غادر الزعيم الصهيونى «هرتزل» فندق «شبرد» بالقاهرة، للاجتماع باللورد «كرومر»، المعتمد البريطانى فى مصر، يوم 25 مارس «مثل هذا اليوم» عام 1903، كان «هرتزل» فى القاهرة منذ 23 مارس، لمتابعة بعثته «الصهيونية»، التى تزور مصر منذ يوم 11 فبراير 1903 لمعاينة أرض سيناء على الطبيعة لتكون وطنًا لليهود، حسب تأكيد كامل زهيرى فى كتابه «النيل فى خطر» عن «مكتبة الأسرة - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة».. راجع «ذات يوم 23 مارس».
يذكر «زهيرى» اعتمادًا على مذكرات «هرتزل» أن بعثة الاستكشاف وصلت إلى السويس وقطعت 598 ميلا، وتم اكتشاف البلاد سيرا على الأقدام وعلى ظهور الإبل، لأن ندرة المياه تعرض الخيول للخطر، وانتهت المهمة يوم 25 مارس 1903 وكتب البعثة تقريرها وشمل «تقسيم الأرض المكتشفة إلى خمس مناطق هى: سهل الفرما، المنطقة الرملية جنوب بحيرة البردويل، والواقعة بين وادى الفرما ووادى العريش، وادى العريش وملحقاته، وكذلك صحراء التيه، سلسلة جبال التيه ومناطق مساقط المياه، الجبال والأودية والساحل الواقع بين مناطق مساقط المياه والسويس، وتحدث التقرير عن السكان وأماكن وجودهم، والحياة الحيوانية والنباتية والمعادن والطاقة والمياه والأحوال الصحية والجو، وانتهى التقرير إلى أن الظروف القائمة تجعل المنطقة غير صالحة لتوطين الأوروبيين، ولكن فيما شاهدته ومن تجارب أعضائها يستطيعون أن يؤكدوا بثقة أنه إذا ما توفر الماء، فإن أحوال التربة والصحة والجو، يمكن فى المنطقة الصحراوية أن يستوعب عددا كبيرا من السكان».
أخطر ما يذكره «زهيرى» نقلًا عن «هرتزل»، أنه بناء على هذا التقرير تقدم الزعيم الصهيونى بمشروع اتفاقية أعدها وهى عبارة عن «تعاقد مع الحكومة المصرية للحصول على امتياز الاستيطان فى شبه جزيرة سيناء لمدة 99 سنة، قابلة للتجديد بنفس الشروط، وينص على منع الحكومة المصرية من التصرف فى بقية سيناء، تمهيدا للتعاقد عليها بنفس الشروط، وتشمل الاتفاقية 14 بندا، ويبدأ العقد بصيغة: «تم الاتفاق بين الحكومة المصرية طرف أول، والدكتور تيودر هرتزل نيابة عن شركة تحت الإنشاء طرف ثان»، وفى البنود «بند أول»: «تمنح الحكومة المصرية الدكتور هرتزل أو الشركة، التى يؤسسها الحق فى احتلال الأرض الكائنة شرقى قناة السويس البحرية وحق استعمارها».
وينص البند الثانى على: «يمنح الامتياز لمدة 99 سنة وللحكومة الحق فى إلغائه بعد إخطار مدته ستة شهور، إذا لم تنفذ الشروط الأخرى الواردة فى عقد الامتياز، وفى البند الرابع: «يصبح المستعمرون القادمون إلى المنطقة الممنوحة عن طريق الشركة من الرعايا المحليين، وعلى كل من لا يتمتع بالرعوية العثمانية أن يقرر كتابة وبصفة قاطعة قبوله اختصاص السلطات المحلية الإدارية والقضائية، وعليه أن يرفق مع هذا الإقرار شهادة من سلطات دولته الأصلية بشرعيته اكتسابه الجنسية العثمانية، وفى كل الأحوال ألا تعتبره هذه السلطة رعية من رعاياها أو شخصا يقع تحت حمايتها»، وينص البند السابع على: «يصرح للشركة بإنشاء الموانئ فى الأراضى الممنوحة وللشركة إقامة كل الخطوط، ووسائل المواصلات كالطرق والسكك الحديدية، وخطوط البرق والهاتف، كما تقوم بكافة المشروعات أيا كان نوعها».
فى لقاء «هرتزل» و«كرومر»، يذكر «زهيرى» أن هرتزل دخل فى الموضوع وتحدث عن مد السكة الحديد «واحتياج الماء من النيل»، فرد كرومر: «لا أستطيع أن أعطيك جوابا باتا حتى يرجع الخبير، الذى وكلته بهذا«يقصد السير ويليام جارستن وكيل وزارة الأشغال العمومية المصرية»، وقال هرتزل: «نحن نطلب فقط من النيل مياه الشتاء الزائدة، التى تجرى عادة إلى البحر ولا يستفاد منها».
فى اللقاء، توجه «هرتزل» بسؤال إلى كرومر، ما إذا كان عليه أن يزور بطرس «يقصد بطرس باشا غالى ناظر الخارجية» فأجاب كرومر: «نعم وقد أخبرته أنك هنا»، وطرح هرتزل سؤالا ثانيا: «هل أزور المفوض التركى؟» فأجاب كرومر: لا، لا يمكنه أن يقول شيئا بهذا الخصوص، وأنا لا أعترف به، لا تتصل به أبدا، والآن سأنتظر رجوع بعثتك»، يضيف هرتزل: «وزارة مصرية لا يستطيع المصريون فيها أن يعطوا أى أمر، خدم كثيرون يتسكعون فى غرف الانتظار الواسعة، أرسلت بطاقتى فأسرع بطرس إلى استقبالى وهو متقدم فى السن بدين مترهل، بدأنا بحديث السياح ثم انتقلنا إلى الموضوع، وسأل هو أيضا: «من أين تجيؤون بالماء؟ فأطلعته باختصار على مشروع الرى الذى هيأناه، والذهب أيضا سيكون ريا آخر، وظل يوافقنى ونحن نشرب القهوة التركية، إلى أن أعلن قدوم القنصل النمساوى وعندئذ تركته».