"المنقد"، "الحطب"، "النار"، و"الجاعد".. أبرز وسائل يواجه بها أبناء بدو سيناء حتى اليوم البرد وانخفاض درجات الحرارة، الذى يصل لدرجة صفر فى بعض المناطق.
- رواج صناعة وسائل مقاومة البرد التقليدية فى شوارع العريش
و"المنقد" هو أداة إشعال "النار" فى "الحطب"، بينما الجاعد هو جلد "الأغنام" الناشف الذى يستخدم بعد سلخه لتغطية الظهر عن البرد أثناء السير فى الأجواء الباردة وافتراشه إذا لزم الأمر، والوسائل الثلاث تكمل بعضها البعض - بحسب قول أهالى سيناء.
الموت ولا البرد
"الموت ولا فرق الموقدة".. هذه الحكمة المتوارثة يرددها الملتفون حول النيران المشتعلة، وتعنى أنه حتى الموت لن يبعدهم عن دفء لهب الجمر فى هذه الأجواء، ويؤكدون ارتباطهم الشديد بجمر الحطب فى هذه الأجواء بقولهم "دخان يعمى ولا برد يقتل" - أى أن الدخان المتصاعد من الحطب المشتعل، والذى يصيب العيون حتى لو أفقدها البصر فهو أفضل من البرد القاتل.
يقول "سليمان الغندقلى"، مدرس من أبناء قبيلة الدواغرة القاطنة نطاق مركز بئر العبد بسيناء، إن إشعال النيران يعتبر أحد أهم الطقوس اليومية عند بدو سيناء؛ فهى إضافة إلى أنها وسيلة طهى أيضًا حولها يلتف الجميع فى كل وقت، لكنها فى الشتاء لها طعم مختلف، وطقوس مختلفة، خصوصًا فى أوقات "الأربعانية"، وهى مدة الأربعين يومًا التى تنخفض فيها درجات الحرارة وتصل أحيانًا للصفر، وتتجمد المياه فى الأوعية، ونشعل النيران التى بها نواجه البرد.
ويضيف، أن إشعال النيران فى حياتنا له أصول أيضًا، فنختار من أنواع الحطب ما يدوم لهبه لأطول مدة ممكنة، ونجهز لفصل الشتاء بحطب خاص نجمعه من حولنا أو نشتريه، مشددًا على أن أبناء البادية لا يستخدمون الجمر الصناعى المعروف باسم "الفحم".
الجاعد
وأشار محمد سلام، رجل مسن من أبناء قبيلة السواركة بشمال سيناء، إلى أن "الجاعد" مفردة تراثية لا تزال حاضرة فى حياته، لافتًا إلى أنه عند سلخ جلد الخراف السمينة يحرص على تجفيفها وغسلها جيدًا وتعريضها لضوء الشمس حتى تصبح نظيفة تمامًا وخالية من أى شوائب عالقة بها، وفى الشتاء يتوشح الجاعد ليغطى به ظهره من برد الشتاء، وفى الماضى كان يفيدهم أثناء السير وراء الأغنام تحت المطر، وفى الحاضر أيضًا لم يجد بديلاً لدفئه، وعندما تشرق الشمس يضعه على الأرض فراشًا له.
مفردات يومية
أضاف الشاعر "عطا لله الجداوى"، رئيس نادى الشعر البدوى بسيناء، من المفارقات أنه رغم دخول المدنية حياة الكثيرين من أهالى سيناء، إلا أن النار تبقى أحد أهم مفردات حياتهم اليومية، وعلى وجه الخصوص فى الشتاء، ولا تقتصر على ساكنى القرى ومن يسكنون العشش ولا تصلهم الكهرباء، فحتى سكان القصور والبنايات منهم يحرصون على تجهيز النار فى الشتاء وإشعالها والالتفاف حولها، رغم إمكانية استبدالها بمدفئة كهربائية أو بخارية مناسبة.
المنقد
وانتشر فى شوارع مدينة العريش بيع ما يسمى "المنقد" وهو الأداة التى فيها يتم إشعال النيران وتجهيزها لتصبح جمرًا يبعث الدفء، وقال "محمد سعد"، أحد التجار فى منطقة سوق الخميس الشعبية وسط مدينة العريش، يستخدم المنقد لغرض واحد وهو ان تشعل فيه النيران، واوضح ان المنقد يصنع داخل مدينة العريش بأطوال وأبعاد مختلفة تتراوح فى ارتفاعها بين 30 و50 سم ومساحة دائرية أو مستطيلة بأبعاد من متر إلى متر ونصف فى متر، وبأسعار من 100 إلى 400 جنيه، والاختلاف فى الأسعار حسب نوع المنتج، الذى أصبح تضاف له ديكورات معنية تضفى له شكلاً جماليًا داخل المنزل، خصوصًا أن استخدامه لم يعد مقتصرًا على أهالى البادية، وأصبح يستخدم فى الدور والشقق والمنازل، ويضاف له "ماشى" - وهى أداة التقاط الجمر - ويزود بقوائم حديدية تتحرك على واجهته بمستوى يرتفع فوق الجمر وتستخدم لتسخين الشاى والقهوة أيضا "لقرمشة" العيش على وهج الجمر.
الحطب
وكما انتشرت صناعة وبيع المناقد، نشطت أيضًا تجارة "الحطب"، وهو وقود النار، ويقول سمير أبو محمد، بائع حطب فى العريش، إن الأهالى خارج المدن يفضلون شراء الحطب الطبيعى من الأشجار المختلفة، ونجلبه من خارج المحافظة ونبيعه فى العريش، وحمولة سيارة النقل تتراوح أسعارها بين 700 و1500 جنيه، والسعر بحسب جودة الحطب ومكانه ونوعه، ويفضل سكان المدينة الحطب الطبيعى من لديهم مساحات فى منازلهم ومجالس مفتوحة، ولكن سكان العمارات والشقق يفضلون دائمًا "الفحم الصناعى" المعروف؛ لإشعال قليل من الجمرات بحثًا عن دفئها.
النيران فى الشتاء
الالتفاف حول النيران فى الشتاء لم يمر دون لحاق أذاها بعشاقها فى سيناء، وبحسب مصدر طبى فإنه سُجِلت هذا العام حالة وفاة لشاب داخل مدينة العريش، بعد أن غلبة النوم داخل شقته ونسى الجمر بجانبه فى "المنقد"، وأتت النيران على محتويات المنزل، وفى حادث آخر قبل أيام فقد زوج وزوجته حياتهما على أثر ترك النيران تشتعل فى المنتقد داخل شقة مغلقة، ما أدى لاختناقهما ووفاتهما، كما تسببت النيران العام الماضى فى اختناق أسرة داخل شقة، وأوضح المصدر الطبى، أن مديرية الصحة بشمال سيناء حذرت الأهالى من الاستخدام غير الصحى للنيران فى التدفئة، ومخاطر إشعال النار فى أماكن مغلقة تقضى على الأكسجين، إلى جانب خطورة الدخان المنبعث من الجمر الملتهب على صحة الأطفال وكبار السن ومن يعانون من أمراض الجهاز التنفسى والقلب، وأكد المصدر أنه يصل للمستشفى حالات ضيق تنفس نتيجة استنشاق الدخان، والنصيحة التى تكون فى المقدمة للأطباء لمرضاهم فى سيناء، هى الابتعاد عن دخان الحطب.
عشق النار
هذه المخاطر يلقى بها الغالبية من الأهالى عرض الحائط فى سبيل اتقاء شر البرد، وكما يقول "محمد الجغنة"، مدرس من سكان مدينة العريش، إن عشقهم للنيران فى الشتاء لا يعنى أنهم لا يتخذون إجراءات السلامة منها، لافتًا إلى أنه يشعلها ويجهزها لتصبح جمرًا فى مكان مفتوح، ثم ينقلها داخل منزله للتدفئة، مؤكدًا أن التدفئة الكهربائية لا تغنى عنها وليست فى موقع البديل لها.