يوما بعد يوم تتأثر الثروات الطبيعية التى تتمتع بها الأراضى المصرية فى مختلف محافظاتها، بشئ من العشوائية والدراسات غير الدقيقة، التى أبرزها التخطيط العمرانى، الذى أثر بالسلب على إحدى تلك الثروات الطبيعية، ولكن هذه المرة فى محافظة دمياط وتحديدا بمنطقة الجربى برأس البر.
واشتهرت منطقة الجربى منذ القرن الماضى بمدافن الرمل لعلاج مرضى الروماتيزم والروماتويد وآلام المفاصل، وتقع جميعها بمنطقة يطلق عليها حاليا اسم الجربى الجديد "الشيخ درغام الجديدة".
كومباوند سياحى يقضى على مدافن الرمل
وتسبب الزحف العمرانى على المنطقة فى اندثار تلك المدافن حيث تجرى حاليا إنشاء كمباوند سياحى إضافة إلى تقسيمات الأراضى كما تم إنشاء استاد رياضى تابع لنادى دمياط فضلا عن إنشاء منطقة عسكرية تخص الدفاع الجوى جنوب المنطقة حيث تعد من أكثر الأماكن تميزا برأس البر، فهى تطل على ضفة النيل الغربية، ويأتى إليها عشاق السباحة النيلية والسباحة الهادئة.
الخوص علاج الأمراض فى مستشفى الشمس والرمال
ويتم تجهيز مئات الحفر فى الرمال وتكون مكشوفة ومعرضة للشمس، ويحيط بها عشرات العشش المقامة من الخوص "السدّة والكيب "ويدفن الزائر فى حفرة الرمال عدا وجهه، فى عملية تستغرق من 15 دقيقة وحتى 45 دقيقة بحسب درجة تحمله سخونة الرمال وحرارة الشمس وذلك لمدة 7 أيام كل على حسب حالته الصحية.
وارتبطت منطقة الجربى بالسياحة العلاجية المتمثلة فى "مدافن الرمل"، ذلك لانتشار تلال الرمال الجافة، التى تفيد فى علاج الروماتيزم، وساعدها فى ذلك موقعها وخلو جوها من الرطوبة ونقاوة رمالها الصفراء الناعمة، التى تحتوى على مادة "الثوريوم" المستخدمة فى علاج أمراض الروماتيزم.
أحد العاملين بمدافن الرمل يروى حكاية اندثار المهنة
ويحكى رأفت محمد اللاوندى 74 عاما آخر العاملين فى مدفن الرمال، قائلا إن المهنة اندثرت تماما بسبب الزحف العمرانى على المنطقة، التى تحولت إلى كتل خرسانية وخاصة بعد إنشاء منطقة الجربى الجديد والامتداد العمرانى برأس البر.
وقال اللاوندى، إن الدفن فى الرمل إحدى وسائل العلاج الطبيعى، حيث كانت الحل السحرى لمرضى آلام العظام والعمود الفقرى وأمراض البرد وخشونة المفاصل.
رمل وبطانية وكركديه لوازم علاج جميع أجهزة الجسم
ويبين اللاوندى طريقة الدفن قائلا: "كنا نقوم بإعداد الحفر فى الصباح ونتركها حتى الظهر حتى تسخن الرمال من حرارة الشمس، وينزل الشخص الحفرة ويتمدد فيها فى وضع النوم أو الجلوس حسب درجة تحملة سخونة الرمال وحرارة الشمس فهناك من كان لا يظهر منه سوى وجهه وهناك من يدفن نصف جسمه ويغطى بالرمل الساخن المكوم على جانبى الحفرة لمدة ربع ساعة إلى ساعة تقريبًا يخرج بعدها المريض ملفوفًا ببطانية ويدخل إحدى الغرف المعدة ويغطى بالبطاطين من ثلاث إلى أربع ساعات، يسمح للمريض خلالها بتناول بعض المشروبات كالحلبة المرة بدون سكر والكركديه البارد ثم يتناول غذاءه وهو عبارة عن طعام خفيف مسلوق وسوائل دافئة ويرتدى ملابس ثقيلة قبل أن يخرج من غرفته.
وعدد اللاوندى فوائد الدفن فى الرمال بخلاف علاج آلام الروماتيزم مثل تنشيط الدورة الدموية وتحسين الجهاز التنفسى وأداء الكبد والجهاز الهضمى وخروج الأحماض والإفرازات الضارة من الجسم، حيث تمتص الرمل الأملاح التى تنزل من جسم المريض فى هيئة عرق كثيف ويدخل بعدها للغرفة "الخوص" ليشرب أى شىء دافئ حيث يمنع من شرب المياه أثناء هذه الفترة.
10 جنيهات قيمة الجلسة الواحدة
وأكد اللاوندى أن جميع العاملين فى تلك المهنة توفيت أخرهم الحاج فوزى أشهر العاملين فى تلك المنطقة، الذى توفى منذ أسبوعين، وكان الفنان سيد زيان من أهم زبائنه وكان يحضر سنويا مؤكدا أنه كان يدفع 10 جنيهات فى كل جلسة، وكذلك العديد من نجوم الكرة الذى لا يتذكر أسمائهم.
وقال عبده الديب 81 عاما صياد من قرية الشيخ درغام: "أنا أول من بنى بيتا خرسانيا بمنطقة الجربى الجديد فى ستينيات القرن الماضى وتبعنى مئات الصيادين، وكان يحيط بمنزلى المئات من مدافن الرمال يأتى إليها المئات فى شهر الصيف فى رحلة تنظيف الجسد من السموم واستشفاء الروح فى عملية الدفن فى الرمال.
رجال الأعمال والفنانين ولاعبى الكرة أشهر الزبائن
وأضاف الديب، أن الرجال يدفنون بدون ملابسهم، بينما السيدات كانوا يرتدون ملابس قطنية شفافة وكان يتم التعامل معهم من خلال عاملات سيدات، وشهدت تلك المنطقة زيارة كبار رجال الأعمال والفنانين ولاعبى كرة القدم ليدفنوا فى الرمال، حيث تساعد عملية الدفن فى الرمال فى إخراج السموم من الجسد وعلاج أمراض المفاصل مثل الروماتزم والروماتويد وألام المفاصل العام والتخسيس وحرق الدهون الزائدة أما الآن فقد اندثرت المهنة ولم يعد يأتى أحد عقب تحول كل المنطقة إلى منازل فضلا عن قيام العالين فى مجال المعمار بنقل الرمال لردم جدران المبانى الجديدة بها.