مازالت المفاجآت على الساحة الجزائرية منذ انتخابات 4 مايو تتوالى ولم تتوقف، فلم يكد الحزب الحاكم حزب جبهة التحرير الوطنى يفوق من خسارته الأغلبية المطلقة فى البرلمان للمرة الأولى منذ عشرين عاما، واضطراره الى تشكيل تحالفات حزبية وصولا الى حكومة ائتلافية تضم أكثر من حزب لضمان استقرارها برلمانيا، حتى حمل اليوم المفاجأة الكبرى بدعوة رسمية لحركة مجتمع السلم "حمس" – إخوان الجزائر للمشاركة بشكل رسمى فى الإئتلاف الحكومى.
فحركة حمس والتى حلت الثالثة برلمانيا فى تلك الانتخابات وعلى الرغم من اقتناعها على مدار السنوات الماضية بأن الأفضل لها أن تظل فى صفوف المعارضة أغرتها مقاعد السلطة، وبمجرد أن واربت السلطة الباب لإمكانية انضمامها للحكم هرولت كعهد الإخوان فى جميع الدول العربية، فنهج جميع التنظيمات الاسلامية استغلال الدين للوصول لمقاعد السلطة مهما حاولوا التلون على خلاف تلك الحقيقة.
واليوم أصبح العرض رسميا، بعد أن كشف رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، تلقيه دعوة مباشرة من رئيس الوزراء الجزائرى عبد الملك سلال للمشاركة في الحكومة الجديدة التي ستتشكل في الأيام القليلة المقبلة، وقال مقري في تصريح نشره على صفحته الرسمة على الفايسبوك: "التقيت قبل دقائق بالوزير الأول سلال بعدما تم الاتصال بنا بواسطته قبل يومين لأتأكد من صدقيه طلب دخولنا الحكومة فتأكد ذلك منه شخصيا، كما أكد بأن هذا هو طلب رئيس الجمهورية"، وكان رد مقري بأن هذا القرار يتخذه مجلس الشورى الوطني الذي سينعقد بعد قرار المجلس الدستوري بشأن الطعون.
المشاركة فى هذه الحكومة لن تكون كسابقاتها، فالحكومة الائتلافية تأتى فى وقت حساس فى الجزائر حيث هناك رسم جديد للخريطة السياسية فى تلك الدولة العتيدة، التى اجرت انتخاباتها البرلمانية السادسة منذ اعتماد التعددية الحزبية وفقا لتعديلات دستورية تم إقرارها فى العام 2014 قلصت من صلاحيات الرئيس ومنحت المزيد للسلطة التشريعية والحكومة، فيما يعد استعداد مبكر لمرحلة الرئيس الجديد بعد انتهاء ولاية عبد العزيز بوتفليقة فى 2019.
وفى ظل تلك المعطيات يعتبر عرض المشاركة مغرى للحركة فى بلد عُرف عنه التضييق على الحركات الإسلامية منذ العشرية السوداء فى تسعينيات القرن الماضى، وبالتالى فعلى جميع الأحزاب حساب خطواتها المستقبلية بعناية تحسبا للدور الذى قد تلعبه فى المرحلة المقبلة، وفى حال حركة "حمس" فإن تلك المشاركة تعد فرصة ذهبية لها فى ظل خسارة الحزب الحاكم حزب جبهة التحرير الوطنى الأغلبية المطلقة فى هذه الانتخابات لحساب صعود شريكة فى السلطة حزب التجمع الديمقراطى والذى يطمح رئيسة أحمد أويحيى فى رئاسة الجزائر.
وما أن فتحت الحكومة أبوابها للإخوان بدأت الانقسامات مبكرا فى صفوفها حول المشاركة من عدمها، حيث قالت صحيفة "الشروق الجزائرية"، فى عددها اليوم إن قرار المشاركة فى الحكومة المقبلة من عدمه أشعل حربا افتراضية بين أبناء الحركة، بعد أن طفت الخلافات إلى السطح بين جناح الحركة الرافض لخيار المشاركة بحجة أن نتائج الانتخابات لم تكن فى مستوى تطلعاتهم، والجناح الداعم بقوة لتبنيه، بمبرر الحفاظ على خط القيادى الراحل محفوظ نحناح الذى لم يعارض يوما الوجود فى الحكومة.
ويدافع عن خيار المشاركة فى الحكومة الرئيس الأسبق لحركة مجتمع السلم أبو جرة سلطانى، مذكرا بأهمية تبنى خيار المشاركة فى السابق الذى أكسب "حمس" - على حد قوله - خبرة معنوية جعلتها جاهزة للمشاركة فى أى حكومة مقبلة، وهو ما فهم من على أن القيادى فى الحزب يمارس ضغطا على الحركة، التى سبق لها أن أكدت على لسان رئيسها، عبد الرزاق مقرى، أن القرار الأول والأخير يعود إلى مجلس الشورى، وهذا بالرغم من موقفه الواضح، الذى كرره فى العديد من المناسبات، وهو أن "حمس" لن تشارك فى الحكومة بسبب عدم توفر الشروط.
وذهب رئيس حركة مجتمع السلم سابقا أبعد من ذلك حين توقع أن تكون الحكومة المقبلة متكونة من أربعة أضلع متكاملة على - حد وصفه- وطنيا، وقال " أن المصلحة الوطنية والوضع الحالي تقتضي دعم البرلمان الفسيفسائي الجديد بحكومة سياسية قوية واسعة القاعدة، تتشكل أساسا ممن احتلوا المراتب الأولى، وإشراك بعض التكنوقراط والكفاءات الوطنية لمواجهة التحدّيات القائمة والقادمة".
وتابع سلطاني قائلًا " إن الحكومة المقبلة يجب أن تقوم على أربعة أساسات، بغية ضمان الاستمرارية، والمواءمة بين السياسيين والكفاءات، والتوازنات الكبرى "، مبررا موقفه القاضي بضرورة توسيع قاعدة الحكومة، من أجل مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، والحفاظ على الدور المحوري للجزائر في المنطقة، وذلك انطلاقا من خلق تكامل بين القوى السياسية المعبرة عن توجهات الشارع الجزائري وبين الكفاءات الوطنية المستقلة، لضمان التحكم في الملفات التقنية.
غير أن المكلف بالإعلام فى حركة مجتمع السلم، بن عجايمية بوعبد الله، رد عبر صفحته الرسمية على أبو جرة سلطانى، ليؤكد على أن "حمس" ترفض المشاركة فى الحكومة المقبلة، قائلا: "لن ندخل الحكومة صاغرين وشروطنا لدخولها لم تتحقق".
ودافع عضو مجلس شورى حركة مجتمع السلم, عبد الرحمان سعيدي, عن انضمام " حمس " إلى الحكومة المنتظرة، وعلق في تصريحات لـ " العرب اليوم " عن موقف رئيس الحركة الرافض، قائلا إن الموضوع لا يدرس بالمنظور الشخصي ولا بالحالة النفسية المزاجية، كما أن القرار ليس بيد رئيس الحركة فقط.
وأكد عبد الرحمان سعيدي, أن مسألة مشاركة حركة مجتمع السلم في الحكومة بجب أن تدرس من موقعها السياسي الحالي فهي الآن وبالنظر إلى المرتبة التي تحتلها في الساحة عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية في موقع قوة اقتراح، ويجب أن يدرس أيضًا هذا القرار من حيث الظروف الحالية التي تمر بها الجزائر.
وقال إنه يجب التركيز أيضا على المرحلة القادمة ففي حالة فوز الحركة في الانتخابات المحلية المزمع تنظيمها شهر نوفمبر المقبل، فهذا الأمر سيثبت موقعها في الساحة خاصة إذا كانت طرفا فى الحكومة القادمة، قائلا: "حمس غير قادرة على الإكمال على النهج القائم، فتلقيها دعوة للمشاركة في الحكومة، هي منحة بمثابة بالنسبة لها ويجب عليها استغلالها بطريقة تليق بها ".
وهذا الإنقسام الذى طفا الى السطح الساعات الماضية بين بعض من يريد الحفاظ على نهج الشيخ محفوظ نحناح مؤسس الحركة فى عام 1990 ومن يرغب فى البقاء فى صفوف المعارضة، حيث كان نحناح يتبنى منهج المشاركة حتى لو باءت بالفشل في جميع الاستحقاقات السياسية التي جرت في الجزائر، وشكل في الفترة من سنة 2004 إلى غاية يناير 2012 الحكومة مع حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي ضمن ما سُمّي بـ "التحالف الرئاسي" على الرغم من مشاركة الحركة بشكل شرفى ليس إلا.
واليوم تقف الجزائر على أعتاب مرحلة جديدة يتحسس فيها الجميع الطريق وسط فزع داخل الحزب الحاكم من التغيير الذى يحدث حوله محاولا الحفاظ على مكانتة فى السلطة، وفى ظل الحفاظ على هذه المكانة لم يصبح لديه اعتراض فى التحالف مع الشيطان نفسه، وبعد العرض الرسمى على حركة حمس والانقسام داخل صفوفها حول المشاركة فى الحكومة من عدمها، وحتى يحسم مجلس شورى الحركة قرار المشاركة، ستظل الساحة السياسية الجزائرية فى متغيرات دائمة استعدادا لمرحلة جديدة.