أسرع الزعيم الصهيونى هرتزل، بالسفر إلى العاصمة البريطانية "لندن"، عن طريق العاصمة الفرنسية "باريس"، لمقابلة تشمبرلين وزير المستعمرات البريطانية، يوم 23 إبريل، "مثل هذا اليوم" 1903.
كان غرض هرتزل هو استكمال المباحثات التى يخوضها من أجل استئجار شبه جزيرة سيناء، لتوطين اليهود فيها، حسب تأكيد كامل زهيرى فى كتابه "النيل فى خطر" "مكتبة الأسرة- الهيئة المصرية العامة للكتاب- القاهرة"، وأرسل هرتزل بعثة فنية إلى مصر لإجراء مسح لـ"سيناء"، وأراد أن يتابعها عن قرب فجاء إلى القاهرة ونزل فى فندق شبرد، وأجرى لقاءات لهذا الغرض مع المعتمد البريطانى فى مصر اللورد كرومر، وبطرس باشا غالى ناظر الخارجية "راجع ذات يوم 23 مارس و25 مارس"، وحسب زهيرى: "يبدو أن هرتزل أحس بالجو فى القاهرة، ولم تخدعه الموافقة المبدئية من كرومر وبطرس غالى، كما لم يستطِع فى النهاية إخفاء حجم المشروع، ولا تأثيره على المياه، وخاصة أن عام 1903 كان العام التالى لإتمام خزان أسوان، فأسرع بالسفر إلى لندن عن طريق باريس ليقابل تشمبرلين فى 23 إبريل 1903".
فى لقاء "هرتزل" و"تشمبرلين" يجرى الحوار بين الاثنين على قاعدة تقسيم المصالح بينهما دون أدنى اعتبار لأصحاب البلاد التى يتم بحث توطين اليهود فيها، حيث جرى الحديث لأول مرة عن "أوغندا" كوطن قومى لليهود، وينقل "زهيرى" من مذكرات "هرتزل" قول الزعيم الصهيونى نصًا: "قال لى تشمبرلين العظيم. لقد عثرت لكم على بلاد مناسبة أثناء سفرى، وهى أوغندا، هى حارة على السواحل، لكن الطقس ممتاز فى الداخل حتى بالنسبة للأوربيين، وتستطيعون أن تزرعوا فيها القطن والسكر، وقد قلت لنفسى وأنا هناك: "إن هذه البلاد تصلح للدكتور هرتزل، ولكنك طبعًا تريد الذهاب إلى فلسطين أو ما يجاورها".
أجاب هرتزل: "يجب أن تكون قاعدتنا فى فلسطين، ثم نستطيع بعد ذلك أن نستوطن فى أوغندا، ذلك أن هناك عددًا كبيرًا جدًا من اليهود يودون الهجرة، ولكن يجب أولًا أن نضع أساسًا قوميًا، ولهذا فكرنا فى العريش لوضع سياسة جذابة، ولكنهم لا يفهمون ذلك فى مصر، ولم أستطِع أن أوضح لهم الأمور كما أفعل هنا فى لندن، ويجب أن يكون واضحًا أننا لن نضع أنفسنا تحت حكم مصرى، ولكننا نريد حكمًا بريطانيًا". رد تشمبرلين: "الأوضاع ستبقى على ما هى عليه، فلن نترك مصر، وأنا أعرف ذلك لأنى كنت فى الحكومة وكنا قد قررنا الانسحاب من مصر فى الثمانينيات "يقصد بعد الاحتلال البريطانى عام 1882"، ولكننا استثمرنا فيها كثيرًا من الأموال، وأصبحت لنا مصالح جديدة إلى درجة لا نستطيع معها أن نترك مصر، وهكذا يمكنك والوطن الذى نعمل من أجله "دولة يهودية" أن تستفيدوا من الممتلكات البريطانية، وأنا على يقين أنكم تستطيعون أن تستفيدوا، أما إذا ساءت الأمور على غير هذا النحو، فأنا متأكد أنكم ستستطيعون أيضًا أن تثبتوا أنفسكم جيدًا".
واصل "تشمبرلين" حديثه لـ"هرتزل": "أن مصالحنا "أى مصالح بريطانيا" تقل يومًا بعد يوم فى آسيا الصغرى، وسيأتى الوقت لا محالة الذى يشب فيه الصراع حول هذه المنطقة بين فرنسا وألمانيا وروسيا، بينما نحن نتراجع إلى المناطق الأبعد، وفى هذه الحال، ماذا سيكون مصير مستعمراتكم اليهودية فى فلسطين، إذا قامت فى ذلك الوقت؟، أجاب هرتزل: "أظن أن ذلك سيكون فى صالحنا، لأننا سنكون دولة "حاجزة"، ومتى تركونا فى العريش تحت الحكم البريطانى، فإن فلسطين أيضًا ستصبح ضمن السلطة البريطانية"، ويعلق هرتزل: "بدا على تشمبرلين أنه اقتنع إلى حد ما بهذا الرأى".
انتهى اللقاء بوعد أعطاه "تشمبرلين" لـ"هرتزل" بالحديث مع وزير الخارجية البريطانية لانسدوان للضغط مرة ثانية على كرومر لتمرير صفقة حلم "استئجار سيناء"، إلا أن التقرير الفنى للبعثة التى قامت بعملية المسح وكتبته يوم 5 مايو 1903 ترك أثره، فحسب زهيرى: "بعد أسبوع واحد من التقرير "يوم 11 مايو" أرسل بطرس باشا غالى خطابًا إلى الكولونيل جولد سمد، الضابط الصهيونى ومندوب هرتزل الجديد خطابًا ينص على أن الحكومة المصرية لا تجد بدًا من رفض مشروع "تأجير سيناء"، ويشكو هرتزل فى مذكراته: "يبدو أننا أخطأنا بإعطاء مسودة المشروع لكلوديت بوزارة الحقانية المصرية، لأن فيها كثيرًا من التفاصيل، بينما مذكرتى كانت أقل تفاصيل، وتبدو خالية من الأذى".