تلقى عمدة قرية «نزلة الشوبك» التابعة لمركز البدرشين بمحافظة الجيزة خبرا بقرب وصول قطار مسلح يحمل جنودا من الإنجليز لإصلاح السكة الحديدية، وعليه أن يقدم للجنود ثلاثين رجلا من أهل القرية للمساعدة فى أعمال الإصلاح، فاستجمع العمدة العدد المطلوب، ونبه هو وشيخ البلدة وشيخ الخفراء على الأهالى بحسن مقابلة الجنود والتسامح معهم.
حضر القطار، عند الساعة الرابعة بعد ظهر يوم 30 مارس «مثل هذا اليوم» من عام 1919 اليوم الـ«21» فى أحداث الثورة الشعبية التى عمت أرجاء مصر»، ووقف بالقرب من البلدة، ونزل الجنود «عددهم 800 جندى»، وكان العمدة وشيخ البلد وشيخ الخفراء والخفراء فى انتظارهم للقيام بما يمكن أن يكلفوا به، لكن اليوم سار على نحو مختلف تماما حيث ارتكب الإنجليز كل ما يمكن تصوره من قتل ونهب وسرقة واغتصاب، وجمع عبداللطيف أبوالمجد، ابن عمدة القرية، كل هذه الوقائع فى شكوى رفعها إلى السلطان فؤاد، ورجال الحكومة، ونواب الأمة، ويأتى بنصها «عبدالرحمن فهمى» فى الجزء الأول من مذكراته «يوميات مصر السياسية» «دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة».
يوضح «أبوالمجد» فى شكواه، أنه لما رأى العمدة العساكر يقصدون دخول البلدة، وخشى أن يترتب على ذلك نتائج وخيمة، قام بإفهامهم بأنه لا حاجة لدخولهم، وأنه مستعد أن يأتى لهم بكل ما يرغبون فيه لكنهم لم يكترثوا به، ودخلوا البلدة مدججين بالسلاح «وأخذوا يستولون على كل ما تقع عليه عيونهم من أغنام وحمام وأوز ودجاج، ومع استمرارهم فى ذلك لم يجدوا معارضة ولا مقاومة من أحد، وحين وقع نظرهم على امرأة تدعى عزيزة بنت خضير زوجة عبدالتواب عبدالمقصود بادر إليها جماعة منهم وأخذوا يمسكونها من كل موضع فى جسمها، ثم حاولوا اغتصابها، فاستعانت بزوجها فخرج من المنزل للدفاع عن عرضه، ومعه عصا ضرب بها رأس أحد الجنود، فكان جزاء دفاعه عن عرضه أن قتل رميا بالرصاص».
يؤكد عمدة «الشوبك» أن الاعتداءات امتدت إلى تفتيش الأهالى ورميهم بالرصاص وهتك عرض النساء ودخول المنازل وإحراقها بعد تجريد أصحابها مما يمتلكون، ويضيف: «لما رأى والدى عمدة البلدة ذلك منهم عاد مسرعا إلى منزله فرافقته إليه ولحسن الحظ كانت النساء وقتئذ غائبات، فدخلناه وأغلقنا بابه المتين علينا، وقد عاجل الإنجليز فتحه أو كسره مرارا، وكان دوى الرصاص من البنادق يسمع باستمرار حتى الصباح إذ حضر حضرة ملاحظ البوليس ومعه قوة من الإنجليز ونادى على العمدة أن افتح ولا تخف، ففتحه ودخل الإنجليز ولم يتركوا فى البيت موضعا إلا فتشوه بحجة البحث عن السلاح، ولما لم يجدوا به سلاحا انصرفوا مع حضرة الملاحظ، وأخذوا العمدة معهم معتقلا مخفورا».
يشرح «أبوالمجد» فى شكواه إلى السلطان ما حدث معه ومع شقيقه الصغير، حيث سدد عدد من الجنود بنادقهم على صدورهم، بينما قام الباقى بفتح الدواليب والصناديق وأخذ الحلى والملابس، وفى طريقهم للخروج حملوا السجاجيد المفروشة فى المنزل، وبعد كل هذا أشعلوا النار فيه، ويؤكد «أبوالمجد»: «حل بمعظم منازل البلدة ما حل بمنزل العمدة، فكانت النتيجة احتراق مائة وأربعة وأربعين منزلا، وعدد منازل البلدة مائتان وعشرة، وبلغ عدد القتلى من الأهالى واحد وعشرين وعدد الجرحى اثنى عشر مات منهم اثنان، والكثير منهم لا ترجى حياته، وأصبح من المتعذر حصر العدد الصحيح للقتلى والجرحى لأن البلدة خربت، وتركها أهلها».
يذكر «أبوالمجد» بعض وقائع القتل وهتك الأعراض التى استمرت حتى اليوم التالى «31 مارس 1919»، ومنها: «حادثة قتل شيخ البلدة عبدالغنى إبراهيم طلبة وأخيه عبدالرحيم وابنه سعيد عبدالغنى طلبة، واثنين آخرين منهما خفاجة مرزوق الذى كانت جريمته دفاعه عن عرض امرأته زينب بنت خليل التى حاول الإنجليز اغتصابها بالقوة، وتفصيل الحادثة أن الإنجليز قبضوا على الخمسة الأشخاص السابق ذكرهم، ودفنوهم أحياء إلى أنصافهم ثم قتلوهم ممثلين بهم شر تمثيل، فوجوههم مشوهة من ضرب السنج، وأثر الرصاص على تلك الحال، ومنهم محمود محمد رؤوف ومحمد خضير وعبدالمنعم إبراهيم وغيرهم ممن أخرجوا الجثث المدفونة إلى أنصافها».. وتواصلت أعمال الوحشية حتى اليوم التالى.