جاءت الوثيقة المسربة لعضو تنظيم داعش أحمد صلاح الأنصارى من السجون ضمن عشرات الوثائق التى بدأت تتسرب من داخل السجون فيما عرف بالمراجعات التى يقوم بها قيادات التنظيمات والجماعات الإرهابية داخل السجون من الإخوان حتى داعش. هذه الوثائق لم تكن الأولى فى تاريخ الحركات الإسلامية من داخل السجون فهناك العشرات من تلك المبادرات أشهرها مبادرات وقف العنف فى التسعينيات، التى عرفت بمراجعات تنظيم الجماعة الإسلامية ثم تنظيم الجهاد ومنذ سقوط حكم الإخوان واتهام أعضائها وقياداتها بالإرهاب وهناك أكثر من محاولة للتصالح يطرحها قيادات سياسية بعضها محسوب على الإخوان ومنهم من خارج الجماعة، وكان من نتيجة ذلك هو خروج بعض المراجعات الفكرية والوثائق التى تعكس محاولات بعض العناصر داخل الإخوان فى تقديم تنازلات من أجل الخروج الآمن من السجون، ولذا خرجت ما يسمى بـ"إقرارات التوبة لعناصر الإخوان داخل السجون"، استخدمها البعض من أعضاء الإخوان والتنظيمات الأخرى للحصول على الإفراج المشروط فيما عرف بالعفو الرئاسي.
وبالتأكيد لم تأت إقرارات التوبة أو المراجعات الفكرية من سراب بل خرجت التقارير التى تؤكد أن هناك قيادات أمنية ودينية وشبه رسمية شاركت فى هذه المراجعات ومن أبرز الأسماء التى ترددت اسم الدكتور أسامة الأزهرى ورغم أن بعض المقربين من الأزهرى نفوا ذلك وأكدوا أن دور الأزهرى اقتصر على توجيه النصح والإرشاد داخل السجون فإن بعض الأعضاء الذين وقعوا على وثيقة التوبة أكدوا أن للرجل دورًا فى هذه المراجعات وإقرارات التوبة، ويبدو أن عدم الزج باسم الأزهرى باعتباره يحمل صفة رسمية لأنه مستشار للرئيس السيسى وهو ما يدعو البعض ينفى وجود أى دور له فى التقارب مع التنظيمات والجماعات الإرهابية داخل السجون حتى لا يتم الزج باسم مؤسسة الرئاسة فى تلك المراجعات.
إذن من يدير مثل هذه المراجعات من جانب الدولة؟ بالتأكيد لن نجد إجابة واضحة ولكن لا يمكن أن تكون هذه المراجعات تتم من جانب واحد دون معرفة الطرف الآخر، وهو الدولة ولهذا فإن التقارير التى تخرج من السجون المصرية تؤكد أن هناك من يعرف بحلقة الوصل بين من يقوم بطرح وثيقة توبة أو مراجعات والدولة، ويكون من إحدى الجهات الأمنية التى لا تمانع بنشر الفكر المعتدل بين أعضاء وقيادات التنظيمات والجماعات الإرهابية وهو المنهج الذى اعتمدته وزارة الداخلية منذ أواخر الثمانينيات من القرن الماضى، عندما نجحت فى إقناع المئات من أعضاء وقيادات تنظيمى الجهاد والجماعة الاسلامية فى العدول عن الفكر الإرهابى ووقف العنف، لذا خرجت مبادرة وقف العنف فى 1997 ثم أعقبتها المراجعات الكبرى التى كانت السبب الرئيسى فى خروج الآلاف من أبناء التيارات الاسلامية من السجون.
ويبدو أننا الآن أمام تكرار نفس السيناريو الذى لم يكن للأجهزة الأمنية وحدها الدور الرئيس، بل شارك وقتها كبار المشايخ وعلى رأسهم الإمام الراحل محمد متولى الشعراوى الذى أدار جزءًا من حوارات المراجعات وعقد عدة اجتماعات مع قيادات الإرهاب ومنهم عبود الزمر وكرم زهدى وغيرهم، وهو ما يجعل فكرة الاستعانة بمشايخ معتدلين لخروج وثائق ومراجعات من أعضاء التنظيمات الإرهابية فى السجون من الإخوان حتى داعش غير مستبعد، وهو ما جعل فكرة وجود الدكتور أسامة الأزهرى فى مراجعات الاخوان والدواعش أمر أقرب للحقيقة حتى ولو من خلال جلسات النصح والإرشاد مع من تورط فى العنف والإرهاب.
المراجعات الفكرية تستهدف المتطرفين خاصة أعضاء الإخوان، بعد أن أصيبوا بحالة إحباط شديدة، نظرًا لوجودهم داخل السجون منذ فترة كبيرة دون وجود أى أمل لإنقاذهم من قبل تحركات الجماعة، كما أن بعض شباب الإخوان داخل السجون وصلوا لمرحلة من الإحباط دفعتهم للإقبال على الانتحار للتخلص مما وصلوا إليه ولهذا فإن لجوء البعض إلى فتح باب غير مباشر معهم عبر المراجعات ووثائق التوبة هو باب من أبواب العودة من كهوف الإرهابيين إلى المجتمع بشكل سليم.