زيارة لم تستغرق سوى ساعات قليلة قضاها وزير الخارجية الجزائرى عبد القادر مساهل فى الجنوب الليبى أمس، ألتقى خلالها شيوخ القبائل فى جولة ميدانية أشعلت الصراع بين شرق وغرب ليبيا، حيث أغضبت الزيارة برلمان طبرق، والذى اعتبرها انتهاكًا للسيادة لعدم التنسيق مسبقًا معه، فى حين دافعت حكومة الوفاق الوطنى فى طرابلس عن تحركات الجزائر على الساحة الليبية.
هذا الخلاف يأتى فى وقت حرج للغاية على الصعيد الليبى تسعى فيه الجزائر إلى التحرك الحثيث لحجز مقعد لها ضمن الفاعلين الإقليميين فى تلك الأزمة، بعد دخول الإمارات على خط الأزمة ونجاحها فى عقد لقاء الأسبوع الماضى فى أبو ظبى بين المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبى ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، والذى وصفته الأوساط السياسية بأنه لقاء تاريخى يصب فى صالح الجهود الدولية لحلحلة الأزمة.
لقاء أبو ظبى جعل الجزائر تستشعر الخطر بعد أن كانت تظن أنها تمسك بخيوط الأزمة من خلال تحركاتها المكثفة الفترة الماضية لإقناع الأطراف الفاعلة بعقد حوار "ليبيى – ليبى" فى الجزائر، إلا أن جهود الإمارات سحبت البساط من تحت أقدام المسئولين الزائرين، مما جعلها تكثف تحركاتها خلال الـ24 ساعة الماضية للعودة مجددًا إلى الملف، خاصة أنها تعتبر فى ليبيا أمنًا قوميًا نظرًا للحدود الطويلة التى تربطها بها والتى يسيطر عليها مليشيات مسلحة وجماعات إرهابية وهاجس تسلل تلك التنظيمات للداخل الجزائرى.
وفى وقت قياسى تحركت الجزائر على أكثر من صعيد فى هذا الشأن، حيث أعلنت عن اجتماع دول الجوار الذى عٌقد اليوم على مستوى وزراء الخارجية، وزيارة عاجلة لوزير خارجيتها للجنوب الليبى لضم القبائل الليبية فى تلك المنطقة، وزيارة الثلاثاء لرئيس حكومة الوفاق فايز السراج للجزائر لبحث سبل الحل السياسى للأزمة.
ولكن فى الوقت الذى كثفت فيه الجزائر تحركاتها أثارت الزيارة التى قام بها مساهل للجنوب أزمة كبرى بين الغرب والشرق اللليبى، قد تؤدى إلى تقويض دور الجزائر مجددًا، حيث عبر البرلمان الليبى عن غضبه من تلك الزيارة، وفى خطوة تصعيدية أصدرت لجنة الدفاع والأمن القومى فى البرلمان بطبرق بياناً حذرت فيه من زيارة مساهل إلى المناطق الجنوبية فى الليبية، معتبرين أن لقاءه مع أعيان ومشايخ المنطقة كانت دون إذن منهم، وهو ما يشكل تجاوزًا وانتهاكًا لما وصفوه بسيادة الدولة الليبية.
ووصف البيان تجول مساهل بهذه الصورة فى المدن الليبية دون إذن مسبق وكأنه ولاية من ولايات الجزائر، متهمة بالاجتماع بشخصيات لا تزال تحمل العداء والحقد على الليبيين، داعية فى الوقت نفسه "أبناء ليبيا إلى الاصطفاف خلف مؤسسات الدولة الشرعية للنهوض بالبلاد والمحافظة على أمنها وسيادتها".
وحاول "مساهل" امتصاص الغضب الليبى وتوضيح أهداف زيارته، قائلاً: إن زيارته إلى جنوب ليبيا تكملة للزيارات التى قام بها فى الأيام الماضية لعدد من مناطق ومدن ليبيا، مؤكدًا أن رد فعل لجنة الدفاع والأمن القومى فى البرلمان الليبى لن تؤثر على مساعى الليبيين والجزائر بمواصلة العمل على حل الأزمة الليبية.
وأوضح "مساهل"، أن الجزائر ليس لها أى طموح ليبيا وإنما تتحرك من دافع أخوى، لافتًا إلى أن الزيارة التى قادته إلى جنوب ليبيا ولقاءه مع مشايخ وأعيان المنطقة الجنوبية كانت إيجابية، وأبدوا دعمهم للتوصل إلى حل للأزمة الليبية، مؤكدًا أن زيارته تصب فى تقريب الرؤى بين الأطراف الليبية فقط، ولا تحمل أى خلفيات أخرى، مضيفًا أن بيان لجنة الدفاع والأمن القومى فى البرلمان الليبى لا يصب فى صالح تقدم حل الأزمة فى ليبيا.
وفى الإطار ذاته دافعت حكومة الوفاق الوطنى فى ليبيا عن دور الجزائر، وقبل ساعات من وصول السراج للجزائر أكد المجلس الرئاسى الليبى، أن الزيارة التى قام بها مساهل، إلى عدد من المدن والمناطق الليبية كانت بالتنسيق مع "حكومة الوفاق الوطنى بما فيها مدن الجنوب".
وأعرب المجلس الرئاسى فى بيان صحفى، نشره موقع جريدة الشروق الجزائرية عن استغرابه الشديد لما صدر عن إحدى لجان مجلس النواب، مشددًا على أنه "كان من الأجدى لمَن كتب البيان التحقق وتحرى الحقيقة وعدم التسرع بإصدار الأحكام وتوجيه الاتهامات لدولة شقيقة تحاول بكل ثقلها المساعدة فى تحقيق المصالحة والاستقرار فى بلادنا".
ومن داخل اجتماع دول الجوار الليبى تحدث وزير الخارجية الليبى بحكومة الوفاق، محمد الطاهر سيالة، عن أن الجولات الميدانية الأخيرة لـ"مساهل" فى ليبيا تم التنسيق حولها على أكمل وجه، لافتًا إلى أنه "تم الاتفاق حولها والتنسيق بشأنها على أكمل وجه"، داعيًا إلى "عدم الالتفات إلى بعض التصريحات غير المسئولة بهذا الشأن"، خاصة أن عملية التنسيق حول الزيارات إلى البلد هو عمل تنفيذى من صلاحيات الحكومة.
كما تقدم الوزير الليبى بشكره لمساعى الجزائر من أجل دعم السلم والأمن فى بلاده، مؤكدًا التوافق التام بين الجزائر والسلطات الليبية حول سبل حل الأزمة، كما أوضح أن المواقف موحدة فى اتجاه الاستقرار الإقليمى لمصلحة شعوب المنطقة واستقرارها من أجل الانتقال إلى التنمية بسرعة.
وفى ظل هذا التلاسن بين طرفى الصراع الليبى تصبح مهمة الجزائر للتوفيق بين الأطراف شبه مستحيلة، وبعد أن كانت الجزائر تظن أن تحركاتها ستقربها أكثر من لعب دور كبير فى الأزمة التى تقع على حدودها الشرقية، فيبدو أن الخلاف الحديث سيبعدها خطوات عن لعب دور الوسيط المحايد فى تلك الأزمة.