"علينا القيام بخيار غير اعتيادي لنرتقي إلى مستوى الحضارة المعاصرة التى أرادها مصطفى كمال أتاتورك مؤسسة الجمهورية التركية".. بتلك الكلمات حاول أن يلعب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان على مشاعر قاطنى اسطنبول العاصمة التاريخية للعثمانيين لاسيما القوميين، وذلك بعد أن أدلى بصوته فى الشطر الآسيوى من المدينة نفسها، ظنا منه أن اسطنبول التى انتفضت ميادينها وسالت عليها الدماء فى ميدان تقسيم وغيره من شوارعها وأزقتها المكتظة، وشهدت استقطابا سياسيا كبيرا ستميل قلوبهم وستغير شيئا من رفضهم للتعديلات الدستورية، ومعارضة منح كل السلطات فى قبضة رجل واحد، فى ظل أوضاع مشحونة بحالة الطوارئ، وبقاء آلاف الصحفيين والقضاة والمعارضين فى السجون، منذ محاولة الإطاحة بحكمه منتصف يوليو الماضى.
وجاءت الصفعة الأولى على وجه الرئيس التركى من المدينة نفسها معقل حزب العدالة والتنمية والتى حاول فيها أن يلعب على عاطفة ومشاعر سكانها، وكانت الصدمة الكبرى عقب فرز أكثر من 99% من الأصوات وبحسب بيانات لجنة الانتخابات التركية، تصدرت الأصوات المعارضة للتعديل المدن الرئيسة بتركيا وهى "إسطنبول وأنقرة وإزمير، إضافة إلى جنوب شرق البلاد الذي تقطنه أغلبية كردية وأنطاليا، وهو ما يعنى أن استراتيجية كسب أصوات الناخبين لحزب العدالة والتنمية الحاكم فشل فى استقطاب المدن الرئيسة.
ويحسب مراقبين أن المدن الرئيسية التى رفضت التعديلات الدستورية ستكون مسمارا فى نعش النظام الرئاسى الجديد، وهو ما قد يشكل موجة احتجاجية محتملة ضد النظام التركى تنهض من تلك المدن، ما يعنى أنه سيكون"نظام رئاسى على حافة الهاوية"، ولن يعيش العثمانى المستبد فى الثوب الذى فصله لنفسه مرتاح البال، بعد أن بلغت نسبة الرفض على وضع السلطات فى يد رجل واحد فى البلاد بـ 48,8%.
وبحسب تقارير واردة من تركيا وصلت نسبة التصويت فى مدينة اسطنبول بـ"لا" لـ52.2 %، بينـمـــا صوتت بنسبة 48.8 بـ"نعم"، وصوتت ولاية أزمير بـ"لا" بنسبة 68.7 %، ونعم بنسبة 31.3 %، كما صوتت ولاية أنطاليا بـ"لا" بنسبة 59 %، وبـ"نعم" بنسبة 41 %.
وبحسب التقارير التركية صوتت معظم الولايات الجنوبية الشرقية التي يقطنها غالبية كردية بـ"لا"؛ إذ قالت ولاية ديار بكر "نعم" بنسبة 32.4، و"لا" بنسبة 67.5، وكذلك لحقت بها ولاية ماردين بنسبة 40.9 نعم، و59.04 لا، وأيضًا صوتت الولايات المجاورة لها بالنسب المتقاربة نفسها.
وبالإضافة إلى تشكيك نائب رئيس حزب الشعب الجمهورى المعارض والمطالبات بإعادة فرز 60 % من الأصوات، عقب أن كشفت تقارير صحفية فضيحة مدوية لهيئة الانتخابات التى قررت قبول بطاقات تصويتية غير مختومة، وهو أمر مثير للتساؤلات بشأن نزاهة الاستفتاء.
واعتبرت هذه النتائج نجاح لإردوغان بطعم الهزيمة، حيث إنها تنبئ بمستقبل سياسى مثير للقلق، ويثير حالة من الانقسام فى نسيج المجتمع بين طموح إردوغان الذى أصبح يحلق عاليا ولا يرى تحته، والأصوات المعارضة لسياساته، وبين هذا وذلك سيتعمق حالة الاستقطاب التى شهدتها البلاد الأشهر الأخيرة وقد تشير تركيا نحو المجهول.