كان «محمد شيخ عثمان» فى بلدته «بيضوا» الصومالية حين أرسل إليه أحد تجار البلدة واسمه الحاج محمد عمر المخرومى، يقول له، إنه كان فى العاصمة «مقديشيو»، وإن عبدالقادر آدان، سكرتير عام حزب «دجلة ومرفلة»، طلب منه أن يخبره بأن يذهب إلى العاصمة فورا لمقابلته لأمر شديد الأهمية.
وطبقا لأحمد بهاء الدين فى كتابه «مؤامرة فى أفريقيا» عن «الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة»، أنه فى يوم 14 إبريل «مثل هذا اليوم» 1957، التقى «شيخ عثمان» بعبدالقادر آدان، سكرتير الحزب، وعبدالله مرسل نائب رئيس الحزب، وقالا له: «دعوناك من أجل مصلحة عليا، فنحن نريد أن تتحول الصومال إلى اتحاد فيدرالى بين ولايات، مما يعزز شأن النظام القبلى، ولكن كمال الدين صلاح «مندوب مصر فى مجلس الأمم المتحدة بالصومال» يؤيد حزب «وحدة الشباب» الذى يريد دولة واحدة مستقلة، وطالما موجود فى الصومال لا يمكن أن يتم مشروع الاتحاد الفيدرالى، ولابد أن يتم التخلص منه بسرعة، قبل أن يسافر فى نهاية الشهر إلى نيويورك، حيث سيمثل المجلس الاستشارى أمام مجلس الوصاية بالأمم المتحدة أثناء مناقشة مشكلة الحدود بين الصومال والحبشة، والقانون الحالى فى الصومال ليس فيه عقوبة إعدام، ثم دفعا له 300 شلن صومالى مقدما، ووعداه بأن يدفعا له بعد إتمام الجريمة مبلغ 30 ألف شلن صومالى».
كان السفير كمال الدين صلاح، محور هذا الاتفاق من طراز وطنى ودبلوماسى فريد تنقل من عاصمة إلى أخرى، منذ تعيينه فى القدس عام 1936، وفى إبريل عام 1954 تلقى قرار الحكومة المصرية بنقله إلى الصومال ليكون عضو لجنة ثلاثية مكونة من مصر وكولومبيا والفلبين، وشكلها مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة، وتقيم هذه اللجنة فى الصومال لمراقبة عملية نقله من مرحلة الوصاية إلى مرحلة الاستقلال، وكان الصومال الخاضع للسيطرة الإيطالية ضمن 11 دولة، أغلبها من أفريقيا تقع تحت هذه الوصاية، ويذكر بهاء الدين، أن كمال الدين ظن فى البداية أنه سيحيا حياة هادئة فى الصومال، لأنه بلد صغير فقير لم يعرف العالم عنه أنه يثير مشاكل من أى نوع، وأن الوصاية ستنتهى فى عام 1960 يصبح بعدها مستقلاً، وبهذا التصور سافر، ولم تمض أسابيع قليلة حتى وقع فى غرامها، ووقع أهلها فى غرامه، وتجول فى أنحاء الصومال أسبوعين قطع خلالها ثلاثة آلاف ميل بسيارة جيب، واختلط خلال الرحلة بالأهالى، وتحدث إليهم وصلى معهم فى المساجد وخطب فيهم شارحا وضع بلادهم والدور الذى يجب أن يقوموا به ليحققوا استقلالهم، وسجل انطباعه عن الناس قائلاً: «كثيرون هنا يعيشون على الفطرة كيوم هبط جدنا آدم إلى الأرض، وعشرات الألوف فى الغابات والمراعى شبه عرايا، ويتعلقون بمصر تعلقا شديدا وينتظرون منها أن تساعدهم».
هذا الغرام جعله يعمل كل جهده من أجل هذا البلد، ووفقاً لكتاب «مصر والصراع حول القرن الأفريقى 1954 - 1981» عن «دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة» للدكتور محمد عبدالمؤمن محمد عبدالغنى: «كان له دور كبير خلال فترة عمله التى استمرت ثلاث سنوات تقريبا، وكان نشاطه مع الصوماليين كبيرا فى توعيتهم ضد سياسة الإدارة الإيطالية التى تخالف مصالح الصومال، وكان يخلق رأياً عاماً داخلياً ضد مآرب إيطاليا، وتم ذلك من خلال جهود مصر فى مجال الدعوة الإسلامية ودعم اللغة العربية، وهدد خطط إيطاليا لربط الصومال بها بعد استقلاله».
فى ضوء ذلك حاربته إيطاليا، وشجعت الجماعات الصومالية المرتبطة بها على مضايقته، ويعبر عن ذلك فى خطاب إلى زوجته: «بعض المسؤولين هنا يتعمدون مضايقتى والإساءة إلى حتى تصبح إقامتى غير محتملة» لكن ووفقا لبهاء الدين: «تتضاعف قوته لأن أبناء الشعب الصومالى المخلصين يقدرون جهاده ويعتبرونه واحدا منهم»، وأمام ذلك كان الاغتيال هو الوسيلة الأخيرة للتخلص منه، فتم التكليف به يوم 14 إبريل، أما التنفيذ فكان يوم 16 إبريل 1957 أثناء عبوره الشارع أمام بيته، حيث هجم عليه «شيخ عثمان» بسكين طويل طعنه به فى ظهره، وتمكن بعض الذين رأوا الحادث من القبض على المتهم، وبالرغم من قدرة «كمال الدين» على انتزاع السكين، ونقله إلى المستشفى، فإنه أسلم الروح فيه.