عندما وضعنا فكرة ملفنا عن "دويتش فيله" وتحركاتها الإعلامية المحاطة بالشك والتساؤلات فى الساحة المصرية، كنا نستهدف بالأساس إثارة التساؤلات المدعومة بالمعلومات، سعيا إلى إجابات عقلانية مقنعة من جانب المؤسسة والقائمين عليها ومن يخططون ويرسمون مساراتها، لم نكن نسعى لشجار أو تلاسن أو معركة خطابية تُرفع فيها الشعارات والجمل العصماء عن النزاهة والاتزان دون دليل أو شاهد عملي، وهو ما فعلته المؤسسة والسفارة الألمانية فى بيانيهما للرد على "انفراد"، ولم نكن نستهدف صراعا مجانيا مع زملاء ومؤسسات شريكة فى ساحة الإعلام المصري، تورطت فى اتفاقات وشراكات وبروتوكولات تبادل محتوى ودعم فنى وإنتاج مشترك مع المؤسسة، وفق اشتراطات وأطر عمل تحيط بها التساؤلات أيضا، لهذا أشرنا إلى مضمون الاتفاقات ومحتواها وتواريخها، واحتفظنا بأسماء المؤسسات والمشاركين وبعض التفاصيل التى افترضنا حسن نية الزملاء فيها، وأنهم سُحبوا لمساحة لم تتوفر لهم المعلومات التى توفرت لنا بشأنها، لهذا كشفنا لهم وللناس ما بحوزتنا، وانتظرنا التفنيد والرد من المؤسسة، وفى الحقيقة كنا نوقن من البداية أنه لا رد ولا تفنيد، لأن جل ما عرضناه موثق ولدينا شواهد وأدلة عليه.
كنا ننتظر من "دويتش فيله" أن ترد ردا موضوعيا ومعلوماتيا يليق بمؤسسة إعلامية، وقد تساءلنا عن سر نشاطها المكثف والمبالغ فيه بعد ثورة 25 يناير الماضي، والذى شهد إنتاجا مشتركا لبرامج تليفزيونية ومحتوى صحفي، ودورات وورش عمل مع عشرات القنوات والصحف والمواقع والجامعات والمعاهد، بعضها لا يندرج ضمن خطط عمل أكاديمية "دويتش فيله" التى تضطلع بتدريب العاملين فى الحقل الإعلامي، ومنها ورشة عمل استضافها معهد الأهرام الإقليمي، التابع لمؤسسة الأهرام الزميلة، حول أوضاع المرأة المصرية وآليات تمكينها وتطوير حركتها فى المجالين الاجتماعى والسياسي، وحاضرت فيها باحثة ألمانيا تقدم برامج تدريب للعاملين ببعض الأجهزة الأمنية الألمانية حول التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعى وآليات التواصل الفعال مع العرب وكيفية التعامل مع شبكات الدعم الاجتماعى والسياسى فى الساحة العربية، واشتملت الورشة على لقاءات مغلقة على المشاركات، وكن ثلاثين سيدة وفتاة من الصعيد والوجه البحري، منهن 13 من المحررات الصحفيات وناشطات التواصل الاجتماعى والعاملات فى مجال تسويق المواقع، و17 من الطالبات والفتيات الإقليميات، ولم يكن المحتوى النظرى والعملى ورشة تدريب على العمل الإعلامى وآليات الاتصال وإنتاج المحتوى وتسويقه، ولكنها شملت فى جانبها الأكبر كيفية صناعة القضايا وإبرازها وترويجها وحشد الداعمين لها لبناء ظهير يتبنى الموضوعات المثارة على أرضية اجتماعية وسياسية وصناعة دوائر ضيقة ونشطة لتوجيه الرأى العام وقيادته، بينما لم تتناول الورشة أى نقاش حول آليات تطوير قدرات المرأة المصرية وكفاءتها ودعم حضورها فى المجالين الاجتماعى والاقتصادى عبر التدريب على تطوير الأداء وتعميق الخبرات العملية وتقديم دعم حقيقى لصناعة رائدات أعمال أو تنمية القدرات المهنية والفنية لهن.
السؤال الذى تثيره الورشة المشار إليها، وورش أخرى استضافتها الجامعة الألمانية بالقاهرة وجامعة الأهرام الكندية وغيرهما، هو ما حجم التمويل المخصص لهذا الباب من نشاط "دويتش فيله"؟ وهل يمثل العمل على هذه الأرضية دعما حقيقيا للإعلام أم يستهدف صناعة "لوبي" موجه؟ ولماذا لم تتبن المؤسسة أية مبادرات ذات طابع اجتماعى واقتصادى لدعم قدرات الشباب والفتيات وتمكينهم بدلا من إنفاق الأموال الضخمة على ورش عن آليات ترويج الأفكار على فيس بوك أو تويتر أو حتى بالتوازى معها؟ وأين الشباب الذين دربتهم المؤسسة فى السنوات الأخيرة الآن وهل عادت عليهم هذه التدريبات بفائدة حقيقية أم كان الهدف الاستمالة وحسب؟ وهل زيارة أبريل المقبل التى تشمل ضمن خططها المسبقة توقيع بروتوكولات وشراكات مع مؤسسات تعليمية وحقوقية ستشهد الممارسات ذاتها والتوجيه ذاته؟ أسئلة كثيرة ومتتابعة تنضم لطابور طويل من الأسئلة السابقة التى لم تجب عنها المؤسسة، ويبدو أنها لن تجيب ولا تمتلك إجابة أصلا، وتتطلع إلى مواصلة تحركاتها المحاطة بالشبهات بالطريقة نفسها ودون حسيب ولا رقيب.