فى عام 2000 وقف الرئيس الأسبق حسنى مبارك، مستعدا لافتتاح مجمع محاكم الإسكندرية، بحضور وزير العدل وقتئذ المستشار فاروق سيف النصر، وبينما يستعرض الأخير إنجازات المحاكم أمامه، مؤكدا أنه تم الفصل فى 35 مليون قضية بمحاكم مصر فى ذاك العام، علق مبارك مندهشا من ضخامة الرقم: «احنا 66 مليون مواطن، ده معناه إن البلد كلها بتتخانق مع بعضها يا فاروق».
هذا الموقف الذى حدث منذ ما يقرب 17 عاما يلخص الحال فى محاكم مصر اليوم، التى اكتظت وازدحمت بالقضايا، حتى وصل عدد القضايا التى تنظرها إلى 60 مليون قضية طبقًا لما أعلنه المستشار محمود علاء، مساعد وزير العدل للتطوير التقنى، فى إطار حديثه عن تطوير المحاكم وميكنتها، خلال افتتاح المستشار حسام عبد الرحيم، وزير العدل لمجمع محاكم بنها الجديد بالقليوبية، الأسبوع الماضى. ومدلول هذا الرقم يشير إلى أن ثلثى الشعب المصرى «متجرجرين فى المحاكم» ويقفون أمام ساحات القضاء، ما بين مظلوم وغاوى مشاكل.
وتكشف بعض الأرقام التفصيلية التى حصلت عليها «انفراد» بشأن عدد القضايا التى تقام سنويا على مستوى محاكم مصر، أن عدد القضايا المدنية تصل سنويا إلى حوالى 5 ملايين و190 ألف دعوى، موزعة كالتالى، 2 مليون و15 ألف دعوى منها «مدنى كلى»، وحوالى 900 ألف دعوى «مدنى جزئى»، وعدد آخر يتعلق بقضايا «صحة توقيع» يصل إلى حوالى 2 مليون و275 ألف دعوى.
وتستقبل المحاكم سنويا ما يقرب من 13 مليونا و500 ألف دعوى جنائية، فى حين تستقبل محاكم الأسرة حوالى مليون و500 ألف دعوى سنويا.
وتستند هذه الأرقام إلى إحصائية رسمية صادرة من وزارة العدل، تشير إلى أنه خلال ديسمبر 2016 بلغ عدد القضايا المدنية التى تمت إقامتها خلال شهر إبريل 432 ألفا و819 دعوى، فى حين بلغ عدد الدعاوى الجنائية مليونًا و129 ألفًا و849 دعوى، وبلغ عدد قضايا الأسرة 163 ألفًا و389 دعوى، ويتبين من خلال هذه الأرقام متوسط عدد القضايا التى تقام سنويا أمام المحاكم.
وحصلت «انفراد» على أرقام أخرى من وزارة التنمية الإدارية وتحديدا من البرنامج القومى لفرض وإنفاذ القانون، الذى يتولى ملف ميكنة المحاكم، يتعلق بعدد المحاكم فى مصر، وأكد أن لدينا 8 محاكم استئناف على مستوى الجمهورية، ومأمورياتها عددها 21 محكمة، فى حين لدينا محكمة نقض واحدة، ويبلغ عدد المحاكم الاقتصادية 8 محاكم، فى حين يبلغ عدد المحاكم الابتدائية 39 محكمة، ومأمورياتها 59 محكمة، ويبلغ عدد المحاكم الجزئية 300 محكمة، وعدد محاكم الأسرة 300 محكمة، وعدد محاكم المرور 50 محكمة، فيما يصل عدد النيابات إلى 530 نيابة على مستوى الجمهورية.
المستشار رفعت السيد، رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق، يعلق على الرقم الذى ذكره المستشار محمود علاء، مساعد وزير العدل للتطوير التقنى، بأن محاكم مصر تضم 60 مليون قضية، مؤكدا أن الرقم ليس مبالغًا فيه، بل على العكس، يمكن أن يزيد.
وأضاف رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق، أن عددا كبيرا من هذه القضايا عبارة عن جنح وقضايا مرور، مؤكدا أن هذه النوعية من القضايا تضم الآلاف من المخالفات، هذا بالإضافة إلى قضايا الجنح العادية ومن بينها الضرب والإصابة الخطأ، والقضايا المدنى مثل الإيجارات وعمال وأحوال شخصية والضرائب، والتى تضم وحدها ما لا يقل عن مليون قضية سنويا، وأيضا الشكاوى الإدارية التى تنظرها النيابات، بالإضافة إلى قضايا الجنايات.
أما ما يتعلق بنصيب القاضى من القضايا خلال اليوم الواحد أو الجلسة الواحدة، فيشير المستشار رفعت السيد، إلى أنه حين كان يعمل بمحافظات الصعيد كان ينظر فى الجلسة الواحدة 400 قضية من قضايا الجنح، و60 قضية مدنى، وفى الجنايات ما بين الـ10 إلى 30 جناية، تتنوع بين القتل والاغتصاب والسرقة بالإكراه والرشوة والاختلاس.
ويكمل رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق، قائلا: «اليوم ينظر القاضى يوميا حوالى 800 جنحة، و30 جناية، فى حين أن الطبيعى ألا ينظر القاضى أكثر من 3 جنايات، وألا ينظر أكثر من 50 جنحة يوميا، حتى يستطيع أن يقرأ القضية جيدا ويمنح الناس حقوقها.
وأوضح أنه يعرض على القضاة قرارات الحبس الاحتياطى، ومتوسط ما ينظره القاضى يوميا منها حوالى 25 دعوى، ويتجاوز كل منها 200 صفحة، ومطلوب من القاضى أن يصدر قراره خلال 5 دقائق، متسائلا: كيف يقوم القاضى بكل هذا؟
وأضاف السيد، أن كثرة عدد القضايا ونصيب كل قاضٍ منها، يؤدى إلى مزيد من الأخطاء، بسبب ضغط الوقت مقارنة بهذا الكم من القضايا التى ينظرها، مشيرا إلى أن عدد القضاة الجالسين فعليا على المنصة ويفصلون فى القضايا 6000 قاض، والباقى فى النيابة العامة، وهناك عدد كبير فى إعارات، ووظائف إدارية.
وقال رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق، إننا نحتاج على الأقل تعيين 30 ألف قاض، إضافة إلى العدد الحالى لحل هذه الأزمة، لأنه كلما زاد عدد القضاة، زادت العدالة تحقيقا وإنجازا.
وأشار السيد إلى أن ما يقال عن أن القاضى يعمل يومين أو ثلاثة أيام فى الأسبوع غير صحيح، فهو يذهب إلى المحكمة فى هذه الأيام، لكن يكمل عمله فى منزله، فالقاضى يعمل 20 ساعة فى اليوم، لأنه يقرأ القضايا فى بيته ويكتب أسباب وحيثيات الأحكام فى بيته، حيث إن أماكن المحاكم لا تستوعب الجلوس بها، بل إن الغرفة الواحدة يتناوب عليها 3 دوائر مختلفة فى اليوم.
وأضاف أن هذا لا يحدث فى الدول العربية، حيث يعمل القاضى بنظام الدوام، بمعنى أن لكل قاض مكتبا فى المحكمة، يقرأ فيه قضاياه ويكتب أسبابه، ولا يعمل مطلقاً فى بيته، ولكى نطبق الأمر فى مصر نحتاج 20 ضعف عدد المحاكم الموجودة حاليا.
وأكد رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق، أن هذه المشاكل تواجه العدالة فى مصر، ولابد من مواجهتها وعدم دفن رؤوسنا فى الرمال، مشيرا إلى أن البرلمان بصفته ممثل الشعب، عليه أن يفكر فى حلول لتحسين هذه المنظومة وعلاجها.
العشوائية سبب اللجوء للمحاكم
الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أكدت ضخامة أرقام القضايا فى محاكم مصر، وقالت إن ازدحام المحاكم بهذا الكم من القضايا يرتبط بشكل كبير بسلوك المواطن، موضحة أن هناك عشوائية كبيرة فى المجتمع المصرى تؤدى إلى الصدام واللجوء للمحاكم.
وقالت أستاذ علم الاجتماع: «جانب كبير من المجتمع المصرى غير منظم فى حياته، ويقدم على الأشياء والتصرفات بطريقة هجومية، فإذا طبقنا هذا الكلام على الزواج على سبيل المثال، نجد أنه يتم بين الطرفين بشكل غير مدروس وغير منظم، ومن هنا تزيد حالات الطلاق وعدد قضايا الأسرة، بسبب الصدام والعنف بين الطرفين «.
وتابعت خضر: أيضا على مستوى الجوانب الأخرى فإن عدم احترام القانون يؤدى إلى اللجوء للمحاكم، وهو ما يتضح من عدد مخالفات البناء على الأراضى الزراعية، أو مخالفات البناء عامة، وغيرها من المخالفات، وهذا يعود لعدم تعليم النشء احترام القانون».
فيما يرى الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع السياسى عميد كلية الآداب بجامعة القاهرة الأسبق، أن كثرة عدد القضايا فى المحاكم تعود لزيادة الخلافات بسبب زيادة القيم المادية، وكلما زادت القيم المادية فى المجتمع، زاد الخلاف وبالتالى يزيد التقاضى بين المواطنين.
ويرجع الدكتور زايد زيادة عدد القضايا إلى وجود وعى قانونى لدى المواطنين، ففى السابق كان يتم اللجوء لحل المشاكل بالعرف، ولكن الناس أصبح لديها وعى قانونى، وبالتالى تلجأ إلى المحاكم.
وتتحدث الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق، عن زاوية ثالثة تراها سببا فى كثرة عدد القضايا، مشيرة إلى أن هناك تراكما قانونيا وتشريعيا فى مصر بحكم تاريخها الطويل، إضافة إلى بيروقراطية القضاة فى نظر القضايا، حسبما تقول.
وأضافت، أن القاضى لا يفصل سريعا فى الدعوى، لدرجة أن هناك قضايا يستفيد منها الورثة وليس مقيم الدعوى. وتوضح زكريا، أن كل عصر من العصور كان يشهد إضافة الكثير من القوانين والتشريعات، وأصبح فى مصر تراكم قانونى، وكثرة فى إصدار التشريعات، علاوة على أننا لدينا مصادر مختلفة نستقى منها التشريعات، وهو ما يؤدى إلى «توهان».
رئيس الأمانة الفنية بمجلس الدولة: عدد القضاة لا يتناسب مع عدد القضايا ونضطر للعمل بالمنزل
علق المستشار الدكتور محمد حسن، نائب رئيس مجلس الدولة، ورئيس الأمانة الفنية للمجلس الخاص، على الزيادة المستمرة فى عدد القضايا، مؤكداً أنها تعود بالأساس لزيادة عدد السكان وثقة المواطن فى القضاء، واللجوء إليه للحصول على الحقوق.
وأضاف أن جزءًا من هذه الزيادة فى أعداد القضايا يعود كذلك لتعنت الجهات الإدارية فى عدم تنفيذ قرارات بعينها، أو إصدار قرارات يرى الفرد أنها ليست لصالحه فيلجأ للقضاء.
وأكد نائب رئيس مجلس الدولة، أن قضاة المجلس يبذلون جهدا شاقا لنظر هذا الكم الهائل من القضايا، وسرعة الفصل فيها بما لا يخل بالإجراءات القانونية السليمة، مشيرا إلى أن لكل قضية طبيعتها من حيث الاستعجال، فالقضايا المتعلقة بالحقوق والحريات العامة كالمنع من السفر، والتى تختص بنظرها الدائرة الأولى بالقضاء الإدارى عاجلة بطبيعتها وتتعلق بأمور فى غاية الاستعجال، لذا تفصل فيها المحكمة بشكل أسرع، خاصة أنها قضايا بطبيعتها لا تحتاج لأوراق كثيرة تطلبها المحكمة.
أما قضايا العقود مثلا، فيشير نائب رئيس مجلس الدولة إلى أنها قد تحتاج لوقت أكثر للدراسة وطلب أوراق ومستندات من أطراف القضية والرد عليها، وهو ما قد يحتاج لوقت أطول.
ويقول: «أنا كقاضٍ لا يمكن أن أحكم من دون مستندات، وأحيانا بعض الخصوم يتراخون فى تقديم المستندات والأوراق اللازمة».
يستكمل المستشار حسن حديثه حول أسباب التفاوت من حيث سرعة إصدار الأحكام القضائية والفصل فى القضايا، وأسباب التأخر، بأن حق التقاضى مكفول للجميع وحق الدفاع كذلك، ولا يمكن للمحكمة أن تحكم دون اتباع الإجراءات القانونية السليمة، ومنح جميع الأطراف حقهم فى الدفاع، وتقديم الأوراق والرد عليها، كما يوجد عنصر متعلق بقدرات القاضى الشخصية وخبرته فى العمل القضائى، وبالتالى فالأمور تتعلق بثلاثة أطراف «الإجراءات» و«أطراف الخصومة» و«القاضى».
وأشار رئيس الأمانة الفنية إلى أن عدد القضاة لا يتناسب مع عدد القضايا سواء فى مجلس الدولة أو القضاء العادى، ويضيف: «نضطر دائما إلى اصطحاب ملفات القضايا لمنازلنا لدراستها والعمل بالمنزل لعدم توفر كل الاحتياجات اللوجيستية والقاعات اللازمة لعمل القضاة، ولزيادة عدد القضايا، كما تضطر أحيانا بعض الدوائر لعقد جلسات خاصة وإضافية، لإنجاز القضايا.
وأوضح أن مجلس الدولة لا يأخذ بنظام «شطب القضايا»، فلو أقام أحد قضية تظل منظورة حتى لو لم يهتم أو يحضر الجلسات ولا يمكن للقاضى أن يشطبها من الجلسات.
وردًّا على رؤيته وخطة المجلس لمعالجة التأخر فى إصدار الأحكام، قال المستشار محمد حسن، إن بعض الإجراءات يمكن تنظيمه والبعض الآخر عصى على التنظيم، ولا يمكن أن يكون التنظيم على حساب تحقيق العدالة.
وأضاف أن الأمر يحتاج لدراسة متأنية، مشيرا إلى وجود عدة مقترحات قيد الدراسة، منها مقترحات بمطالبة المشرع بإدخال تعديلات قانونية لزيادة الغرامة على الجهات التى تتأخر فى تقديم الأوراق والمستندات، أو أن تكون الغرامة من المال الشخصى للموظف المسؤول فى حالة إثبات تسببه فى تأخير الأوراق، كذلك رفع الغرامات على من يقوم برفع ما يعرف بدعاوى «الحسبة» فى حالة التحقق من قيام المدعين برفع الدعاوى دون وجه حق، وبما يتعارض ذلك مع حق التقاضى.
وأوضح أنه على الدولة والجهات الإدارية دور مهم فى مساعدة القضاة على تحقيق العدالة الناجزة وسرعة الفصل فى القضايا، من خلال تنفيذ القرارات المشابهة والمبادئ التى أرستها المحاكم دون أن يحتاج المواطن لرفع قضية كقضايا رصيد الإجازات، وغيرها، وذلك لتخفيف عدد القضايا وإفساح المجال للقضايا الأكثر أهمية، كذلك ألمح لوجود مقترح بوضع حد أدنى ملزم لكل دائرة لإنجاز عدد معين من القضايا خلال العام القضائى.
وأنهى نائب رئيس مجلس الدولة حديثه بأن للمجلس 17 فرعا فى مختلف محافظات الجمهورية، ولدى المجلس خطة لإنشاء فروع جديدة ليكون له فرع فى كل محافظة، وبالنسبة لفرع مجلس الدولة الذى تم افتتاحه حديثا بمنطقة العباسية، فالعمل فيه منتظم بشكل كامل منذ افتتاحه العام الماضى، كما يبدأ المجلس فى ميكنته بالكامل، وسيفتتح خلال الفترة المقبلة مركز «خدمة المواطنين» بالمقر الرئيسى بالدقى، والهدف منه هو التيسير على المتقاضين والقضاء على الروتين من خلال نظام «الشباك الواحد» الذى يحول دون خلق معاناة فى التنقل بين الموظفين والأقسام المختلفة، مؤكدا أنه سيتم إيداع الدعاوى والطعون بشكل إلكترونى، وجار العمل لميكنة كل إدارات المجلس.
2 مليون قضية ضد الحكومة
مجلس الدولة أحد أعمدة السلطة القضائية فى مصر، ويختص بالأساس فى نظر المنازعات الإدارية التى تنشأ بين المواطنين والجهات الحكومية، وتلقت محاكم القضاء الإدارى خلال العام القضائى الحالى حتى الآن ما يقرب من 500 ألف قضية، على مستوى المحافظات.
وتتشكل محاكم القضاء الإدارى من 76 دائرة قضائية، على مستوى محافظات الجمهورية، ولكل دائرة اختصاصاتها، فالدائرة الأولى تختص بقضايا الحقوق والحريات العامة، وانتخابات مجلس النواب والمجالس المحلية وقضايا الحرمان من دخول البلاد والمنع من السفر وترقب الوصول وغير ذلك.
فيما تختص الدائرة الثانية بقضايا النقابات المهنية والعمالية واتحادات الغرف الصناعية والتجارية والجمعيات والأندية الرياضية وقضايا الجنسية والبث الفضائى وغير ذلك، وتختص الدائرة الثالثة بقضايا هيئة المجتمعات العمرانية وجميع منازعات الأراضى والمساكن الخاصة بالهيئة، أما الدائرة الرابعة بمحاكم القضاء الإدارى فهى التى تختص بقضايا الضرائب بكل أنواعها، وتختص الدائرة الخامسة بأحكام القوانين المنظمة للبناء ومنازعات التراخيص الخاصة بها، والدائرة السادسة تختص بقضايا التعليم وطلبة المدارس والمعاهد والجامعات والمعاهد الأزهرية، وتراقب الدائرة السابعة قرارات الإزالات، وتراقب الدائرة الثامنة العقود الإدارية وتخصيص أراضى الدولة، وهكذا تختلف اختصاصات كل دائرة لتشمل جميعها مراقبة كل القرارات الصادرة من الجهات والهيئات الحكومية. أما عن الأعوام السابقة فتشير الإحصائيات إلى أن محاكم القضاء الإدارى تلقت عام 2014، 483 ألفا و197 قضية، تم الحكم فى 190 ألفا فقط خلال نفس العام، وفى عام 2015 تلقت 595 ألفا و126 قضية، تم الحكم فى 315 ألفا، وفى عام 2016 تلقت المحاكم 623 ألفا و108 قضايا، تم الحكم فى 389 ألفا منها خلال نفس العام، وخلال العام تلقت المحاكم ما يقرب من نصف مليون قضية منذ بداية العام القضائى الحالى، كما سبق الإشارة.
وعن تزايد عدد القضايا التى تتلقاها محاكم القضاء الإدارى، فى كل عام عن سابقه، يقول المستشار عادل فرغلى، الرئيس الأسبق لمحاكم القضاء الإدارى، إن مدلول ذلك يرجع إلى اتخاذ الجهات الإدارية والحكومية قرارات إدارية خاطئة، وتعسفها تجاه المواطن الذى لم يجد سوى محاكم القضاء الإدارى ملاذاً له، فيطعن على تلك القرارات أمامه. يضيف فرغلى فى تصريحاته لـ«انفراد» قائلا: «بما أن محاكم القضاء الإدارى هى التى تفصل فى المنازعات بين الدولة والأفراد، فعدد الدعاوى التى يتلقاها المجلس هو مؤشر لمدى قيام الجهات الإدارية باتخاذ القرارت الإدارية السليمة المتفقة مع صحيح حكم القانون من عدمه، ومن المعروف أنه فى الدول النامية يصبح قيمة الحق والصحيح ليست معروفة فتزداد المنازعات بصفة عامة».
وأوضح أن الدولة دائما هى التى تحدد طبيعة العلاقة بينها وبين الأفراد، كما يرى أن زيادة وعى المواطنين بحقوقهم من بين دلائل زيادة عدد الدعاوى التى يتلقاها القضاء الإدارى، وممارستهم لحق التقاضى المنصوص عليه فى الدستور، وسعيهم فى الحصول على حقوقهم كاملة غير منقوصة.
ويرى المستشار فرغلى، أن مجلس الدولة أصبح فى حاجة ملحة لوضع خطة للتعامل مع هذا الكم الهائل من القضايا، مشيراً إلى أنه سبق أن تقدم بتصور لوضع تعديلات فى قانون مجلس الدولة ولائحته التنفيذية- أثناء رئاسته لمحاكم القضاء الإدارى- تساعد فى سرعة إنجاز القضايا مما يعود بالنفع على المواطنين، وكان من أهم بنوده، تغريم الجهات الإدارية فى حالة التأخر عن تقديم الأوراق والمستندات المطلوبة، والتى تعتبر أحد الأسباب الرئيسية فى تأخر الفصل فى القضايا.
ويقترح فرغلى على الجهات الإدارية تنفيذ قرارات لجان فض المنازعات دون الحاجة للجوء للقضاء، كما يطالبها بتنفيذ القرارات التى سبق للمحاكم إصدار أحكام مشابهة وأرست مبادئ بشأنها كقضايا رصيد الإجازات وغير ذلك.
طلاق ونفقة ونسب.. 1.5 مليون دعوى فى محاكم الأسرة
تشير الإحصائيات إلى أن محاكم الأسرة تنظر مليونا و500 ألف دعوى سنويا، وعن هذا الرقم يقول المستشار عبدالله الباجا، رئيس محكمة استئناف القاهرة، إن هذا الرقم ليس مزعجا، بل أراه طبيعيا، مشيراً إلى أنه يشكل 1.5% من نسبة سكان مصر.
ويضيف الباجا، الذى عمل بمحاكم الأسرة فى وقت سابق لمدة 18 عاما، أن رقم المليون ونصف مليون دعوى فى محاكم الأسرة لا يعنى تعدد المتقاضين، ولكن يشير إلى تعدد القضايا، موضحاً أن الزوجين يمكن أن يكون مجموع القضايا المتبادلة بينهما أكثر من 30 دعوى فى محاكم الأسرة «الابتدائى والاستئناف»، فيمكن أن يقيم الزوجان، قضية نفقة، ومتعة، وأجر مسكن، ومصاريف مدرسة، وحضانة، وهكذا، بالتالى هذه الإحصائية الخاصة بقضايا الأسرة ليست دقيقة، على حد قوله.
ويرجع المستشار الباجا سبب تعدد القضايا أمام محكمة الأسرة، إلى عدم وجود قانون لمحكمة الأسرة بالمفهوم الصحيح، حيث تتفرع القضايا، مؤكداً أننا فى حاجة إلى تدخل تشريعى، لعمل تشريع متكامل يطبق فى محاكم الأسرة.
وقال الباجا، إننا منذ عام 1985 نسير على نظام التعديلات الجزئية وليست الشاملة على قانون الأسرة، بمعنى أننا نعدل مثلا الجزء الخاص بالحضانة، أو بالتعليم دون باقى الأجزاء، وهو ما يخلق خللا فى المنظومة.
ويشير الباجا إلى أن لدينا 13 قانوناً تحكم قضايا الأحوال الشخصية فى مصر، وهذا غير طبيعى، ولا يحقق المعنى الشامل لمحكمة الأسرة، فى حين أنه يمكن أن يكون لدينا فقط قانونان يختصان بقضايا الأسرة، الأول موضوعى، والآخر إجرائى، مشيراً إلى ضرورة تحديد جهة أو لجنة من المختصين وأصحاب الكفاءة تعكف على هذا الأمر، وترسل القانونين للبرلمان لإقرارهما.
ويتابع الباجا قائلا: «بسبب تشعب القوانين الخاصة بقضايا الأسرة أو الأحوال الشخصية، يطول عمر القضايا فى المحاكم»، مشيرا إلى أنه قبل القانون 10 لسنة 2004 بشأن إنشاء محاكم الأسرة، كانت قضايا الأسرة تنظر فى المحاكم لمدة تصل إلى 15 عاما، وبعد هذا القانون، كان من المفترض ألا يزيد عمر القضية عن عام، لكن هذا لم يحدث، حيث تستغرق الدعوى حالياً بمحكمة الأسرة من عامين إلى 4 أعوام.
ويرجع الباجا بطء التقاضى فى قضايا الأسرة إلى تطبيق قانون المرافعات والإجراءات فى القضايا العادية على الدعاوى المتعلقة بمحاكم الأسرة، فى حين أننا نحتاج إلى وضع إجراءات مختلفة لنظر قضايا محاكم الأسرة، حيث لا يجوز التعامل معها على أنها دعاوى عادية.
وأشار الباجا إلى أن دعاوى النفقة هى الأكثر تداولاً فى محاكم الأسرة وتشكل 70% من القضايا، تليها دعاوى الطلاق وتشكل 20% من قضايا الأسرة، ثم قضايا النسب وتشكل 10% من قضايا الأسرة.
كيف يصبح المواطن «وش إجرام»؟
توضح إحصائيات وزارة العدل أن دوائر محكمة الجنايات أكثر الدوائر القضائية استقبالاً للقضايا، حيث تتلقى سنويا حوالى 13 مليونا و500 ألف دعوى جنائية.
وفضلا عن ضخامة الرقم، ظهرت أنواع مستحدثة من الجرائم خلال الفترة الماضية بخلاف الجرائم المتعارف عليها كالقتل والسرقة والاغتصاب والاتجار فى المخدرات، حيث تزايدت جرائم الإنترنت، وشبكات الدعارة الدولية، وتهريب الأموال إلى الخارج، وشبكات تجارة الأعضاء، والرشوة، وخطف الأطفال وطلب الفدية والتى انتشرت بكثرة مؤخراً، وكذا قضايا اغتصاب الأطفال، وأشهرها قضية «طفلة البامبرز»، والتى أحيلت أوراقها مؤخرا لفضيلة المفتى لاستطلاع الرأى الشرعى فى إعدام الجانى.
يتحدث المستشار عبدالستار إمام، رئيس محكمة جنايات القاهرة ورئيس نادى القضاة بالمنوفية السابق، عن عدد قضايا الجنايات التى تستقبلها المحاكم، قائلا: «فى التسعينيات وقبلها، كنا ننظر فى اليوم الواحد ما لا يزيد على 5 قضايا جنايات وأقل من 30 قضية جنح، أما الآن فالدائرة الواحدة تنظر ما يزيد على 40 قضية فى الجنايات و400 قضية فى الجنح، وهى أرقام ضخمة إذا ما قورنت بالسنوات الماضية».
يتذكر المستشار عبدالستار، الذى تقاعد العام الماضى، السنوات الـ44 التى قضاها على منصة العدالة متنقلاً بين دوائر محاكم الجنح والجنايات، ويضيف: «فى الماضى لم يعرض علينا قضايا كتلك التى انتشرت فى السنوات القليلة الماضية، وكل فين وفين لما كانت تجيلى قضية قتل أو اغتصاب، وفى الفترة التى سبقت خروجى على المعاش كنت أنظر فى اليوم أكثر من 3 أو4 قضايا قتل فضلا عن باقى القضايا الجنائية».
أسباب عدة يراها رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق، وراء زيادة عدد القضايا الجنائية وارتفاع معدلات الجريمة، فضلاً عن الزيادة السكانية، أبرزها ما سماه بـ«اهتزاز منظومة القيم» و«التجرؤ على القانون» وحالة عدم الاستقرار خاصة بعد ثورة 25 يناير، وما تلاها من أحداث، مشيرا إلى أن تغيير نمط الحياة والظروف والأحداث التى مرت بها البلاد مؤخرا والتغيرات التكنولوجية، مؤكدا أن كل هذه الأسباب زادت من معدلات الجريمة وغيرت نمطها، وهو ما يستوجب القيام بتغيرات جذرية فى منظومة التشريعات والقوانين.
وأضاف رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق أن تحقيق العدالة الناجزة، يساعد على تقليل معدل الجريمة ويحقق الردع الخاص والعام، فالجانى يرتدع ويخشى ارتكاب جريمة أخرى، وباقى أفراد المجتمع يعرفون أنه حالة ارتكاب جريمة سينال المجرم عقابة فوراً، مؤكدا أن بطء التقاضى وتأخير الفصل فى القضايا يشجع على ارتكاب الجرائم.
وشدد على أن تنفيذ الأحكام القضائية هو الثمرة التى تحتاج إلى تطوير، وأن تطوير منظومة العدالة يحتاج لتعديل التشريعات التى مر عليها عقود وعفا عليها الزمن، وأصبحت لا تتناسب مع العصر.
ويرى الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، أن زيادة الدعاوى الجنائية فى المحاكم، ترجع لما سماه بـ«الاختلال الأمنى» الذى يحدث بعد الثورات، وتغيير المزاج العام للمصريين، بالإضافة للوضع الاقتصادى، وكلها أسباب تزيد معدلات الجرائم وتنوعها.
وأضاف أن الأمن فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، كان يركز على الأمن السياسى دون الأمن الجنائى والمجتمعى، وبمجرد حدوث ثورة 25 يناير، خرج المجرمون ليفرضوا سطوتهم، ضاربين بالقوانين عرض الحائط، كما أن رجال الأمن مجهدون بسبب الأعمال الإرهابية التى تشهدها البلاد.
ويؤكد أستاذ علم الاجتماع، أن بطء التقاضى سبب أساسى فى ارتفاع معدلات الجرائم، لأن عدم الردع السريع وإنزال العقاب على المجرمين يشعرهم بالقوة فى مواجهة القانون، ويصيب المجنى عليهم بالإحباط مما قد يتسبب فى اللجوء لطرق أخرى غير قانونية أو شرعية للحصول على الحقوق.
وأضاف أن الضغوط النفسية والمجتمعية وزيادة الأسعار وانتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى، من أسباب تنوع الجرائم، وانتشار جرائم جديدة لم تكن فى المجتمع المصرى من قبل.