تمر تركيا بمرحلة مفصلية بعدما خرج الأتراك اليوم الأحد، للإدلاء بأصواتهم على استفتاء يمهد لأقوى تغيير فى النظام السياسى التركى فى تاريخه الحديث، إذ يهدف إلى التحول من النظام البرلمانى إلى نظام رئاسى يستولى فيه الرئيس التركى رجب طيب إردوغان على سلطات وصلاحيات أوسع، طموح راوده منذ أن شغل منصب رئيس الجمهورية فى 2014، وأصبح ملحًا بعد أن فشلت حركة الجيش فى الإطاحة بحكمه فى يوليو العام الماضى.
وفى السطور التالية، يستعرض "انفراد" أهم الأسئلة حول استفتاء التعديلات الدستورية، وكل ما يدور فى أذهان المهتمين بمتابعته ومعرفة كافة تفاصيله.
كيف ستتحول تركيا من نظام برلمانى إلى نظام رئاسى؟
تحكم تركيا وفق دستور 1982 الذي صكته المجموعة العسكرية التي قامت بانقلاب عام 1980، وصوت الناخبون الأتراك لصالحه بنسبة 91.4%، تم إجراء 18 تعديلاً دستوريًا على هذا الدستور.
وفى النظام الحالى تتمثل السلطة التشريعية فى البرلمان الذى يبلغ عدد أعضائه 550 عضواً ينتخبون كل 5 سنوات باقتراع نسبى، ويحق للنائب الترشح لأكثر من دورة، وتنعقد الانتخابات قبل موعدها وفي غضون ثلاثة أشهر إذا شغر 5% من مقاعد البرلمان، وكذلك إذا فشل البرلمان في تشكيل حكومة في غضون 45 يوماً فيدعو رئيس الجمهورية بالتشاور مع رئيس البرلمان لانتخابات مبكرة. لكن فى التعديل الجديد تم رفع عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600 نائب.
يُنتخب رئيس الجمهورية كل 5 سنوات باقتراع شعبى وكانت المرة الأولى التي يختار الناخبون الأتراك رئيسا للجمهورية في انتخابات عامة عام 2014، بعدما كان البرلمان التركي يتولى انتخاب رئيس البلاد، ويشترط أن يكون فوق الأربعين من عمره، وحاصلا على شهادة جامعية، وإذا كان من خارج أعضاء البرلمان فإضافة إلى الشروط السابقة يجب أن يتصف بمؤهلات الترشح للجمعية الوطنية على أن يقدم اقتراح ترشيحه خُمس أعضاء البرلمان.
ويمنع الدستور رئيس الجمهورية من الترشح مرة ثانية، وكان يوجب على الرئيس المنتخب أثناء ولايته أن يقطع علاقته مع حزبه إذا كان عضواً في حزب، فى حين التعديلات الجديدة لا تشترط ذلك.
أما رئيس الوزراء يعينه رئيس الجمهورية من بين الفائزين في الانتخابات التشريعية، ويختار رئيس الحكومة حكومته بالتشاور مع رئيس الجمهورية وبتصديق البرلمان، لكن التعديلات الجديدة ستلغى مجلس الوزراء، ويتولى الرئيس مهام وصلاحيات السلطة التنفيذية، وتمنح الرئيس التركى الحق فى اختيار الوزراء.
ويرى أردوغان أن النظام الرئاسي سيخلص السلطات التنفيذية والتشريعية من البيروقراطية الموجودة والإجراءات الروتينية.
ما هى أبرز مواد التعديلات الدستورية؟
بحسب الإعلام التركى فإن أبرز النقاط فى التعديلات الدستورية هى:
- ولاية رئيس الدولة 5 سنوات، ولا يحق للشخص تولى منصب الرئاسة أكثر من مرتين.
- تجرى الانتخابات العامة والرئاسية فى اليوم نفسه كل 5 سنوات.
- تجرى الانتخابات العامة والرئاسية المقبلة فى 3 نوفمبر 2019.
- يحق للرئيس عدم قطع صلته بحزبه.
- يلغى مجلس الوزراء، ويتولى الرئيس مهام وصلاحيات السلطة التنفيذية، بما يتناسب مع الدستور.
- رئيس الدولة يتولى صلاحيات تنفيذية إضافة إلى قيادة الجيش، ويحق له تعيين الوزراء وإقالتهم.
- يحق للرئيس تعيين نائب له أو أكثر.
- يحق للرئيس اختيار 4 أعضاء فى المجلس الأعلى للقضاة، الذى يتولى التعيين والإقالة فى السلك القضائى، فيما يعين البرلمان 7 أعضاء.
- يعرض الرئيس القوانين المتعلق بتغيير الدستور على استفتاء شعبى حال رأى ذلك ضروريا.
- يحق للرئيس إعلان حالة الطوارئ فى حال توفر الشروط المحددة فى القانون.
- تلغى المحاكم العسكرية، بما فيها المحكمة القضائية العسكرية العليا، والمحكمة الإدارية العسكرية العليا، ويحظر إنشاء محاكم عسكرية فى البلاد، باستثناء المحاكم التأديبية.
- رئيس الدولة يطرح الميزانية العامة على البرلمان، ويحق للرئيس إصدار مراسيم فى مواضيع تتعلق بالسلطة التنفيذية.
- يعتبر المرسوم الرئاسى ملغى فى حال أصدر البرلمان قانونا يتناول نفس الموضوع.
- يحق للبرلمان طلب فتح تحقيق بحق رئيس الدولة ونوابه والوزراء، ولا يحق للرئيس فى هذه الحالة الدعوة لانتخابات عامة.
- يمكن للبرلمان اتخاذ قرار بإجراء انتخابات جديدة بموافقة ثلاثة أخماس مجموع عدد النواب.
- رفع عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600 نائب.
كيف قسم دستور إردوغان المجتمع التركى ؟
شهد الشارع التركى استقطابًا حادًا الأسابيع الأخيرة قبل إجراء الاستفتاء، فحزب العدالة والتنمية (الحاكم) وشريكه فى تأييد التعديلات الدستورية حزب الحركة القومية يحشدان كافة الجهود تحت عنوان "نعم" فى حملتيهما المنفصلتين فى الدعوة للتصويت بالإيجاب على التعديلات، وفى المقابل، يقف حزب الشعب الجمهورى منفردا خلف عنوان "لا" الذى اتخذه شعارًا لحملته الداعية للتصويت ضد التعديلات، معولًا على تغير حالة الاصطفاف السياسى فى الاستفتاء عما سبقها من اصطفافات خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة.
وفضلًا عن التفاصيل التى تحملها التعديلات الدستورية الجديد، فهى صنعت حالة الغضب والاحتجاج فى أوساط تركية واسعة بالداخل، وحالة الاستهجان والتعليقات المشوبة بالحذر فى الخارج، إذ تعزز التعديلات الجديدة من سلطات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان.
أما المؤيدون للتعديلات فيرون إنها ستنهى النظام الحالى "ذا الرأسين" الذى يُنتخب فيه الرئيس والبرلمان بصورة مباشرة، وهو وضع يقولون إنه قد يؤدى لأزمة، وربما ينتج عنه تضارب فى القرارات.
كيف نظرت المعارضة للدستور الجديد؟
يقول معارضون للتعديلات إنها خطوة نحو مزيد من الدكتاتورية فى بلد اعتقل فيه 40 ألفًا وأقيل 120 ألفاً أو أوقفوا عن العمل فى حملة تلت محاولة الإطاحة بأردوغان فى يوليو الماضى، كما نددت المعارضة فى الأسابيع الأخيرة بحملة غير منصفة، مع هيمنة واضحة لأنصار "أردوغان" فى الشوارع ووسائل الإعلام، واضطر حزب الشعوب الديمقراطى المعارض الموالى للأكراد للقيام بحملته، ورفع شعارات حذرت فيها من أن التعديلات الدستورية تضع الرئيس رجب طيب أردوغان فى مقام "الأنبياء"، الأمر الذى رفضه مناصرو حزب العدالة والتنمية، وعدّوه خروجًا على حدود المناكفات السياسية، لمساحات تطول القيم الدينية والروحية للمجتمع.
وعشية الاستفتاء، أكد رئيس حزب الشعب الجمهورى التركى المعارض، كمال كيليتشدار أوغلو، وهو الحزب الذى أسسه مؤسس الدولة مصطفى كمال أتاتورك، على أن الاستفتاء على الدستور قضية دولة، وليس قضية حزب، وأن عاقبة التصويت بـ"نعم" وخيمة لا يستطيع أحد دفع ثمنها، لافتًا إلى أن النموذج الجديد سيشغل منصب نائب الرئيس شخص معيّن وليس منتخبًا، وذلك قبل ساعات من بدء الاستفتاء.
ميدانيًا تجمع مئات الأتراك، بالقرب من مضيق البوسفور، للتعبير عن رفضهم للتعديلات الدستورية الجديدة التى تمنح الرئيس رجب طيب أردوغان صلاحيات واسعة، عشية الاستفتاء عليها، وشكل أكثر من 300 محتج سلسلة بشرية رمزية على الجانب الأوروبى للمضيق.
ما هو مستقبل تركيا حال الموافقة على التعديلات الدستورية؟
وفى حال الموافقة على التعديلات فى الاستفتاء، يحكم أردوغان تركيا حتى عام 2029، ليصبح نظريًا الرجل الوحيد فى تاريخ تركيا الحديثة الذى يسيطر على مقاليد السلطة 26 سنة، وبحسب مراقبين سيكون خطوة نحو مزيد من الدكتاتورية فى البلاد، حيث ستتركز السلطات فى قبضة شخص واحد سيحكم بقبضة حديدية، ما ينبئ بمزيدًا من انتهاكات لحقوق الإنسان وقمع للحريات وتكميم الأفواه.
كما تحدد النتيجة شكل علاقات تركيا المتوترة مع الاتحاد الأوروبى، خاصة أن تركيا، العضو فى حلف شمال الأطلسى، قلّصت تدفق المهاجرين، لا سيما اللاجئين من الحرب فى كل من سوريا والعراق لدول الاتحاد الأوروبى، ولكن "أردوغان" يقول إنه قد يراجع هذا الاتفاق بعد الاستفتاء.