وقف رياض باشا، وزير الداخلية والحقانية، أمام مجلس شورى النواب ليتلو مرسوم حكومته بفض أعمال المجلس المحدد له ثلاث سنوات قائلا: «بالنظر إلى مضى هذه المدة أصدرنا أمرنا هذا».
أعلن «رياض باشا» قراره فى اجتماع المجلس يوم 27 مارس «مثل هذا اليوم» عام 1879، لكنه لم يتوقع رد الفعل الغاضب من النواب، فحسب الدكتور لويس عوض فى كتابه «تاريخ الفكر المصرى الحديث من عصر إسماعيل إلى ثورة 1919» «الهيئة العامة للكتاب - القاهرة»، فوجئ رياض باشا بالنائب الجرىء محمد أفندى راضى «بنى سويف» متحدثا: «المجلس لم ينظر فى مالية البلاد رغم مرور ثلاثة شهور على انعقاد دورته لعدم ورود أية بيانات أو مشروعات من الوزارة، وأطالب بعودة المجلس للانعقاد بعد شهرين من عطلة الصيف لرؤية أشغالنا»، وقال عبد السلام بك المويلحى «القاهرة»: «المجلس طالب بالاشتراك فى اتخاذ كل قرارات الحكومة ونحمل مجلس النظار المسؤولية عن هياج الأهالى إذا انفض المجلس دون المشاركة فى اتخاذ القرارات». وقال «بدينى أفندى الشريعى» «المنيا»: «لابد من أن تعلن الحكومة عدم صدور إجراءات أو قوانين إلا بالاشتراك مع مجلس النواب»، وقال باخوم أفندى لطف الله: «عودة النواب إلى بلادهم على هذه الصورة ربما يحصل منه زعزعة للأهالى، ولتجنب ذلك يجب النظر فى المسائل المالية وفى الميزانية، ولا مانع من تجديد الانتخاب بعد الفراغ من هذه الموضوعات»، وأصر محمد أفندى راضى على أن المجلس «لم يزل له مدة» ولام رياض باشا لأنه نبه الصحف ألا تورد شيئا فى الجرانيل «يتعلق بمجلس الشورى والأجانب» وهذا نوع من المصادرة، كما لام «المويلحى» رياض باشا على «ما قلتموه سعادتك أن أهالى مصر همج، وأنه لا يوجد فيهم عشرة يفهمون ما يقال فى الجرانيل «الصحف» مع أنه لا يصح نسبة جميع أهالى الوطن لهذه الحالة التى لا تليق».
أصر رياض باشا على موقفه ودافع عن نفسه فى مسألة وصفه للمصريين بـ«الهمج» قائلا، بأنه قصد أن نقل الصحف المصرية لما تنشره الصحف الأوروبية يبلبل الرأى العام المصرى، لأن الأوربيين بهم قواعد وقوانين غير قواعد وقوانين بلدنا، وانتهت الجلسة بقرار النواب «رفض الانفضاض وإرسال صورة من المحضر للخديو إسماعيل» والأهم أنها غيرت الاعتقاد بأن: «مجلس النواب لم يعد يستحق الازدراء كما كان من قبل «وفقا لما يذكره الدكتور محمد صبرى السوربونى فى كتابه» نشأة الروح القومية المصرية 1863/1882» «دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة» وأن هذه الجلسة: «نقطة تحول وبداية الثورة الوطنية الديمقراطية»، حسب محمد حماد فى كتابه «قصة الدستور المصرى» «مكتبة جزيرة الورد- القاهرة».
شملت المذكرة التى رفعها «النواب» إلى الخديو إسماعيل اتهام الوزارة بأنها تنتهك حقوق المجلس، ويضعنا «لويس عوض» فى قلب السياق التاريخى الذى أدى إلى هذا الخلاف، مشيرا إلى أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التى كانت تعيشها مصر بسبب الديون التى أدت إلى التدخل الأجنبى فى شؤون مصر وكانت أفدح صوره تعيين وزيرين أوربيين «إنجليزى وفرنسى» فى الحكومة المصرية ولهما سلطة القرارات الاقتصادية، ويقول «عوض» إنه فى يوم 10 مارس 1879 ألف الأمير توفيق باشا حكومة جديدة باقتراح من والده «إسماعيل» وبموافقة من القنصلين الإنجليزى والفرنسى اللذين اشترطا أن يكون للوزيرين الأوربيين حق الفيتو فى مجلس الوزراء، وتشكلت الوزارة من «رياض باشا للداخلية والحقانية، ويلسون «إنجليزى» للمالية، دى بلنيير «فرنسى» للأشغال، على مبارك للمعارف والأوقاف، ذو الفقار باشا للخارجية، أفلاطون باشا للحربية»، ويؤكد «عوض» أنه بعد تشكيل الحكومة تقدم 49 نائبا باقتراح لتخفيض الضرائب ودعوا وزير المالية إلى الحضور إلى المجلس لمناقشة هذا الاقتراح، لكنه لم يحضر رغم تكرار دعوته، فقرر المجلس يوم 19 مارس 1879 أن يتحول «مشروع قرار خفض الضرائب» إلى قرار وتم إبلاغ وزير الداخلية به، فكان رد الحكومة هو استصدار مرسوم بفض المجلس، ليأتى الصدام.
يرى «لويس عوض» مطلب النواب بـ«إلغاء الضرائب» بأنه كان دليلا صريحا على «أن الأعيان خلطوا صراحة بين المصلحة الوطنية ومصلحتهم الطبقية، واتخذوا من الحركة الديمقراطية وسيلة للتمسك بامتيازاتهم الطبقية وهى الإعفاءات الضريبية»، وبالرغم مما يذكره «عوض» فإن «موجة شعبية تدافعت لتأييد موقف النواب» وفقا لـ«محمد حماد»، وتجسد ذلك فى يومى 29 مارس و2 إبريل 1879.