مع بداية موسم حصاد القمح ، تنطلق بعدها مباشرة عملية توريد المحصول لشون بنك التنمية الزراعى ، ومابين الحديث عن أمنيات المزارعين فى الحصول على سعر توريد يضاهى ويكافىء شهورا من التعب زراعة وريا ورعاية للمحصول ، ثم الحصاد ونقل الحبوب إلى الشون والمطاحن ، ومابين السعر الذى حددته الحكومة هذا العام ، والذى بلغ فى حده الأقصى 575 جنيها ، ليبدأ المزارعون فى الاستعداد لحسبة برما ، بعد أن يحصلوا على مقابل التوريد ، ويقوم المزارع المسكين بحساب تكاليف الزراعة والتقاوى والرى والتسميد وخدمة ورعاية المحصول حتى يصل إلى مرحلة الحصاد والدراس ونقل المحصول لبيعه ، وفى النهاية يصل إلى مقارنة بين ما أنفقه وبين العائد الذى حصل عليه ، وعلى أساس هذا العائد يقرر المزارع جدوى زراعة المحصول فى العام القادم.
سياسة الفلوس فى جيبى والحمير فى السوق
اختلفت وجهات نظر الحكومات المتعاقبة على مصر فى زراعة القمح ودعمه ، من حكومة لأخرى ، وخاصة من بداية فترة الثمانينات وحتى الآن ، وبالتالى تزيد المساحة المنزرعة والإنتاجية أو تتناقص حسب وجهة نظر هذه الحكومة أو تلك ، فالدكتور يوسف والى ، والذى جلس على عرش وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى لحوالى 22 عاما ، من 4 يناير 1982 وحتى عام 2004 ، كان يرى أنه لايمكن تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح كُليا ، بل يمكن تقليل الفجوة مابين الاكتفاء الذاتى الجزئى والإنتاج المحلى من القمح ، عن طريق زراعة المحاصيل ذات العائد المادى والأكثر ربحية للمزارع مثل الفراولة والكنتالوب والطماطم وغيرها من الحاصلات التصديرية ، على حساب المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والقطن وحاصلات الزيوت .
وكان يؤيد "والى" فى هذا الاتجاه وهذه النظرية ، أمين أباظة والذى جاء وزيرا للزراعة واستصلاح الأراضى اعتبارا من 31 ديسمبر عام 2005 ، والذى عبّر عن سياسته فى زراعة القمح واستيراده بقوله ( الفلوس فى جيبى والحمير فى السوق ) ، أى أننا نترك زراعة القمح لتقلبات السوق والعرض والطلب ، ونلغى أى دعم لزراعة المحصول.
نظرية "من لا يملك قُوتُه لا يملك قراره"
وعلى عكس سياسة يوسف والى وأمين أباظة ، كانت سياسة ونظرية "الليثى" والتى كان يلخصها فى المقولة الشهيرة ( من لا يملك قُوتُه لايملك قراره ) ، كان المهندس أحمد الليثى والذى تولى حقيبة وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى ، يؤمن بفكرة الاكتفاء الذاتى من القمح ، وبدأ عمله بوضع خطة حقيقية للنهوض بالمحصول الذى تراجع الاهتمام به فى عهد يوسف والى ، ونجحت خطة الوزير الليثى وارتفعت المساحات المزروعة بالقمح فى موسم زراعة 2004 و2005 إلى 3 ملايين و50 ألف فدانا ، في حين تقلصت هذه المساحة بعد خروج الليثى من الوزارة فى الموسم الزراعى 2006 - 2007 لـ 1،2 مليون فدانا ، بنقص يقدر بحوالى مليون فدان.
ويتذكر المزارعون والمهتمون بالشأن الزراعى أن «الحملة القومية للقمح» التى قادها الليثى لتحقيق الاكتفاء الذاتى من المحصول ، وكان رغم تقدمه فى السن يجوب المحافظات والمدن والقرى فى جولات مكوكية وهمة نشاط لتشجيع زراعة القمح ، وكانت من أنجح الحملات التى شهدتها مصر ، وكان استمرارها كفيلاً بتحقيق الاكتفاء الذاتى الذى أصبح شبه مستحيلاً حالياً.
زراعة القمح بين الأمس واليوم
معدلات الاكتفاء المحلى من القمح فى مصر اتسمت بالتذبذب ما بين الارتفاع والانخفاض خلال الفترة من عام 2008 وحتى 2011 ، وقد غطى إنتاج القمح المحلى عام 2008 حوالى 54.8% من الاستهلاك المحلى ، وارتفع إلى 74.4% عام 2009 ، ثم انخفض إلى 40.5% عام 2010 ، قبل أن يعاود الارتفاع من جديد فى عام 2011 لتصل نسبة الاكتفاء إلى 48.8% ، وفى تقرير رسمى صادر عن شئون المديريات الزراعية بالوزارة لعام 2016 ، أكد التقرير أن مساحات زراعات القمح بلغت 3 مليون و159 ألف و153 فدانا ، مقارنة بعام 2015 و الذى بلغت المساحة 3 مليون و378 ألف و659 فدانا ، أمّا أرقام وبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى أكتوبر 2015 ، فتؤكد أن إنتـاج القمح بلغ 9.3 مليون طـن عام 2013- 2014 فى مقابـل 9.5 مليـون طـن عام 2012/2013 .
فاتورة الزراعة .. والعائد المادى
وحتى نحدد حساب فاتورة زراعة القمح بدقة ، يشرح لنا على حسن بطران وهو مزارع وشيخ مزارعى قرية منهرة مركز إهناسيا المدينة محافظة بنى سويف ، نفقات القمح من زراعته إلى حصاده ، والعائد المادى منه بنهاية الموسم للتأكيد على الربح أو الخسارة .
ويبدأ أبو حسن حديثه من إيجار الفدان والذى بلغ 7 آلاف و 500 جنيها ، ثم حرث الأرض وتسويتها وتجريفها تمهيدا لبذر القمح بها بـ 470 جنيها ، ثم التقاوى بـ 400 جنيها لعدد 2 شيكارة ، سعر الواحدة 200 جنيها ، ثم التخدير أو التخديرة وهى أول رية للقمح ثم 3 تخديرات بعد ذلك فيكون الإجمالى 400 جنيها ، وبعد ذلك تأتى تكاليف التسميد.
ويحتاج الفدان كما يقول أبو علاء لـ 4 أجولة سماد كيماوى 46% ، جوال ونصف تصرفه الجمعية الزراعية ، و2,5 جوال يتم شراؤه من السوق السوداء ، والخاص بالجمعية الزراعية يتم استلامه بمبلغ 300 جنيها للجوال ونصف ، أمّا السوق السوداء فثمن الـ 2,5 جوال بـ 480 جنيها ، بعد ذلك يأتى الحصاد والتربيط والذى يتكلف الفدان ألف و 200 جنيها ، ثم نفقات عمال وأنفار الدراس وهم 7 بمبلغ 700 جنيها ، علاوة على ساعة الدراس التى يعمل فيها الجرار الزراعى على تشغيل "الدرّاسة" أو "الهوّاية" أو "آلة" أو "ماكينة دراس القمح" والتى تقدر بـ 100 جنيها ، ويستغرق دراس الفدان 3 ساعات بـ 300 جنيها ، وصفيحة السولار للجرار الزراعى بـ 60 جنيها ، وفى النهاية يعطى الفدان الممتاز والجيد جدا إنتاجا يصل إلى مابين 23 – 24 أردب ، والفدان العادى والتعبان يعطى مابين 14 إلى 15 أردب ، ولوحسبنا تكاليف الفدان على ذلك ، فسوف يصل لحوالى 12 ألف و 200 – 400 جنيها ، بينما العائد فى حالة الفدان الممتاز والجيد جدا ، وعلى حساب سعر الأردب 575 جنيها ، والإنتاج 23 أردبا ، فسيعطى عائدا قدره 13 ألف و 225 جنيها ، وعلى إنتاجية 24 أردبا فسيعطى 13 ألف و 800 جنيها ، أمّا إذا كان من الفدادين التى تعطى إنتاجية من 14 إلى 15 أردبا ، فسيكون العائد لـ 14 أردبا ، وعلى أساس أعلى سعر ، وهو575 جنيها ، مبلغ 8 آلاف و 50 جنيها ، وعلى أساس إنتاجية 15 أردبا ، فسيجنى المزارع مبلغ 8 آلاف و 625 جنيها.
واختتم أبو بطران حسبته هذه قائلا: لو المزارع سيعتمد فى زراعة القمح من بداية الزراعة للحصاد والدراس على الإيجار والعمال والأنفار فى كل شىء بعيدا عن أسرته وأولاده وإخوته وبيته ، فسوف يخسر فى زراعته للقمح ، أمّا إذا اعتمد على بيته وأسرته وأولاده وكانت الأرض ملكية خاصة به فسوف تكون النفقات على قدر العائد فقط ، لا مكسب ولاخسارة ، شيخ المزارعين ، لم ينس أن يذكرنا بإن كل شىء أصابه الغلاء وارتفاع الأسعار من السولار للعمال والأنفار للأسمدة لكل
مستلزمات الزراعة.
ويؤكد على حسن :فى النهاية أن الفلاح هو حلقة الوصل الضعيفة والتعبانة التى يقع عليها ضغط الإنتاج ويتحمل هذا كله ويعمل ليل نهار حتى يحافظ على محصوله وإنتاجه.