أرباب الصناعة يضعون أجندة اقتراحات للنهوض بها.. وتخصيص حجم أكبر من الأفدنة لزراعة محصول القطن.. الحد من توريد القطن كمادة خامة واستبداله بتصدير الملابس الجاهزة كمرحلة نهائية فى عملية الإنتاج.. وإنشاء هيئة واحدة لإدارة الملف
فى أواخر القرن التاسع عشر عرفت مصر صناعة الغزل والنسيج، بعد إنشاء الشركة الأهلية للغزل والنسيج، حتى جاءت عشرينيات القرن الماضى وبدأت الانطلاقة الحقيقية لهذه الصناعة، بعدما أنشأ بنك مصر العديد من الشركات العاملة فى هذا المجال، وعلى رأسها شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، وبمرور السنين ظلت الصناعة تأخذ مراحلها فى التطور تباعاً حتى تصدرت مصر فى فترة قائمة أكثر الدول تصديراً قبل أن يتبدل حالها الآن وتصبح أكثرها استيراداً .
ولكن يتوقف رصد وضع صناعة المنسوجات وما لحق بها وما ينتظرها فى المستقبل على عدة عوامل، أولها دراسة المشكلات التى تواجه زراعة محصول القطن وهو المادة الخام الرئيسية فى عملية التصنيع، وكذلك تسليط الضوء على العقبات التى تواجهها من ماكينات وعمالة وحتى عملية التسويق للمنتج النهائى، للوصول إلى مجموعة من الحلول والاقتراحات من شأنها النهوض بتلك الصناعة مجددا كما جاء على لسان أصحابها .
القطن.. تراجع إنتاج الذهب الأبيض
"القطن المصرى" ذهب مصر الأبيض.. هكذا يُعرف القطن طويل التيلة الذى تنتجه مصر بين كافة دول العالم، إلا أن الصورة الذهنيه المأخوذة عن المحصول الأشهر فى مصر باتت تتغير تلقائياً، خاصة بعدما قل الطلب عليه مقابل زيادة الإقبال على نظيره قصير ومتوسط التيلة .
فى البداية شغلت زراعة محصول القطن ما يقرب من ثلثى مساحة مصر الإجمالية، ومثلت ما يزيد عن 70% من اقتصاد الدولة نتيجة عمليات التصدير ولكن لم يدم هذا الحال طويلاً، حيث تراجعت إنتاجية مصر من القطن وتقلصت للغاية مساحة الأفدنة المزروعة حتى أصبحت العام الماضى 133 ألف فدان فقط، وفقاً لما ذكره الدكتور محمد عبد المجيد، رئيس مجلس القطن ومحاصيل الألياف والمحاصيل الزيتية لـ "انفراد" .
المشكلات التى تواجه زراعة محصول القطن، والتى تعد أحد الأسباب الرئيسية فى تراجع صناعة الغزل والنسيج، يلخصها رشدى عرنوت، نقيب عام الفلاحين، قائلا: خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى ازدهرت عمليات تصدير القطن طويل التيلة، والذى يعد من أجود أنواع القطن عالمياً، ولكن سرعان ما بدأت الصناعة التدهور تدريجياً وأصبحت المغازل فى جميع الدول الأوروبية تعتمد على القطن قصير ومتوسط التيلة، وهذه أنواع يصعب زراعتها فى مصر لأنها تحتاج ظروفاً بيئية ومناخية خاصة، مضيفا، "الفلاح لا يعنيه فى زراعته سوى أن يخرج بهامش ربح فى نهاية العام، ولو كان إقبال المصانع متزايداً على المزارعين ما كانوا لجأوا لزراعة بدائل أخرى غير القطن".
واتفق معه محمد المرشدى، عضو مجلس النواب ورئيس غرفة الصناعات النسيجية، قائلا، "لو أردنا الحديث عن مشكلة القطن فهى مسئولية وزارة الزراعة، لأنها لم تراع المطلوب من الصناعة والمتغيرات العالمية فى هذا الشأن، ابتداءً من أحدث الصيحات وصولا إلى الماكينات المستخدمة فى عمليات الغزل ومواد الصباغة والتجهيز، وجميعها مراحل مكملة تأتى بعد اعتماد دول العالم على القطن قصير ومتوسط التيلة، وهذا ما لم تدركه الوزارة" .
وأضاف "المرشدى"، الدليل على ذلك أن نسبة استخدام القطن المتوسط والقصير التيلة وصلت إلى 98 % من حجم الإنتاج العالمى، وهذا يعنى أن 2 % فقط من الإنتاج يعتمد على القطن طويل التيلة، ولا أعلم لماذا تصر وزارة الزراعة على زراعة القطن الأخير، فى حين أن العالم بأسره يعتمد على النوعين الآخرين، خاصة أن أقصى كمية يمكن تصديرها من القطن المصرى مليون قنطار، وهى نفس الكمية المطلوبة تقريباً للاستهلاك المحلى، وبالتالى لا توجد أى فائدة عائدة على الدولة من عملية التصدير.
وأكد رئيس غرفة الصناعات النسيجية أن المطلوب أن تركز الدولة فى زراعة القطن القصير والمتوسط، خاصة أن قيمته 50 % فقط من قيمة القطن طويل التيلة، لذا تتجه له دول العالم لانخفاض قيمته المادية.
فيما قال الدكتور محمد عبد المجيد، رئيس مجلس القطن ومحاصيل الألياف والمحاصيل الزيتية، إن مصر تزرع القطن منذ أيام محمد على، ولمعرفة وضع مصر من زراعة هذا المحصول يجب أولا إلقاء نظرة عامة على دول العالم أجمع، حيث يبلغ الإنتاج العالمى من القطن 25 مليون طن سنوياً على مساحة تصل إلى مليون فدان، من خلال ما يقرب من 53 دولة، وتحتل الهند مرتبة متقدمة فى قائمة الدول المنتجة لهذا المحصول، تليها الصين ثم أمريكا ثم اوزبكستان والبرازيل وتركيا واستراليا .
وأضاف عبد المجيد، فيما يتعلق بمصر منذ أن بدأت زراعة القطن فيها منذ حوالى 200 سنة، تم زراعة مليون ونصف المليون فدان فقط كحد أقصى، والعام الماضى بلغت حجم المساحة المزروعة 133 ألف فدان فقط، وبالتالى نحن نعانى من تقلص المساحات المزروعة وقلة الإنتاج، خاصة أن نسبة مصر من الإنتاج العالمى للقطن أقل من نصف مليون طن وسعره ثلاثة أضعاف القطن المستورد، وخلال العشر سنوات الأخيرة بلغ إنتاجنا للقطن من 80 – 150 ألف طن وأصبحنا نستورد قطنا أكثر من الذى ننتجه .
وتابع عبد المجيد، نحن نزرع مساحات صغيرة ونصدرها خام فتأتى دولة مثل الهند على سبيل المثال تستورد القطن المصرى وتصنعه ملابس جاهزة وترده مرة أخرى إلينا بأضعاف أضعاف ثمنه، بخلاف كل هذا العام الماضى بلغ إنتاجنا للقطن 50 ألف طن فى حين إننا نستهلك ما يقرب من 150 ألف طن، وهذا معناه أن الإنتاج لا يصل خمس حجم الاستهلاك
وردا على تحمل وزارة الزراعة المسؤولية فى عدم توفير ما يتناسب مع احتياجات السوق من مواد خام، أكد عبد المجيد أن الظروف البيئية التى يزرع فيها محصول القطن تختلف من دولة لأخرى قائلا، "البعض يطالب بإنتاج القطن الأمريكى، وعلى الرغم من أن هذا القطن كان يتم تجريبه فى مصر منذ اربعينات القرن الماضى وتوقف بقرار وزارى، إلا أن هناك استعداداً لإعادة إحياء القطن الأمريكى مرة أخرى لنرى إن كان سيتفوق فى إنتاجه على القطن المصرى ام لا .
العمالة وتقادم الماكينات أهم المشكلات التى تهدد الصناعة:
ووفقاً للأرقام المعلنة والواردة فى الدراسة الخاصة لبنك التنمية الصناعية والعمال المصرى، فإن قطاع الغزل والنسيج يضم ما يقرب من 33 شركة قطاع عام تابعة لأحكام القانون رقم 203 لسنة 1991 وتعمل 9 شركات منها فى مجال تجارة وتصدير وحلج وكبس، بخلاف 4 شركات أخرى مشتركة خاضعة للقانون رقم 159، وو21 شركة تعمل فى مجال صناعة وتجارة الغزل والنسيج وشركة واحدة تعمل فى مجال صناعة معدات الغزل، بالإضافة إلى شركتين متوقفتين عن العمل، أما فى مجال القطاع الخاص فيضم ما يقرب من 4500 شركة، بالإضافة إلى عدد كبير من الورش متفاوتة الحجم وغير المسجلة، وتتركز النسبة العظمى من مصانع الغزل والنسيج فى القاهرة والقليوبية والإسكندرية والغربية والجيزة .
وبالرغم من عدد الشركات سابقة الذكر إلا أن 70% من مستلزمات صناعة الغزل والنسيج المحلية مستوردة من الخارج، وفقاً لما ذكره مجدى طلبة عضو المجلس التصديرى للملابس الجاهزة لـ "انفراد"، فهذا يرجع لعدة أسباب، أولها تقادم الماكينات، حيث إن مصانع مصر مازالت تعمل بماكينات الجيل الأول، فى حين أن المصانع العالمية تعتمد على الجيل الــ14 .
المهندس يسرى نصر، رئيس مجلس إدارة شركة كوم حمادة للغزل والنسيج، والتى تم تأسيسها عام 1999 يقول إن المشكلات التى تواجه الصناعة الآن عامة تتمثل فى عدم توافر الأقطان بشكل كاف، ما يدفع المنتجين للاستيراد وإنفاق الكثير من العملة الصعبة، بخلاف حاجة المصنعين فى هذا المجال لتحديث الماكينات، خاصة أنه لم يطلها التطوير منذ تسعينيات القرن الماضى.
وعن المشكلات التى تواجه شركته بشكل خاص يقول نصر، ننفق الكثير فى شراء الأقطان المستوردة لسد العجز الذى نواجهه نتيجة نقص المواد الخام ونحاول بقدر الإمكان الحفاظ على الخطة التى وضعناها فى شركتنا والحفاظ على معدل الانتاج بشكل ثابت والذى وصل إلى الآن 7 طن فى اليوم .
فيما أشار محمد المرشدى، عضو مجلس النواب ورئيس غرفة الصناعات النسيجية، إلى عوامل أخرى تسببت فى تراجع تلك الصناعة، منها وجود عدد من الممارسات غير الشرعية والتى تهدد تلك الصناعة، منها على سبيل المثال عمليات التهريب لعدد من الأقمشة والملابس غير المطابقة للمواصفات تدخل البلاد بصورة غير شرعية، وبالتالى لا يطبق عليها ضريبة القيمة المضافة وبالتالى مثل هذه الممارسات تضعنا امام منافسة غير متكافئة بين الانتاج المحلى والأقمشة المهربة، ما أدى لتوقف عدد كبير من المصانع المحلية. هذا بخلاف الأيدى العاملة فى تلك الصناعه والتى تمثل 25 % من حجم العمالة فى مختلف الصناعات المصرية، وتعانى أيضا من ضعف الأجور ونقص التدريب والمهارات اللازمة .
الحلول والمقترحات :
أمام المشاكل السابقة، وبالتزامن مع وعود وزير التجارة والصناعة المهندس طارق قابيل لحل مشكلات تلك الصناعة، قدم عدد من المتخصصين فى هذا المجال مجموعة من المقترحات والحلول للنهوض بالصناعة مرة أخرى، على رأسهم رشدى عرنوت نقيب الفلاحين، والذى اقترح أن يتم استيراد ماكينات تتناسب مع طبيعة المحصول، وبناءً عليه سيزداد حجم الإنتاج ومن ثم زيادة الإقبال من قبل المصانع على الإنتاج، بالإضافة للحاجة إلى توطيد العلاقة بين الفلاح والحكومة وتخصيص حجم أكبر من الأفدنة لزراعة محصول القطن.
"أصبحت المبيعات فى مصانع الغزل والنسيج لا تكفى حتى دفع أجور العمال، وهذا يستدعى من الدولة مراجعة الأسباب التى أدت إلى تلك الممارسات غير الشرعية، إضافة إلى أننا فى حاجة لتعديل القرار رقم 1653 لسنة 2002 والذى ينظم عملية الاستيراد بنظام السماح المؤقت، وكذلك لابد من اتخاذ حزمة من الإجراءات من قبل وزارتى التجارة والصناعة والمالية إلى جانب قطاع الأعمال وذلك لجعل الصناعات النسيجية مصدر جاذب للاستثمار " هكذا لخص محمد المرشدى رئيس غرفة الصناعات النسيجية وضع مصانع الغزل والنسيج حالياً، مقدماً مجموعة من الاقتراحات للنهوض بالصناعة مرة أخرى .
وعن حجم الأرباح التى ستعود على الاقتصاد المصرى إذا تم الاهتمام بهذا المجال يقول المرشدى، أولا فى حال منع عمليات التهريب وفرض رسوم جمركية على كافة الواردات سيتم توفير ما يقرب من 30 مليار جنيه، وإذا تم الحد من عمليات الاستيراد وتحسين الإنتاج المحلى وزيادته سنوفر حوالى 10 مليارات دولار من العملة الأجنبية التى نعانى الآن من نقصها، وبخلاف هذا كله سنوفر على الأقل 3 ملايين فرصة عمل خلال الثلاث سنوات المقبلة .
فيما اقترح المهندس يسرى نصر، رئيس مجلس إدارة شركة كوم حمادة للغزل والنسيج، أن يتم خلق تكامل بين مراحل التصنيع المختلقة والجهات المعنية بهذا الملف، مثل وزارة الزراعة وقطاع الأعمال العام، والحد من توريد القطن كمادة خامة واستبدال ذلك بتصدير الملابس الجاهزة كمرحلة نهائية فى عملية الإنتاج، لتوفير العملة الصعبة للدولة، وبخلاف هذا اقترح مجدى طلبة عضو المجلس التصديرى للملابس الجاهزة توحيد جهود الجهات المعنية، من خلال إنشاء هيئة أو إدارة واحدة مسئولة عن إدارة هذا الملف بدلا من تشتيت الجهود دون جدوى ودون تحقيق نتائج فعلية على أرض الواقع.
هذا فى الوقت الذى أوصى فيه المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، فى ديسمبر الماضى، بضرورة وضع خريطة جديدة لزراعة القطن بشكل يلبى احتياجات الصناعة، وكذلك تقديم الدع الكافى للمصانع المتوقفة وهذا بهدف تقليل حجم الواردات من الخارج وزيادة الطاقة الإنتاجية الحالية إلى 80 % بدلا من 30 و40 % وهو حجم الطاقة الإنتاجية الحالية، وزيادة حجم الصادرات من المنسوجات إلى 10 مليار دولارات بدلا من 2.5 كما هو الوضع حاليا .