تواجه الحكومة تحدياً كبيراً خلال المرحلة الراهنة أثناء إعداد الموازنة العامة للعام المالى المقبل 2017/2018، تتمثل فى تحديد سعر "دولار الموازنة" المتوقع خلال السنة المالية المقبلة، وهو ما يترتب عليه تحديد حجم المصروفات التى تنفق بالدولار والإيرادات الدولارية أيضا.
وظهرت قضية "دولار الموازنة" بصورة واضحة اعتباراً من عام 2015 عندما كان يتم إعداد موازنة السنة المالية 2015/2016، حيث وضعت وزارة المالية توقعا مبدئيا لسعر الدولار عند 8.25 جنيها فى بداية إعدادها، وقت أن كان السعر الرسمى للدولار فى البنك المركزى 7.75 جنيها، وكانت السوق السوداء تشهد نشاطا مكثفا، وكان من المثير للجدل وقت تسريب هذه المعلومة التى بثتها وسائل إعلام وجود توقعات لسعر الدولار بموازنة السنة الجديدة بأعلى من السعر الرسمى، وهو ما يشير بوضوح لوجود نية مرتقبة لتخفيض سعر الجنيه، وهو ما تم بالفعل.
وانتهت موازنة هذه السنة بتوقعات الدولار عند 9 جنيهات، وربما كانت هذه المعلومة سببا كبيرا فى نشاط السوق السوداء، وأدت لإحداث ارتباكا فى العلاقة بين وزارة المالية التى كان يترأسها هانى قدرى وقتها، والبنك المركزى بقيادة طارق عامر.
فعند إعداد الموازنة العامة للدولة تقوم وزارة المالية بدراسة عدد من المؤشرات والتوقعات المستقبلية للاقتصاد المصرى والعالمى والأسعار المتوقعة لأهم السلع الاستراتيجية مثل القمح والسكر والمواد البترولية، والتى تحتاج تدبير اعتمادات مالية بالدولار لإستيرادها ، وأيضا سعر الدولار المتوقع خلال السنة المالية الجديدة ، ولأن الموازنة الجديدة ليست كموازنات السنوات السابقة، لأنها جاءت بعد تعويم الجنيه ، فلم يعد هناك سعرا رسميا ثابتا للجنيه الآن، حيث يحدد السعر العرض والطلب، كما أن السعر لم يستقر حتى الآن، فبعد أن شهد انخفاضا على مدار أسبوعين لينخفض تحت حاجز الـ 16 جنيها، عاد ليرتفع من جديد ويقترب من الـ 18 جنيها بل ويتخطاها فى بعض الأيام، وهو ما يصعب مهمة تحديد السعر المتوقع للدولار فى الموازنة، وبالتالى تحديد قيمة دعم المواد البترولية والسلع التموينية وفوائد القروض الدولارية بالموازنة الجديدة.
وتأتى أهمية معرفة سعر "دولار الموازنة" فى أنها تعطى تصورا أو توقعا "رسميا" لسعر الدولار للسنة القادمة، فى وقت يصعب على الكثير بناء توقعات بشأنه ، وقد يمثل توجيها غير مباشر للسوق بالتحرك تجاه الصعود أو الهبوط، فإذا جاءت توقعات دولار الموازنة مرتفعة فستعطى انطباعا للسوق باستمرار تراجع قيمة الجنيه او أنه سيستقر على سعر مرتفع، بخلاف ما توقعه الخبراء من بنوك الاستثمار بأن السعر التوازنى للجنيه عند 13 – 14 جنيها، وهو السعر الذى لم يصل إليه أبدا منذ التعويم.
أما إذا جاءت توقعات دولار الموازنة عند سعر منخفض فسيعطى انطباعا بأن السعر التوازنى للدولار أمام الجنيه منخفضا بالطبع، وهو ما سيوجه السوق نحو نفس الاتجاه ، ولأن الإنطباعات تلعب دولارا كبيرا فى توجيه الاقتصاد أو سوق الصرف وفى هذه الحالة فيمثل إعلان سعر الدولار المتوقع بالموازنة الجديدة أهمية كبيرة، وفى الوقت نفسه إذا وضعت الحكومة توقعات أقل من السعر الحقيقى فسيتسبب لها فى مشكلات تتعلق بارتفاع عجز الموازنة بأكثر مما هو مستهدف نتيجة ذلك ، ومن هنا يكتسب إعلان "دولار الموازنة" أهميته، باعتباره توقعا "حكوميا" للدولار فى السنة القادمة.