كانت الساعة السادسة بعد الظهر، حينما اتصل الرئيس جمال عبدالناصر بالمشير عبدالحكيم عامر، القائد العام للقوات المسلحة المصرية، يطلبه إلى لقاء عاجل بينهما فى نفس اليوم 13 مايو «مثل هذا اليوم» عام 1967 لبحث الموقف وتداعياته فى الساعات الأخيرة والخاص بتهديدات إسرائيل لسوريا، وهى التهديدات، التى قادت إلى انفجار الموقف فى المنطقة بحرب 5 يونيو 1967.
توجه «عامر» إلى منزل الرئيس بـ«منشية البكرى» فى الساعة السابعة والنصف مساء، حسبما يؤكد الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «الانفجار - 1967» عن «مركز الأهرام للترجمة والنشر - القاهرة» مضيفًا: «كان الرأى بين الاثنين، أن الجمهورية العربية المتحدة «اسم مصر وقتئذ ويرجع إلى الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 حتى 1961» لا تستطيع أن تقف ساكتة، وأن الحوادث تفرض عليها أن تكون مستعدة لكل الاحتمالات، وكان القرار هو «دعوة أركان حرب القوات المسلحة المصرية إلى اجتماع طارئ صباح غد - 14 مايو - لدراسة ما يمكن اتخاذه من إجراءات تقتضيها ضرورة الاستعداد»، كذلك درس الاثنان فكرة إيفاد الفريق أول محمد فوزى، رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة المصرية، ومعه وفد من كبار الضباط إلى دمشق لإخطار القيادة هناك بما تقرر اتخاذه من إجراءات وللتنسيق العملى إزاء احتمالات تصاعد الموقف»، يضيف هيكل: «بعد منتصف الليل بقليل، والمناقشة بين جمال عبدالناصر تكاد تصل إلى نهايتها، وصل «أنور السادات» رئيس مجلس الأمة من موسكو، وتوجه إلى بيت الرئيس فورا، وانضم إلى الاجتماع حاملا معه صورة حية للقاءاته فى موسكو».
جاء لقاء «ناصر» و«عامر» ثم «السادات» بعد إشارات خطيرة حملها نفس اليوم «13 مايو» من أكثر من أماكن عدة، وكانت سوريا هى محور هذه الإشارات، ويعددها هيكل فى:
- فى يوم 13 مايو، كان أنور السادات عائدا من زيارة إلى كوريا الشمالية عن طريق موسكو، وقابل رئيس الدولة السوفيتية «بادجرنى»، وقال للسادات طبقًا لمحضر الجلسة: «سوريا تواجه موقفًا صعبًا، ونحن سنساعد سوريا فى الموقف الذى تواجهه، وقد أخطرنا الرئيس ناصر فى القاهرة بما لدينا من معلومات».
- فى نفس يوم المقابلة بين «السادات» و«بادجرنى» ذهب مندوب المخابرات السوفيتية، الذى كان معروفا باسم «سيرجى»، وكانت وظيفته الرسمية مستشارا بالسفارة السوفيتية بالقاهرة، إلى مقابلة عاجلة مع مدير المخابرات العامة «صلاح نصر» لينقل إليه رسالة من موسكو عن أن هناك حشودًا إسرائيلية بحجم أحد عشر لواء تتجمع أمام الجبهة السورية، وكانت ظواهر الأحوال فى منطقة الشرق الأوسط كلها تنبئ بمقدمات عاصفة توشك على الانقضاض.
كانت الصحف الأمريكية تشن حملة شعواء ضد الجمهورية العربية المتحدة بسبب حادث وقع للبعثة الأمريكية فى تعز، فقد قامت مظاهرة ضد مكتب النقطة الرابعة الأمريكى، وإذا بعضهم من داخل مكتب البعثة يطلق النار بمدفع «بازوكا» على المظاهرة «فيقتل أربعة من أفرادها ويجرح البعض الآخر، وتقتحم الجماهير الغاضبة مبنى مكتب البعثة الأمريكية وتقوم باحتلاله، بينما تقبض سلطات الأمن اليمنية على بعض العاملين فيه بتهمة أنهم أطلقوا الرصاص فتسببوا فى مقتل مواطنين يمنيين، وكتب وزير الخارجية الأمريكية «دين راسك» خطابًا إلى المشير «عبدالحكيم عامر» يطلب فيه التدخل للإفراج عن هؤلاء الموظفين وإعادة صناديق أوراق تخص البعثة الأمريكية قامت السلطات اليمينية بمصادرتها.
كان العاهل السعودى الملك فيصل بن عبدالعزيز قد وصل إلى العاصمة البريطانية «لندن» فى زيارة عاجلة لينسق مع رئيس الوزراء البريطانى «هارولد ويلسون» سياسة بريطانيا والسعودية فى الجنوب العربى وجهدهما المشترك لمواجهة «القوميين العرب» الذين تؤيدهم مصر.
نقلت وكالة أبناء «رويترز» من تل أبيب تصريحا لـ«آبا ابيان» وزير الخارجية الإسرائيلى يقول فيه: «إن الشرق الأوسط لم يكن إطلاقا، ولن يكون فى المستقبل منطقة عربية فقط، وإنما لابد أن تقوم فيه قوميات متعددة، وأن محاولة جمال عبدالناصر لتوجيه مصائر المنطقة يجب اعتراضها، وأن هذا هو رأى بعض الزعماء العرب أنفسهم.