينطبق على تعاملنا مع التحرش، غالبية المتحرشين يتصرفون بالمنطق ذاته "أنا متحرش.. مش هتغير انتى اقعدى فى البيت" والمجتمع أيضًا يلجأ للمبرر ذاته "لو هى محترمة ماكانتش خلته يبوسها" ويقال فى رواية أخرى "لو هى ماشية محترمة ماكانش اتحرش بيها".
لماذا تنحاز السوشيال ميديا لـ"قصف الجبهة"؟
رغم البلطجة الواضحة فى الرد المنسوب للأب، ورغم الخطأ الكبير فى طريقة تناول المشكلة فى هذا الرد، إلا أن غالبية "الكوميكس" المنشورة على "السوشيال ميديا" انحازت لصف "الإفيه" الذى ألقاه الأب المزعوم.
رأى الكثير من صناع "النكتة" على السوشيال ميديا أن الأب المزعوم "قصف جبهة" الأم باحترافية وأفحمها بالرد، وامتدحوا هذا الرد وفجأة تحول "أبو عبد الرحمن" إلى "أيقونة" تمامًا مثلما حولت السوشيال ميديا غيره إلى أيقونة بعد تسريب "مكالمة جنسية" له.
لم يحدث هذا فقط لأن "الرد الذكورى" داعب عقول الكثيرين وأعجبهم، وإنما يتكرر كثيرًا مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعى. لا يهم أبدًا أن تكون الردود فى المناقشة منطقية المهم أن تجيد "قصف جبهة" الآخر و"تخرسه" لا أن يكون الحوار بهدف الوصول إلى منطقة وسطى أو تغيير رأى أو توضيح حقيقة، الهدف هنا أن "تخرس" لا أن "تفهم".
هل يتقبل مجتمعنا تعليم الثقافة الجنسية للأطفال؟
فى معرض مناقشته للواقعة، تطرق الدكتور أشرف وجدى الطبيب النفسى المعتزل ومدير المركز الثقافى "Books & Beans" إلى الحديث عن التربية الجنسية للأطفال فى المدارس، وهو ما يجعلنا نتساءل، بهذا المستوى من التفكير والحوار بين أولياء الأمور هل يمكن أن يتقبل المجتمع يومًا تعليم الثقافة الجنسية للأطفال فى المدارس؟
ربما يعيدنا هذا إلى المشهد فى 2010 حين أشيع أن مركز تطوير المناهج التعليمية فى وزارة التربية والتعليم يعد كتابًا يتناول الثقافة الجنسية، تمهيدًا لتدريس الثقافة الجنسية فى المدارس ووقتها قامت الدنيا ولم تقعد إلا بإعلان الوزارة أنها "ليس لديها أى خطة لتدريس هذه الثقافة بشكل صريح" كما قيل وقتها.
7 سنوات مرت على هذا المشهد ولا أعتقد أبدًا أن الوضع تغير، ولا أن المجتمع سيتقبل يومًا تعليم الثقافة الجنسية للأطفال فى المدارس رغم تأكيد العديد من المتخصصين على أهمية ذلك للمجتمع لعلاج عشرات القضايا تبدأ بالتحرش وزيادة نسب الطلاق ومشاكل العلاقات الزوجية.