لم يكن يأمل الموقعون على اتفاقية روما لإنشاء السوق الأوروبية المشتركة فى 1957 والتى أصبحت فيما بعد نواة تشكيل الاتحاد الأوروبى، أن يكون "الانقسام" وخروج أحد أهم الأعضاء، القضية الرئيسية المهيمنة على اجتماع الزعماء الأوروبيين بعد 60 عاما من توقيعها.
وتقول صحيفة "التليجراف" البريطانية إن قادة دول الاتحاد الأوروبى الـ27 اجتمعوا اليوم فى "قمة الوحدة"، فى روما لتجديد عهود "الزواج" الأوروبى، ورغم أن هؤلاء القادة حاولوا الظهور بشكل شجاع، إلا أنهم لم يستطيعوا إخفاء ضيقهم حيال سعى المملكة المتحدة للخروج والتخلى عن فكرة أوروبا موحدة.
ومن المتوقع أن تفُعل تريزا ماى، رئيسة وزراء بريطانيا المادة 50، خلال الأيام، التى تبدأ بموجبها عملية الخروج من الاتحاد الأوروبى رسميا، وهو ما ظهر فى غيابها فى الصورة النهائية للقمة.
وأضافت الصحيفة أن الانقسامات العميقة هيمنت على القمة، لاسيما مع تهديد بولندا واليونان برفض التوقيع على الإعلان الرسمى ما لم تحصلا على تنازلات من قبل التكتل الأوروبى فيما يتعلق بقضايا الهجرة والتقشف.
ورغم أن رئيس المفوضية الأوروبية، جون كلود يونكر، سعى للتقليل من أهمية عدم وجود المملكة المتحدة فى الاحتفال بالذكرى 60 لاتفاقية روما، إلا أنه اعترف بأن هناك اختلافات بين الأعضاء فى مواجهة بعض القضايا مثل الهجرة والتعدد الثقافى ووضع العملة الموحدة على مسار مستدام، قائلا: "نحن لسنا فى أفضل وضع لنا".
وأوضحت الصحيفة أن الانقسامات، سواء بشأن القيم وتنامى مد اليمين المتطرف والهجرة بين شرق وغرب أوروبا، أو التقشف واليورو بين شمال وجنوب أوروبا ظهرت جليا فى المعوقات التى سبقت الموافقة على إعلان روما النهائى.
ودللت "التليجراف" على هذه المعوقات، برفض بولندا اقتراح أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية ويونكر أن أوروبا يجب أن تسرع الخطى لكى تصبح "متعددة السرعات"، وهى الخطوة التى ستصب فى مصلحة الأعضاء الأساسيين والأغنياء، بينما تهمش الأعضاء الجدد مثل وارسو (العاصمة البولندية).
وفى النهاية، اتفق الأعضاء على أن الاتحاد الأوروبى سيخطو بـ"خطى مختلفة"، ولكن فى "نفس الاتجاه".
كانت بولندا هددت بإحراج أوروبا برفض التوقيع على الإعلان النهائى إذا لم يستمع أعضاء الاتحاد الأوروبى لها، وقال الرئيس البولندى، أندجي دودا إن بولندا لا ترغب فى مغادرة الاتحاد ولكنها تريد أن تٌعامل باحترام مشددا "نرغب فى اتحاد حر وأعضاءه متساوون".
كما كشف الإعداد للإعلان النهائى عن الانقسام بين شمال وجنوب أوروبا بشأن التقشف واليورو، فاليونان هددت ألا توقع عليه، بسبب مطالب ألمانيا وصندوق النقد الدولى لخفض جديد للمعاشات التقاعدية حتى تحصل على الدفعة الجديدة من القرض الذى يقدر بـ86 مليار يورو.
واضطرت أثينا لخفض المعاشات 12 مرة منذ توقعيها على خطة الإنقاذ الأولى فى 2010.
وقال رئيس الوزراء اليونانى، ألكسيس تسيبراس عند وصوله روما "هذه ليست أوروبا الخاصة بنا، نحن نريد أن نغير أوروبا هذه، أن نقول لا لأوروبا الخوف، لا للبطالة، لا للفرق، ونعم لأوروبا التى ترعى حاجاتنا الاجتماعية".
ويقول محللون إقليميون إن النزاعات بشأن إعلان روما تعكس أكبر أزمتين تواجهان الاتحاد الأوروبى، أولا الفشل فى حل المشاكل الهيكلية فى اليورو، والفشل فى مواجهة الهجرة وقضايا أمن الحدود.
ونقلت "التليجراف" عن تشارلز جرانت، مدير مركز الإصلاح الأوروبى إن "أوروبا تحتاج لإيجاد طريق جديد متعدد الطبقات للمضى قدما، يكون من سماته السماح للجماعات صاحبة المصالح المشتركة بالانخراط معا دون عزل الباقين".
وتوقع جرانت أن "الاتحاد الأوروبى سيتجاوز خروج بريطانيا منه، ولكن قمة روما لن تكون مفيدة إلا إذا ركزت على المشكلات التى تواجه الاتحاد".
ورغم التوتر، أكد رئيس المفوضية الأوروبية، أن أوروبا لن تصبح "عدائية" تجاه بريطانيا ولن تسعى لمعاقبتها بعد بدء المفاوضات هذا العام.