انطلقت منذ قليل، المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية وسط حالة من الغموض حول الأقرب من بين 11 مرشحا للوصول إلى قصر الإليزية، وفى تلك الساعات الحاسمة يتطلع أكثر من مليونى فرنسى من أصول عربية إلى تلك الانتخابات التى تأتى فى وقت حرج بالنسبة للعرب والمهاجرين، بعد تفاقم أزمة الإرهاب فى أوروبا وصعود اليمين المتطرف الذى ينادى بغلق الباب فى وجه المهاجرين.
ومن بين الكتل التصويتية الحاسمة فى الانتخابات الفرنسية للعام 2017 يظهر الفرنسيون ذوى الأصول العربية كطرف هام فى السباق الرئاسى، فحسب الإحصائيات الرسمية، هناك خمسة ملايين فرنسى من أصول عربية وملسمة من إجمالى عدد السكان البالغ 66 مليون نسمة، ومن لهم حق التصويت يتجاوز الـ2 مليون فرنسى، وهى كتله ظهرت أهميتها بجلاء فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية التى أجريت فى عام 2002.
ففى تلك الانتخابات تم تعبئة تلك الكتلة فى مواجهة اليمين المتطرف الذى كان يحاول آنذاك الفوز بمقعد الرئاسة فى الإليزيه، واستطاعت أن تحسم فوز جاك شيراك بأغلبية ساحقة بنسبة 82.21% مقابل 17.79% لـ"جان لوبان" اليمينى المتطرف ووالد المرشحة الحالية مارين لوبان.
ثم توالى بعد ذلك استغلال تلك الكتلة، وبرز دورها مجددا فى رئاسيات 2012 حيث صوت الفرنسيون ذو الأصول العربية لصالح الرئيس فرنسوا هولاند والذى تغلب على منافسه نيكولا ساركوزى بفارق ضئيل، بنسبة 3.28% أى ما يعادل أقل من مليون و140 ألف صوت.
وفى ظل هذا الدور المتنامى لتلك الكتلة التصويتية أصبح الجميع يترقب الدور الذى سيلعبة ذوى الأصول العربية والمسلمة لترجيح كفة أى من المرشحين فى ظل تصدر مارين لوبان اليمينية المتطرفة استطلاعات الرأى بفارق ضئيل عن المرشحين الأربع الأبرز فى السباق وهم وزير الاقتصاد السابق فى الحكومة الاشتراكية إيمانويل ماكرون، والمحافظ فرنسوا فيون، ومرشح اليسار المتشدد جان لوك ميلانشون وخصمه اليسارى الاشتراكى بونوا هامون.
ويؤكد المراقبون أنه على الرغم من عدم تجانس الكتلة العربية وحشدها بشكل جيد فى اتجاه واحد، إلا أن أغلب تلك الأصوات من المتوقع أن تذهب إلى مرشح تيار الوسط، إيمانويل ماكرون، الذى أطلق خلال حملته الانتخابية مجموعة من التصريحات غازلت العرب والمسلمين، فى مقدمتها إدانته للاستعمار الفرنسى للجزائر، وتأكيده ضرورة عدم ربط الإرهاب بالإسلام.
ثم يأتى فى المرتبة الثانية تيار الوسط، حيث تؤكد التحليلات التى جرت للانتخابات الرئاسية الفرنسية السابقة أن الكتلة العربية والمسلمة اعتادت أن تمنح أغلب أصواتها لتيار اليسار الفرنسى، وذلك لأسباب عديدة منها أن اليسار أكثر تعاطفا مع قضايا العرب والمسلمين، ودفاعا عن حقوق المهاجرين، وتبنى سياسات داعمة للأقليات وحماية حقوق العمال، وبالتالى قد تذهب النسبة الثانية لليسار الفرنسى.
إلا أن المتابعون يرون أن ترشيح اليسار الفرنسى لأكثر من ممثل له قد يفتت الأصوات العربية ويشتتها، فبعد أن كان الاشتراكى بونوا هامون هو المرشح الأساسى لليسار برز مؤخرا نجم جان لوك ميلانشون، وذلك الانقسام داخل تيار اليسار نفسه يصب فى صالح ماكرون، حيث ستعزف أغلب الأصوات العربية عن كلا المرشحين وستميل إلى الوسطى الذى يقدم خطابا معتدلا يتماشى مع حقوق الأقليات.
فى حين لا يستبعد أن تحصل مرشحة الجبهة الوطنية الفرنسية، اليمينية المتطرفة، مارين لوبان، على نسبة ضئيلة من أصوات ذوى الأصول العربية، وذلك بسبب الجيل الثانى من أبناء المهاجرين الذين ولدوا وتربوا فى فرنسا، وبالتالى فهم يعتبرون أنفسهم فرنسيون لا تعنيهم قضايا الأقليات والهجرة والإدماج فى المجتمع، وبالتالى تشغلهم قضايا الفرنسيين الأصل.
فى حين قالت أوساط لبنانية فى فرنسا لموقع "mtv" اللبنانى أن الصوت الفرنسى لبنانى الأصل يتراوح بين 50 و60 ألف ناخب، وكان يصب فى السابق لصالح اليمين ضد اليسار، إلا أنها ترجح التصويت لمصلحة ماكرون باعتباره قريبا من اليمين مع تبنى خطاب معتدل تجاه الأقليات.
وتأتى تلك الاستنتاجات فى إطار تحليل عمليات التصويت للانتخابات الرئاسية السابقة، حيث يمنع القانون الانتخابى الفرنسى إجراء استطلاعات الرأى المرتكزة على العرق والإثنية واللون، لذلك لا يمكن تقدير النوايا التصويتية للعرب والمسلمين فى انتخابات 2017، إلا أن شواهد عديدة فى العالم من انتشار الإهارب والخطاب العدائى تجاه المهاجرين وصعود اليمين المتطرف، تؤكد أن هناك حافزا قويا للكتلة التصويتية العربية والمسلمة للتوحد ولعب دور مؤثر فى حسم ساكن الإليزيه القادم بما يحمى حقوقهم.