انصرف الشاب الجزائرى الثائر «مزيانى مسعود» من عند فتحى الديب ضابط المخابرات المصرية، ومسؤول الدائرة العربية فيها، بعد أن كشف له حقيقته بأنه «أحمد بن بيلا»، وأنه جاء يتكلف من زملائه لمطالبة قيادة ثورة 23 يوليو 1952 بتقديم المساعدات إليهم فى نضالهم لتحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسى، الذى بدأ عام 1830 «راجع ذات يوم 5 إبريل».
عاد بن بيلا إلى «الديب» يوم 6 إبريل «مثل هذا اليوم» 1954 ليستكمل اجتماع الأمس، ويذكر «الديب» فى كتابه «عبدالناصر وثورة الجزائر» عن «دار المستقبل العربى- القاهرة»، أن «بن بيلا» حضر إلى اللقاء الثانى حاملا معه أوراقا فى حافظة أوراق يذكر الديب عنها: «جاء فى الموعد المحدد وعاودنا الجلوس حول مكتبى، وشاركنا هذا الاجتماع الزميل عزت سليمان، واستفسرت من بن بيلا عما إذا كان قد جهز كل البيانات التى طلبتها منه، فأسرع إلى استخراج عدة أوراق من حافظة أوراقه، وطلب منا خريطة الجزائر ليستعين بها فى شرح إمكاناتهم ونظام توزيعها، وافترشنا المكتب بالخريطة، وبدأ يوضح موقفهم وخطتهم للعمل، وشملت، أولا: تنظيم جيش التحرير الجزائرى وتوزيعه، وتقسيم الجزائر إلى ستة قطاعات كل قطاع منهم مقسم إلى مناطق عمل وكل منطقة مكونة من أربعة إلى ستة أقسام، وكل قطاع يقوده مسؤول، وبذلك يكون مجموع قادة القطاعات ستة هم القيادات العليا لجيش التحرير الجزائرى، وثانيًا: توزيع قادة القطاعات على الأرض الجزائرية وحدود اختصاص كل قطاع، ويضم القيادة العليا للمجاهدين أو بمعنى أصح «قيادة الكفاح المسلح بالداخل».
طرح بن بيلا ستة أسماء هم القيادة العليا للكفاح المسلح وهم «مصطفى بن بوالعيد»، ويتولى قطاع قطاع الأوراس وعدد المجاهدين معه 550 مجاهدًا ويتوفر لديهم 200 بندقية إيطالية 6,5 مستعملة وبنادق صيد، و«ديدوش مرا» قائدًا لقطاع شمال قسطنطينة وعدد المجاهدين 530 مجاهدا ولديهم 60 بندقية فقط مابين 6,5 إيطالية وبنادق صيد، وكريم بلقاس، ويتولى قيادة قطاع القبائل وعدد المجاهدين 570، ولا يتوفر لديهم من السلاح سوى 88 بندقية مابين فرنسية أو إيطالية أو صيد بالإضافة إلى 45 مسدسًا وثلاثة آلاف طلقة فقط لجميع أنواع الأسلحة، ورايح بيطاط صالح قائدا لقطاع القبائل الصغرى والمناطق المحيطة بالعاصمة وعدد المجاهدين 238 مجاهدا، وليس لديهم سوى 15 «رشاشا خفيفا»، وبن مهيدى العربى، ويتولى قيادة قطاع وهران وعدد المجاهدين 400 مجاهد ولديه عشر بنادق فقط، والحاج العربى «ملازم ثانى» ويتولى قيادة منطقة الجنوب الصحراوى وعدد المجاهدين 75 مجاهدا ولديهم عشرة بنادق فقط.
كان حاصل المعلومات، التى قدمها بين بيللا هو: «2363 مجاهدا، والذين تم تدريبهم على السلاح 500 فقط، أما عدد الأسلحة فكان «368» بندقية موزعة بين بنادق إيطالية أو فرنسية قليلة، والغالبية بنادق صيد، وكشف «بن بيلا» هذه الإمكانيات الضعيفة، وعلينا أن نتخيل كيف بهذه الإمكانات سيبدأ الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسى بكل إمكاناته، وكان هذا مجالا للنقاش بين الديب وبن بيلا: «بعد أن انتهى بن بيلا من عرضه بدأنا فى مناقشة حول أنسب التوقيتات لبدء مثل هذا الكفاح المسلح، وكان هناك سؤال: هل ننتظر حتى نستكمل تهريب كمية كافية من السلاح والذخيرة بأنواعها للداخل ثم نحدد بعد ذلك يوم وساعة الصفر لبدء الكفاح المسلح، أم تجرى الاستفادة من عملية المفاجأة الأولى باستخدام المجاهدين المدربين فى توجيه ضربة أولى وبعنف إلى أكبر مجموعة من التجمعات العسكرية للجيش أو البوليس».
يواصل الديب: «اختتمنا الاجتماع بالاتفاق على الاحتفاظ بكل ما دار من عرض أو نقاش سرا، بحيث لا يتعدى ثلاثتنا هو وزميلى وعزت وأنا مع إعطائى مهلة أسبوعا لأعرض تفاصيل الأمر على الرئيس جمال عبدالناصر بعد أخذ رأى زكريا محيى الدين، مدير المخابرات»، والتقى الديب بعبدالناصر فى منزله وحكى له الموقف من البداية إلى النهاية، وحسب الديب فإن عبدالناصر سأله: «إلى أى حد تثق فى هذا الشاب؟ أجاب الديب دون تردد: «أثق فيه ثقة تامة»، وفى ختام المناقشات قال عبدالناصر: «أنا موافق على مبدأ دعم حركة النضال المسلح بالجزائر، ويهمنى أن تتابع التحضيرات بكل دقة وتخطرنى أولا بأول وسوف أقابل بن بيلا فيما بعد».