"إعادة اكتشاف الأمل والثقة..ومواصلة الحرب بقوة على الإرهاب"، بهذه العبارات اختار الرئيس الفرنسى المنتخب إيمانويل ماكرون رسائله الأولى التى يوجهها للفرنسيين فى خطاب النصر، ليعكس بذلك خطابه وبرنامجه المتزن الذى طالما تبناه خلال حملته الانتخابية والذى يستند إلى أولوية الحرب على الإرهاب دون ربط العنف المسلح بالدين الإسلامى، بخلاف منافسته الخاسرة مارين لوبان التى تعهد بطرد 11 ألف شخص خارج فرنسا بزعم تشكيلهم تهديد على أمن البلاد.
ورغم استناد المرشحة الخاسرة على خطاب حماسياً كان أكثر ميلاً للتطرف فى ملف الحرب على الإرهاب، إلا أن ماكرون وبخلاف تلك الحماسة التى اعتبرها مراقبون وعوداً دون آلية واضحة للتنفيذ، كان المرشح الوحيد الذى يشير صراحة إلى دور قطر فى دعم وتمويل الإرهاب حول العالم.
وخلال حملته الانتخابية ، تعهد ماكرون بإنهاء النفوذ القطرى فى فرنسا، وقال فى مؤتمراً انتخابيا وسط أنصاره : "قطر ممولة للإرهاب، وفيها أشخاص كثيرون يعملون على تدعيم التطرف والأعمال الإرهابية التى تلحق بفرنسا فى نهاية المطاف". وتابع: "اتعهد باتخاذ كل ما يسمح لبلادى بالتنفس بهواء الحرية والأمن والأمان.. وإنهاء الاتفاقات التى تخدم مصلحة قطر فى فرنسا"، مشيراً إلى أنه سيكون لديه مطالب كثيرة إزاء الدوحة.
موقف ماكرون من قطر لم يقتصر على الخطب الانتخابية ، حيث قال فى حوار سابق لقناة "بى إف إم تى فى" الفرنسية : "سأنهى الاتفاقات التى تخدم مصلحة قطر فى فرنسا، وأعتقد أنه كان هناك كثير من التساهل وخصوصا خلال ولاية (الرئيس السابق) نيكولا ساركوزى، قد حدث معها، مذكرا بأن رئيس الوزراء السابق ومرشح اليمين إلى الانتخابات الفرنسية "فرنسوا فيون هوجم حول هذه النقطة".
وأضاف الرئيس المنتحب فى حواره الذى جرى قبل أسابيع : "ستكون لدى مطالب كثيرة إزاء قطر فى مجال السياسة الدولية ومن أجل أن تكون هناك شفافية جديدة فى ما يتعلق بالدور الذى تؤديانه فى التمويل، أو فى الأعمال التى يمكنهما القيام بها تجاه المجموعات الإرهابية التى هى عدوتنا، متابعا فى بعض الأحيان ما يقف عائقا هو أنها تمويلات خاصة وليست من النظام، لكننى سأطلب من الأنظمة القائمة أن تضمن لنا وقف هذه التمويلات".
وقبل أسبوعين من الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، تظهر استطلاعات الرأى أن ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان متعادلان، ويبدو أن خطابه الأخير سوف يعزز من فرصه.
وجاءت تصريحات ماكرون لتعكس واقعاً عاشته فرنسا خلال السنوات القليلة الماضية بالفعل ، حيث توغل نفوذ قطر بشكل لافت خلال فترة الرئيس الفرنسى الأسبق نيكولا ساركوزى، وذلك وفقا لكتاب أصدره صحفيان فرنسيان بعنوان "فرنسا تحت النفوذ"، كشفا خلاله كيف اشترت قطر الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى، وكيف كانت فرنسا الأرض المفضلة للدوحة، لا سيما فيما يخص مونديال 2018 و2022، حيث استغلت قطر وجود ساركوزى فى منصبه للفوز باستضافة المونديال.
ومن أبرز الاتهامات التى وجهت لساركوزى بشأن علاقته بقطر، إن الإمارة الخليجية كانت تملى عليه قراراته السياسية، واتفقت بعض الصحف العالمية على أن فرنسا تعد مستعمرة من قبل قطر، ليس فقط استراتيجيا بل اقتصاديا أيضا.
وأوضح تقرير الوكالة الفرنسية القومية لدعم وتنمية الاقتصاد الفرنسى على الصعيد الدولى "بيزنس فرانس" الذى جاء بعنوان "التقرير السنوى للاستثمارات الأجنبية فى فرنسا لعام 2016"، والذى نشرته وكالة الأنباء القطرية الرسمية أواخر مارس الماضى، والذى يلقى الضوء على حجم الاستثمارات الأجنبية الجديدة فى فرنسا للعام الماضى وقدر مساهماتها فى تنشيط الاقتصاد الفرنسى، أن عدد الاستثمارات الجديدة من الشرق الأوسط وصل إلى إحدى عشر مشروعا، هذه المشاريع وفرت حوالى 100 فرصة عمل جديدة، بينما تنشط فى فرنسا 380 شركة من الشرق الأوسط توفر أكثر من 24 ألف فرصة عمل.
وتمثل الاستثمارات من الإمارات العربية المتحدة 34% من إجمالى الاستثمارات الجديدة فى فرنسا لعام 2016، بينما تمثل استثمارات كل من لبنان وقطر 18% لكل منها، وأكثر من نصف تلك المشروعات (55%) تخص مراكز اتخاذ القرار (استثمارات لأول مرة) إلى جانب استثمارات أخرى فى مجال خدمات الأعمال وخدمات المستهلك.
وكان السفير الفرنسى فى قطر، إيريك شوفالييه، قال إن قطر هى ثانى أكبر مستثمر فى بلاده خلال 2015، مشيرا إلى أن إجمالى حجم العقود الاقتصادية الموقعة بين الجانب الفرنسى والقطرى بلغت قرابة 32.7 مليار ريال (8 مليارات يورو) خلال العام الماضى.
ويتوقع مراقبون اتباع ماكرون فور توليه مهام منصبه رسمياً نهجاً مختلفاً عن سياسات الرئيس المنتهية ولايته فرانسوا هولاند فى مجال الحرب على الإرهاب، وأن يركز بشكل أكبر على تجفيف منابع تمويل التنظيمات الإرهابية المسلحة بالتزامن مع مشاركة بلاده فى حلف الناتو وفى التحالف الدولى ضد داعش.