رغم ما يشوب علاقتهما من توترات وخلافات بددت آمال التقارب، إلا أن الرئيسين الأمريكى دونالد ترامب، والروسى فلادمير بوتين جمعتهما مساء أمس خسارة كبرى خلفها فوز السياسى الفرنسى الشاب إيمانويل ماكرون برئاسة فرنسا على حساب زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان التى كانت بحسب مراقبين المرشحة الأفضل لدى واشنطن وموسكو على حد سواء.
وفى الوقت الذى حرص فيه الرئيس المنتخب إيمانويل ماكرون على زيارة دولا أوروبية خلال حملته الانتخابية، كانت منافسته الخاسرة مارين لوبان إحدى كبار الزوار فى قصر الكرملين حينا، وتتناول القهوة مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب داخل برجه الشهير حينا أخرى لبحث قضايا وملفات الإقليم وسبل التصدى لمشروع أوروبا الموحدة.
ورغم تأكيده قبل يومين من الانتخابات الفرنسية على تعاونه مع أى رئيس ينتخبه الفرنسيون، إلا أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بحكم القرارات التنفيذية والسياسات التى اتبعها خلال الأشهر الأولى منذ دخوله البيت الأبيض، كان يرى فى مارين لوبان بحكم ما حملته من برنامجا انتخابيا المرشحة المفضلة لدخول الإليزية.
ولم تخفى تدوينة ترامب القصيرة، التى اكتفى فيها بالتأكيد على "تطلعه للعمل" مع الرئيس الجديد للفرنسيين خيبة الآمل التى أصابت البيت الأبيض من خسارة لوبان، ففى الوقت الذى اختار فيه ترامب أن يبدأ ولايته الرئاسية بفرض حظرا للسفر على دولا بعينها، وشن حملة ضخمة لترحيل المهاجرين وفرض قيود على العمالة الأجنبية، كانت تدعو المرشحة الخاسرة إلى خروج عاجل من الاتحاد الأوروبى وفك ارتباط بلادها باتفاقيات تشنجن والعمل على ترحيل 11 ألف شخص اعتبرتهم "خطرا على أمن فرنسا".
ومن واشنطن إلى موسكو، لم تختلف الحسرة على خسارة لوبان كثيرا، فعلى مدار سنوات عدة دعمت الحكومة الروسية الأحزاب اليمينية ورموز اليمين المتطرف فى العديد من دول أوروبا على آمل قلب موازين القوى فى عواصم عدة.
ومبكرا، ومنذ عام 2013 كان الرهان الروسى على اسم مارين لوبان كبيرا للغاية حيث قدمت لها نظام الرئيس فلادمير بوتين تمويلا ماديا قدره مراقبين بأكثر من 10 ملايين يورو على أمل تكون رئيسة لفرنسا وتساهم فى خروج بلادها من عضوية الاتحاد الأوروبى على غرار "بريكست" البريطانى.
وفى أول تعليق على صدمة الانتخابات الفرنسية، التزم الكرملين بالبروتوكول، وقال فى بيان له اليوم إن الرئيس فلادمير بوتين يدعو نظيره الفرنسى إلى تجاوز "عدم الثقة"، والتعاون مع روسيا، فميراث الشك المتبادل بين موسكو وباريس عززته السياسات الروسية تجاه الدول الأوروبية ومن بينها فرنسا، ودعمها الصريح للمرشحة الخسارة جهرا عبر تصريحات مسئوليها، وسرا عبر محاولات القرصنة الإلكترونية وبث الأخبار الكاذبة والشائعات.
وفى انعكاس لحالة الصدمة التى تعيشها موسكو جراء فوز السياسى الشاب إيمانويل ماكرون الذى طالما دعا مرارا إلى الحفاظ على كيان الاتحاد الأوروبى والعمل على إصلاحه بدلا من الخروج من عضويته، قال عضو مجلس الشيوخ الروسى أليكسى بوشكوف إن خسارة لوبان "خيبة أمل"، مشيرا فى تصريحات نشرتها وكالة الأنباء الروسية نوفستى، إلى أن نتيجة الانتخابات الفرنسية جاءت لتعكس رغبة الناخبين فى التصويت ضد لوبان أكثر منها تصويت لصالح ماكرون.
من جانبه، قال الخبير والمحلل السياسى الروسى دميترى بيتروف فى مقال بصحيفة "جازيتا" الروسية إن مارين لوبان كانت تزور روسيا مرارا وتكرارا، وفى شهر مارس الماضى ناقشت مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مكافحة الإرهاب، ورفع العقوبات، قائلة عن شبه جزيرة القرم: "لا أعتقد أن ضمها غير قانونى".
فيما قال الخبير الروسى أنطون شيخووتسوف إن نظام بوتين، يستخدم الحلفاء اليمينيين المتطرفين لإضعاف الاتحاد الأوروبى وتقويض السلم الاجتماعى فى مجتمعات البلدان الأوروبية، حيث أن بوتين يدرك جيدا أن الحركات القومية تشكل تهديدا للوحدة الاجتماعية والسياسية للدول، ومن الممكن أن تقوم روسيا بتوفير الدعم المالى للقوميين المتطرفين.
وأضاف أنه منذ عام 2013 زارت مارين لوبان، موسكو وحصلت الجبهة الوطنية على قرض بعدة ملايين يورو من البنك التشيكى الروسى الذى كان يملكه رجل أعمال مقرب من الكرملين، ومنذ 2016 أصبحت مارين لوبان الخيار الثانى للكرملين، وهذا هو السبب فى فشل الجبهة الوطنية للحصول على قرض جديد من روسيا، حيث أعلن البنك التشيكى الروسى عن إفلاسه فى عام 2016، وأصبحت روسيا تلعب بورقة فرانسوا فيون المعروف بموقفه التصالحى واتجاه سياسته الداخلية والخارجية نحو روسيا، ولكن بعد أن بدأ فيون خسارة شعبيته بسبب فضيحة زوجته، وتوجه الكرملين نحو لوبان والتى يعتبرها بوتين المفضلة.