حمل البيان المالى لموازنة 2017- 2018 والذى ألقاه وزير المالية هذا الأسبوع بالبرلمان، مفاجأة غير سارة، كانت الارتفاع الضخم لفوائد الديون المحلية والخارجية، أو ما يصطلح عليه بـ"خدمة الدين" ليبلغ 380 مليارا و986 مليون جنيه بزيادة 88 مليارا و466 مليون جنيه عن العام المالى 2016/2017، تذهب منها 25 مليارا و551 مليون جنيه خدمة للدين الخارجى، وأغلبها والبالغ 355 مليارا و435 جنيه كفوائد عن الديون الداخلية، والتى اقترضتها الحكومة عن طريق أذون الخزانة من البنوك المحلية.
الرقم يبلغ 34.4% من إجمالى إنفاق مصر فى الموازنة العامة، والمقدر بتريليون و106 مليارات جنيه، بمعنى أن أكثر من ثلث إنفاق مصر يذهب على سداد ديوننا والتى تراكمت على مر عقود لتبلغ مؤخرا 3 تريليون و58 مليار و105 ملايين جنيه، بعد أن كانت تبلغ فقط 705 مليارات و471 مليون جنيه فى نهاية العام المالى 2008-2009.
الدولة نفسها اعترفت بالمشكلة فى بيانها المالى، إذ قالت إن العجز فى الموازنة العامة للدولة، يعد من الأسباب الرئيسية لزيادة حجم الدين، ومشروع الموازنة الحالى يتضمن عجزا كليا بنحو 370 مليار جنيه، وهو ما سيستدعى الاقتراض من جديد لتغطيته، وبالتالى يؤدى إلى زيادة الدين العام.
التحدى الأكبر كما قالت وزارة المالية فى بيانها المالى، يتمثل فى القدرة على تحجيم الدين العام المحلى، مع الصعوبات التى تواجهها الحكومة فى تخفيض حجم الإنفاق العام، والذى يرتبط عادة بمتطلبات جماهيرية حتمية، سواء بالنسبة للأجور أو الدعم، أو الاستثمارات.
إذن نحن أمام دائرة متكررة من ( العجز – الاقتراض لتغطية العجز – زيادة فائدة الدين – فمزيد من الضغط على النفقات – ثم مزيد من العجز – فمزيد من الاقتراض.. )، هذه الدائرة التى أصبحت خطرا يلتهم الموازنة العامة للدولة.
النائب عمرو الجوهرى وكيل اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، قال إن تحرير سعر الصرف، وبالتالى زيادة سعر الفائدة زاد من فداحة الأمر، محذرا من الانصياع لما قيل إنها تعليمات صندوق النقد الدولى بزيادة سعر الفائدة، لأن المشكلة ستزيد وستتفاقم أكثر.
الجوهرى رأى أن الحل الوحيد هو زيادة حجم الإنتاج، وتشغيل المصانع، وأن تضغط الدولة من نفقاتها لتقليل حجم العجز، نحن نتكلم فى خطة معينة يجب على الحكومة وضعها.
العملية من وجهة نظر وكيل الاقتصادية محفوفة بالمخاطر، لأن الوضع صعب، وأضحى فى نفس الوقت هناك مشكلة كبرى دفعت الدولة للاقتراض من الخارج، نظرا لأن فائدة الاقتراض من صندوق النقد الدولى أقل من تكلفة الاقتراض الداخلى.
عضو مجلس النواب رأى أن الدولة تحاول تعويض مشكلتها بالضرائب كحل سريع، ورفعت من حصيلتها المتوقعة من الضرائب فى بيانها المالى لتصل إلى 603 مليارات جنيه، لكن السؤال الآن هل تستطيع الدولة تحقيق هذه الحصيلة الضريبية فعلا أم لا؟.
الدكتورة بسنت فهمى عضو اللجنة الاقتصادية بالبرلمان، والخبيرة الاقتصادية، بدأت حديثها قائلة إن هذا الرقم معناه أن هناك "بهدلة"، ورأت أن فائدة الدين العام أصبحت رقما ضخما للغاية، وما يقترحه البعض برفع الفائدة لاحتواء آثار التضخم، لن يؤدى إلى احتواء آثاره، بل سيؤدى إلى زيادة فائدة الدين العام، وبالتالى زيادة الضغط على الموازنة، وهو ما سيؤدى لاحقا إلى ارتفاع فى الأسعار وخلق مشكلة اقتصادية.
الخبيرة الاقتصادية، رأت أن المشكلة أن الجميع ينظر إلى الأمر من ناحية "الاقتصاد الكلى"، والأرقام الكبرى لكن الحل بسيط، وهو علاج مشكلات "الاقتصاد الجزئى"، يجب علينا أن ننظر إلى الزراعة وننهض بها، والصناعة وننهض بها، لابد من زيادة الانتاج، ولا حل لذلك سوى تقسيمه إلى قطاعات واضحة زراعيا وصناعيا، والعمل فى كل ملف على حدى، فلدينا على سبيل المثال مشكلة مصانع الغزل، يجب العمل عليها وحلها للنهوض بالقطاع، مشكلة تآكل الرقعة الزراعية، نعمل على الاستصلاح ونوسع منه، وهكذا، نستطيع النهوض باقتصادنا، لكن الجميع للأسف لا ينظر للأمر بهذا الشكل.
بسنت فهمى حذرت أيضا من الحل السريع للمشكلة، والذى يتم اللجوء إليه عن طريق زيادة الضرائب، قائلة إنه مسكن، فإذا لم يكن لدينا زراعة جيدة، أو صناعة جيدة، فمن أين سنأتى بالضرائب؟، كيف سنفرض ضريبة على أصحاب مصانع ومزارعين يخسرون؟. هذه سيناريوهات نظرية ولن تؤدى إلى حل.