حظت زيارة البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، إلى مصر باهتمام إعلامى عالمى، خاصة من الصحف الأمريكية، حيث علقت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية على تلك الزيارة، بأن البابا فرانسيس بعث بأقوى رسالة وأكثرها صراحة إلى العالم الإسلامى، عندما بدأ مهمته الباباوية بالتحذير ضد تغليف العنف والإرهاب بلغة الدين.
الزيارة تفضح تبرير الكراهية باسم الدين
وبالتزامن مع انطلاق القداس الإلهى باستاد الدفاع الجوى، قالت الصحيفة فى تقرير لها أن لقاء البابا فرانسيس مع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر أمس، وكلمته التى قال فيها "لدينا التزام لنبذ انتهاكات الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، لفضح محاولات تبرير كل أنواع الكراهية باسم الدين، ولإدانة هذه المحاولات"، تعد دلالة واضحة على أن الفاتيكان لا يعترف بتغليف العنف والإرهاب برداء الدين.
وتابعت الصحيفة الأمريكية فى تقريرها قائلة: "الزيارة تأتى فى وقت بالغ الأهمية بالنسبة لمصر لاسيما بعد تعرض كنيستين لهجمات إرهابية يوم الاحتفال بأحد السعف"، مشيرة إلى أن البابا ارتدى قبعات مختلفة خلال الأماكن الثلاثة التى زارها فى إطار فعاليات أمس، ليعكس أدواره المتنوعة كرجل دين، وسياسة، ومسكونى.
إشادة واسعة بكلمة الرئيس السيسي
وأبرزت الصحيفة إشادة بابا الفاتيكان بكلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى أمس ضد التشدد الدينى الذى من شأنه حق التنوع، كما نقلت عن مساعدو البابا تأكيداتهم اعتزام فرانسيس مقابلة الجميع وفى أى مكان من أجل الحوار وبعث رسالة الشمولية، ورغبته فى دعم المسيحيين الذين يعانون.
واعتبرت "نيويورك تايمز" كذلك أن زيارة بابا الفاتيكان تعطى دفعة للحوار بين الطوائف المسيحية المختلفة، الذى شهد تقاربا فى العقود الأخيرة، لتزيد الوحدة بين الكنيستين.
وظهر هذا التضامن عندما صلى البابا فرانسيس فى الكاتدرائية المرقسية، التى شهدت هجوما إرهابية فى ديسمبر الماضى استشهد إثره 28 شخصا، وكذلك عندما وضع يده على لوحة زجاجية تغطى بقعة دماء على الحائط.
وأوضحت "نيويورك تايمز" أن الزيارة الباباوية هى الزيارة الـ18 للبابا فرانسيس خلال الأربعة سنوات الماضية لدول مختلفة، والـ7 التى يزور فيها دولة ذات أغلبية مسلمة، مشيرة إلى أنه البابا الثانى الذى يزور مصر، بعد البابا يوحنا بولس الثانى الذى زار القاهرة وجبل سيناء فى عام 2000.
زيارة الأزهر تعكس جهود تحسين العلاقات مع الإسلام
وأضافت الصحيفة أن تصريحات البابا فى المؤتمر الذى استضافه الأزهر أمس، الجمعة، تعكس جهود البابا الحاسمة لتحسين العلاقات مع الإسلام ولمواجهة العنف الذى يعكر صفو المنطقة، لاسيما وإنه تحدث أمام شيخ الأزهر عن ضرورة تعليم الشباب "لمواجهة وحشية هؤلاء الذين يحرضون على الكراهية والعنف بشكل فعال"، محذرا من أن "الشر لا يزيد إلا الشر، والعنف لا يجلب سوى المزيد من العنف".
وقال القس توم ريس، مراقب الفاتيكان المخضرم، والزميل فى مركز "وودستوك اللاهوتى" فى جامعة جورجتاون الأمريكية، عن الزيارة "هذه لحظة مهمة فى الحوار بين المسلمين والكاثوليك، فجميع من فى العالم الإسلامى سيعرفون أن هذا حدث بالفعل".
وخلال كلمته، أشار البابا فرانسيس إلى القديس فرانسيس الأسيزى الذى اختار بابا الفاتيكان اسمه البابوى تأسيا به نظرا لأنه عُرف فى التاريخ الكنسى بوصفه المدافع عن الفقراء ورجل البساطة وداعية السلام"، فضلا عن أن القديس زار سلطان الكامل ناصر الدين محمد، سلطان مصر، لتعزيز المدنية والسلام رغم أن الصليبين سعوا للسيطرة على النيل.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن ألبرتو ميلونى، مدير مؤسسة البحث الكاثوليكى فى بولونيا قوله إن البابا كرر هذه الإشارة لزيارة القديس فرانسيس إلى الزيارة قبل عدة قرون لأنه يرى مهمته مشابهة.
وقال ميلونى "القديس فرانسيس لم يطلب من أخوته سوى إمكانية العيش معهم"، مشيرا إلى أن هذا فى جوهره ما يطلبه من الشيخ الطيب.
وبدأ البابا فرانسيس زيارته إلى القاهرة الجمعة، واستهلها بلقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى فى قصر الاتحادية، أعقبه مشاركته فى مؤتمر السلام الذى نظمه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، قبل أن يعود للقصر الجمهورى لعقد مؤتمراً مشتركاً مع الرئيس السيسى، أكد خلاله أهمية نشر السلام والتفاهم بين الشعوب والديانات المختلفة.
البابا يتغنى بورود مصر فى الكتب المقدسة
وقال البابا فى كلمته أمس بحضور الرئيس السيسى، إن مصر بتراثها تعنى الكثير لتاريخ البشرية ولتقليد الكنيسة ليس فقط من أجل ماضيها التاريخى العريق - الفرعونى والقبطى والإسلامى، إنما أيضًا لأن العديد من الآباء البطاركة عاشوا فى مصر واجتازوها، لافتاً إلى ورود اسم مصر مرات عديدة فى الكُتب المقدسة.
وأضاف أن لمصر، بسبب تاريخها وموقعها الجغرافى الفريد، دورًا لا غنى عنه فى الشرق الأوسط وبين البلدان التى تبحث عن حلول للمشاكل الملحة والمعقدة التى تحتاج إلى معالجة فورية، لتفادى الانحدار فى دوامة عنف أكثر خطورة، مؤكداً أن العنف غير الإنسانى الذى تعانى منه المنطقة له عدة أسباب من بينها الرغبة الجامحة للسلطة؛ وتجارة الأسلحة؛ والمشاكل الاجتماعية الخطيرة والتطرف الدينى الذى يستخدم اسم الله لارتكاب مجازر ومظالم مريعة.