حكما جديدا ضد الرئيس التونسى الأسبق زين العابدين بن على صدر خلال الساعات الماضية فى إحدى قضايا الفساد المنظورة فى القضاء ليؤكد إدانته، حكما يأتى ليؤكد صدق الجماهير الحاشده التى خرجت للثورة ضده فى 2011 من جهة، وليزيد – من جهة آخرى - حالة الجدل التى ظهرت مؤخرا داخل الأوساط السياسية رافضه لتلك الأحكام ومطالبه بقانون للمصالحة الوطنية يفتح صفحة جديدة مع الماضى، خوفا من استغلال القضاء فى تصفية الحسابات السياسية.
وقضت الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس بثبوت إدانة الرئيس الأسبق زين العابدين بن على وتقضى بسجنه غيابيا لمدّة ستة أعوام، لاستغلاله صفته لتحقيق فائدة غير قانونية، كما قضت بسجن وزير التعليم العالى الأسبق الأزهر بوعونى بالسجن بنفس المدة وسجن مستشار بن على سابقا والناشط السياسى الصحبى العمرى لمدة أربعة أعوام وذلك على خلفية تدخل العمرى لتحقيق فائدة شخصية لأحد أقاربه بوزارة التعليم العالي.
وهذه الأحكام ليست الأولى فى حق بن على ورموز نظامه حيث سبق أن صدرت أحكام فى قضايا مماثلة، وهى الأحكام التى أثارة ضجة فى تونس حيث طالبت بعض الأحزاب بسرعة اطلاق قانون للمصالحة الاجتماعية.
ويأتى الحكم بعد 24 ساعة من إعلان الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى فى ذكرى استقلال تونس منذ يومين بتجديد مبادرته حول طرح قانون المصالحة الوطنية والذى كان قد قدمه للبرلمان فى يوليو 2015، إلا أنه تم "ركنه" عمدا بعد الرفض الذى قوُبل به من قبل بعض الاحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني.
وقال السبسى فى ذكرى الاستقلال أنه أعاد طرح المشروع أمام البرلمان بعد إدخال بعض التعديلات على بنودها، مشددا على أن المبادرة الهدف منها هو " خلق مناخ ملائم للاستثمار الخارجى والداخلى"، مؤكدا أن للبرلمان حرية رفضها أو المصادقة عليها.
وكشفت مستشارة السبسى سعيدة قراش، تفاصيل الصيغة المعدلة التى دفعت بها مؤسسة الرئاسة لقانون المصالحة، لافته الى أنه تم الأخذ بالإعتبار الإنتقادات التى واجهتها الصيغة الأولى ، مؤكدة إدراج تنقيحات تستوعب النقاط الخلافية بطريقة يؤدى فيها هذا القانون وظيفته فى تحرير طاقات الإدارة التونسية على غرار المسؤولين الكبار، لافته الى أن هناك توجه لإيجاد صيغة فى هذا القانون تتعهد فيها جميع الأطراف المعنية بعدم تكرار الممارسات، إضافة إلى تغيير تركيبة اللجنة المتعهدة بالملف والتى كانت متكونة فقط من السلطة التنفيذية.
وأمام قانون قصر قرطاج يوجد 15 نائبا من مختلف الكتل بمجلس نواب الشعب، تقدموا الأسبوع الماضى بمبادرة تشريعية تتمثل فى "مشروع قانون أساسى يتعلق بالمصالحة بخصوص الموظفين العموميين فيما يخص الفساد المالى والاعتداء على المال العام"، وذلك بهدف إعادة الثقة إلى إطارات الدولة وتحرير الإدارة التونسية من حالة الشلل التى أصابتها بسبب إحجام الموظفين عن تحمل المسؤولية خوفا من الملاحقات القانونية.
وأمام الجبهة المؤيدة لقانون المصالحة يوجد عدد من مؤسسات المجتمع المدنى تعارض هذا التوجه بشده، حيث قالت منظمة "أنا يقظ" االمهتمة برصد الفساد المالى والإدارى فى تونس عن دهشتها إزاء الاصرار على تمرير مشروع قانون المصالحة الاقتصادية قائلة "إن الأمر يدعو إلى الريبة خاصة بعد انتكاس مبادرة طرحه فى مناسبتين رضوخا لرد فعل الشارع".
هذا الجدل الذى بدأت تدب أصدائه فى الشارع التونسى يكشف مدى التحول فى هوى التونسيين من القصاص الى المطالبة بمصالحة وطنية لوطن يسع جميع الأطياف، ولهذا أسباب عديدة منها أن تونس تمر بأزمات متتالية منذ سقوط نظام بن على مما ولد حالة من الحنين الى العهد البائد بكل مساؤه، ومن الأسباب أيضا مناداة بعض الأصوات فى تونس بالاستفادة من تجارب الدول السابقة التى شهدت مصالحات مع الماضى مثلما حدث فى جنوب أفريقيا كمثالا، وطيفا آخر يخشى أن يتم استغلال القضاء كأداة لتصفية الحسابات السياسية.
ووسط طوفان التأييد والمعارضة على استحياء من البعض قالت صحيفة الشروق التونسية أن حرب برلمانية تلوح فى الأفق بين أصحاب المبادرة التشريعية حول المصالحة وبين معارضيها، والسبب لا يتعلق بالمصالحة فالجميع مقتنعون بضرورتها بل يرتبط بشكلها، لافته الى أن الكثير من المتحمسين للمصالحة التشريعية يرون أن العدالة الانتقالية لم تحقق أهدافها حتى الآن، والأزمة تكمن فى تمسك كل طرف بالشكل الذى يخدم مصالحه الضيقة.