فى مبادرة لتحقيق العدالة الناجزة والتصدى لبعض ثغرات القانون التى يستخدمها الدفاع فى المماطلة لتأخير الفصل فى القضايا الجنائية، وافق مجلس النواب، على مشروع قانون مقدم من النائب صلاح حسب الله وآخرين، بشأن تعديل بعض أحكام قوانين "الإجراءات الجنائية"، و"حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959"، و"رقم 8 لسنة 2015 فى شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين" و"مكافحة الإرهاب الصادر بالقانون 94 لسنة 2015".
بعض خبراء القانون، أكدوا إن التعديلات تصب فى مصلحة العدالة الناجزة لسرعة الفصل فى الدعاوى، والبعض الأخر أبدى مخاوفه كونها ستهدر حقوق المتهم ودفاعه، بعدما مكنت التعديلات محكمة الموضع من تحديد من يمكنها سماعه من الشهود، ومن تستغنى عنه بعد توضيح أسبابها فى مسببات الحكم.
فى البداية يقول المستشار فرغلى الزناتى، نائب رئيس محكمة النقض، إن التعديلات على قانون الإجراءات الجنائية تصب جميعها فى صالح العدالة الناجزة، ومحكمة النقض وفقا للتعديلات ستفصل فى موضوع الطعون التى ستنظرها، وهذا يتطلب زيادة فى عدد دوائر محكمة النقض وعدد الأعضاء فى الدائرة الواحدة.
وأكد "الزناتى"، إن التعديلات أزالت بعض وسائل تعطيل الفصل فى القضايا التى كان يستغلها الدفاع، فمحكمة الموضع كانت ملزمة بسماع جميع الشهود حتى لا يكون حكمها معيب فكانت تضطر لتأجيل الدعوى لحضور الشهود لأكثر من جلسة، مضيفا إن قانون الإجراءات الجنائية من ،أوله إلى آخره، هو ضمانة من ضمانات المتهم، وتعديلات قانون الإجراءات الجنائية ستسرى بصورة فورية على جميع الأحكام التى يفصل فيها عكس قانون العقوبات، الذى يطبق على الجرائم التى تقع بعد حدوثها.
ونوه "الزناتى"، إلى إن محكمة النقض أثناء نظر الطعون التى ستعرض أمامها سترسى مبادئ جديدة تتواكب مع التعديلات التى أدخلت على قانون الإجراءات الجنائية.
فى السياق ذاته، أكد الدكتور صلاح حسب الله، عضو مجلس النواب ومقدم مشروع القانون بتعديلات قانون الإجراءات الجنائية، والطعن أمام محكمة النقض والكيانات الإرهابية، إن هذه الحزمة من التعديلات التشريعية تواكب ما تمر به مصر من أحداث، حيث إنه ما كان على البرلمان أن ينتظر حين تنتهى الحكومة من تعديلاتها على القانون بأكمله وسط تصاعد الأحداث الإرهابية، وعليه كان من الضرورى العمل على إجراء تعديلات هامة وسريعة.
ويضيف حسب الله، لـ "انفراد"، إن التعديلات الأربعة بقانون الإجراءات الجنائية تتعلق بسماع الشهود والأحكام الغيابية، وهما أمران هامان، ومن شأن هذه التعديلات أن تغلق الباب أمام طرق التحايل من ممثلى هيئات الدفاع عن المتهمين، وتابع :" على سبيل المثال، قضية قتل مأمور وضباط قسم كرداسة ، طلب سماع شهادة 300 شخص، وهنا المحكمة ملزمة بسماعهم وإلا تعرض الحكم للبطلان، فالاستماع لمثل هذا العدد من الشهود من شأنه أن يطيل أمد التقاضى"..
وأوضح عضو مجلس النواب، إن ذلك عجل بتعديل المادتين 277 و289 من قانون الإجراءات الجنائية، بجعل سماع الشهود سلطة تقديرية للمحكمة، لها أن تستمع ما تراه من الشهود، وفى نفس الوقت لم يجعل التعديل سلطة المحكمة فى هذا الأمر مطلقة، بمعنى أن النص وضع إلزاما على المحكمة أن تذكر فى حيثياتها أسباب ومبررات لعدم الاستماع لجميع الشهود، أو الاستماع لشهود معينة دون غيرهم، وهذا الأمر يأتى ترسيخاً لمبدأ عدالة المحاكمة، حتى لا تكون يد المحكمة مطلقة فى هذا الأمر.
أيضا شملت التعديلات، كما يقول النائب صلاح حسب الله، المادتين 384 و395 من قانون الإجراءات، وجاءت التعديلات لتعالج أزمة الأحكام الغيابية، بجعل حضور الوكيل الخاص يعتبر حضور للمتهم، وحال صدور حكم يكون حضورياً وليس غيابيا، كما هو الحال الآن، وهو أمر يختصر من الإجراءات التى تتعلق بإعادة المحاكمة.
وفيما يتعلق بالتعديلات الخاصة بقانون إجراءات الطعن أمام محكمة النقض، جاءت أهمها فى المادة 39 من القانون ، بجعل محكمة النقض "محكمة موضوع" من المرة الأولى، وأوضح حسب الله، إن المتهم كان يخضع لخمس مراحل من المحاكمة ، وبهذا النص تختصر هذه المراحل إلى مرحلتين فقط.
فيما يؤكد الدكتور صلاح فوزى، أستاذ القانون الدستورى وعضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعى، إن التعديلات الأربعة تأتى لتتفق مع ما كانت وضعته اللجنة العليا للإصلاح التشريعى فى مشروعها، مشيرًا إلى إنه يتفق مع ضرورة إجراء تعديلات سريعة فى البداية على أهم المواد بقانون الإجراءات الجنائية، لتحقيق العدالة الناجزة، كمرحلة أولى، فى حين يكون هناك تعديلات شاملة على القانون فى مرحلة لاحقة.
وأشار إلى إن التعديلات التى وافق عليها البرلمان، هى بالفعل أمور عاجلة تستوجب صدورها سريعاً فى ظل ما نمر به من أحداث إرهابية، وما يتعلق بسماع الشهود وأزمة الأحكام الغيابية، كان محورين رئيسيين أكدت عليهما لجنة الإصلاح التشريعى فى تعديلاتها، مضيفا: "كثرة عدد الشهود فى القضايا وتعذر الوصول إليهم سبباً رئيسياً لبطء التقاضى وإطالة أمد الدعوى".
وأضاف فوزى ،" أما ما يتعلق بجعل محكمة النقض تقضى من المرة الأولى فى الموضوع دون أن تعيد المحاكمة، فهو إجراء يختصر مرحلة هامة من مراحل المحاكمة"، وتابع عضو لجنة الإصلاح التشريعى:" هذه التعديلات كان ينقصها إضافة جزء يتعلق بإسقاط الجنسية عن المتورط فى المشاركة فى عمل إرهابى".
ويقول الدكتور وليد وهبة، محامى، إن التعديلات وخاصة ما يتعلق بالكيانات الإرهابيه وقانون الإرهاب ، هى تعديلات جذرية كرؤية واتجاه فى تعديلات تشريعية للمساهمة فى المحاكمات الناجزة وإسراع إجراءات المحاكمة.
وأضاف "وهبة" إن أول تعديل فى قانون الإجراءات الجنائية، هو استبدال نص المادة 12 من قانون الإجراءات، مما جعل محكمة النقض تصبح محكمة موضوع، ورفعت رقابتها القانونية التى كانت تحمى تطبيق القانون فى الأحكام التى كانت تصدر من محاكم الجنايات، مما جعل المادة المعدلة تناقض مفهوم قانون محكمة النقض، وإن كانت قد ساهمت فى تحقيق مبدأ المحاكمة على درجتين إلا أنها رفعت الحماية الأخيرة للمتهمين، الذين قد يتعرضوا لبعض حالات التعسف فى إصدار الأحكام أو عدم تحقيق بعض الطلبات الجوهرية للمتهم ودفاعه فى المحاكمة الأولى، وهذا التعديل يزحم محكمة النقض بالعديد من القضايا ويخرجها عن اختصاصها من مراقبة القانون إلى الفصل فى الموضوع.
وعن تعديل المادتين 277 و 282، والخاصتين بالشهود أكد "وهبة"، إن المشرع سلك مسلكا محمودا فيما يخص المادتين، فالمحكمة فى حال تعديل رغبتها عن سماع أحد الشاهد تسبب عدم سماعها له، ولا يكون حكمها به قصور ولا يبطل كما كان يحدث قبل التعديل.
وأشار "وهبة" إلى إن تعديل المادة 289، والتى تمكن المحكمة من تلاوة أقوال شهود الإثبات كما هو وارد فى محضر جمع الاستدلالات فيه إهدار لحق المتهم ودفاعه، إذ يسلم المتهم لرغبة المحكمة رغم إن هذه الشهادة قد تنجى حياته أو تفلته من العقاب.
وفيما يتعلق بالتعديلات الواردة فى المواد 384 و 395، فقد استحدث المشرع فيها أمران، وهى إمكانية حضور الدفاع عن المتهم متى كانت وكالته، خاصة الأمر الذي يبيح عدم لزوم حضور المتهم فى الجنايات بشخصه، كما إن الحكم الصادر بالحجز، أو التحفظ، أو سداد بعض الأموال أو الالتزامات المادية على المتهم، لم تعد نافذة فى حق الورثة فى حالة وفاة المتهم المحكم عيه بحكم غيابى، فالمشرع أهتم بتطبيق مبدأ شخصية العقوبة فى عدم تنفيذ أحكام الغرامات الغيابية فى مواجهة الورثة.
وفى الوقت نفسه، قال علاء علم الدين المحامى بالنقض، إن التعديلات هدفها تحقيق سرعة الفصل فى الدعاوى وتحقيق العدالة الناجزة للمتهمين والمجنى عليهم، ويعيب التعديلات إنها تنقل إشكالية سرعة الفصل من محاكم الجنايات إلى محاكم النقض، التى ينظر أمامها الطعون بصفتها محكمة قانون، وبعد التعديل أرفقت بمحكمة النقض وظيفة أخرى وهى نظر موضوع القضايا التى طعن عليها وقبل طعنها، وهى ألاف القضايا لأن القانون غير مختص بقضايا الإرهاب وحدها وإنما سائر القضايا الجنائية.
وأضاف "علم الدين"، إن تعديل المادة 277، من قانون الإجراءات الجنائية والتى تتيح لرئيس المحكمة الاستغناء عن مناقشة أى من شهود الإثبات، فى حال رؤية المحكمة عدم لزوم سماع أقوال الشاهد، قد يؤدى لإهدار حق المتهم، فالدفاع قد لا يبدى الأسباب التى بمقتضاها يتمسك بسماع الشهود وحتى لا يكشف خطة دفاعه، مع العلم إن الجلسات علنية، فالدفاع لو أبدى الأسباب التى بمقتضاها يتمسك بسماع الشهود سيعلم الشاهد بالغرض من مناقشته قبل حضوره أمام محكمة الموضوع.
وأكد "علم الدين"، إن المادة 384، التى تم تعديلها أجازت للدفاع بالحضور بتوكيل خاص عن المتهمين فى قضايا الجنايات لأول مرة فى تاريخ القضاء، وتتمكن المحكمة من نظر القضية فى غيبة المتهم إذا حضر عنه وكيلا، ما يؤدى لصدور أحاكم إدانة للمتهمين الغير الحاضرين مما يشكل عبء فى عملية القبض عليهم من قبل الأجهزة الأمنية، والغرض من التعديلات فى هذه المادة الحد من الأحكام الغيابية، والتى تتطلب إعادة إجراءات محاكمة.
ونوه إلى إنه ولأول مرة فى تاريخ النقض، لن تقضى محكمة النقض بالنقض والإعادة فى الطعون التى تنظرها، وأن محكمة النقض لن تحيل القضية المطعون فيها لمحكمة موضوع جديدة فى حالة قبول النقض فيها، وإنما هى التى ستفصل فى الموضوع طبقا للمادة 39 المعدلة من قانون "حالات إجراءات الطعن"، وهذا عبء ثقيل على محكمة النقض، فلا يوجد غير محكمة نقض واحدة على مستوى الجمهورية، والتى تعرض عليها جميع الأحكام الصادرة من كافة محاكم الجنايات على مستوى الجمهورية، وإن محكمة النقض ستجمع بين وظيفتين الأولى نظر الطعن بالنقض على الأحكام ثم الفصل فى موضوع القضايا المعروضة عليها.
وأشار إلى إن المادة 50 مكرر، والخاصة برفع كفالة طلب الرد من 300 جنيه لـ3000 ألف جني،ه ستتصدى لطلبات الرد الكيدية التى كان يستغلها بعض أعضاء فريق الدفاع لمد أمد التقاضى، وستقلص من تقدم هذه النوع من الطلبات.