محادثات استمرت حوالى 11 يوما بين لجنة فنية من خبراء صندوق النقد الدولى مع الحكومة المصرية انتهت الخميس الماضى، أسفرت عن إعلان رئيس البعثة التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء يقضى بالموافقة على منح مصر الشريحة الثانية من القرض بمبلغ 1.25 مليار دولار، والتى أعلن وزير المالية فى وقت سابق توقعه بتسلمها فى يونيو المقبل.
وسبق زيارة البعثة إلى مصر، محدثات أجريت خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين قبل أسابيع قليلة بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وكان العامل المشترك بين كافة هذه المحادثات، هو بواعث "القلق" من قبل صندوق النقد من ارتفاع معدلات التضخم فى مصر لمستوى غير مسبوق خلال الثلاثين عاما الماضية.
وفى نهاية زيارة البعثة يوم 11 مايو الجارى قال رئيسها كريس جارفيس فى بيان له، أن الصندوق على ثقة فى امتلاك البنك المركزى الأدوات اللازمة للسيطرة على التضخم، وجعله فى خانة الآحاد.
وأعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة ارتفاع المستوى العام للتضخم على أساس سنوى خلال أبريل الماضى مسجلا 32.9%، مقابل 32.5% فى مارس، وظل المعدل فى ارتفاع منذ نوفمبر الماضى جراء التعويم ورفع أسعار الوقود والكهرباء وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، ولكن وتيرة الصعود بدأت فى التراجع على مدار الشهرين الماضيين.
بلا شك يعد "التضخم" هو الشبح الذى يهدد مسار الإصلاح الاقتصادى، لما ينتج عنه من سقوط الملايين بهاوية الفقر، وهو ما يتطلب مزيدا من الجهود لمقاومته، ولكن ترى الحكومة ويتفق معه اقتصاديون أن رفع أسعار الفائدة لن تكون مجدية فى الحالة المصرية، لأن التضخم ناتج بالأساس عن ارتفاع الأسعار الذى أعقب إجراءات الإصلاح الاقتصادى وليس وجود سيولة بالسوق دون معروض كاف من السلع.
وإذا كان رفع الفائدة وسيلة غير فعالة فى الحالة المصرية. فما هى الآليات الأخرى المتاحة لاستهداف التضخم خلال الفترة المقبلة؟
الدكتورة عالية المهدى أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، طالبت الحكومة بتقليل إنفاقها ووقف الإصدارات النقدية التى ينتج عنها مزيدا من التضخم، ولابد من التفكير فى تطبيق الحد الأقصى للأجور ولو لفترة محددة لتفعيل تخفيض الإنفاق العام.
وفيما يتعلق بتوجه الحكومة نحو طرح السندات الدولارية مقابل تخفيض الاستدانة من البنوك المحلية لارتفاع سعر الفائدة، قالت عالية المهدى إن الاقتراض الخارجى تكلفته مرتفعة للغاية ومخاطره كبيرة، مشيرة إلى أن الاقتراض الخارجى بسعر فائدة 7 – 8% هو كبير للغاية فى ظل تدنى قيمة الجنيه أمام الدولار.
وأعلن وزيرا المالية والتخطيط بالحكومة، توقعهما بانخفاض معدلات التضخم فى نوفمبر المقبل، وهو ما يصعب حدوثه فى ظل استعداد الحكومة لتطبيق شريحة جديدة من الإجراءات متمثلة فى رفع أسعار الوقود والكهرباء وزيادة سعر ضريبة القيمة المضافة بنسبة 1% ليصل إلى 14% على كافة السلع والخدمات.
وأوضحت عالية المهدى أن التوقعات الحكومية بانخفاض التضخم فى نوفمبر، يرجع إلى أنه بمرور عام كامل على التعويم ورفع أسعار الطاقة فى ذلك الشهر، فستكون مقارنة الأسعار بأسعار نوفمبر الماضى التى كانت مرتفعة أيضا وبالتالى لن يكون هناك فرق كبير فى الأسعار. أما الآن فيتم مقارنة الأسعار الحالية بالأسعار قبل التعويم وهى منخفضة فيظهر معه التأثير الكبير على معدلات التضخم.
ولا تتوقع عالية حدوث هذا التراجع المأمول فى ظل موجة مرتقبة من ارتفاع الأسعار يتوقع أن يشهدها الاقتصاد مع بداية السنة المالية الجديدة فى يوليو المقبل، مؤكدة أن التضخم لن يشهد انخفاضا حقيقيا إلا إذا انخفضت الأسعار بالفعل، وقالت: "احتمال تراجع معدل التضخم فى نوفمبر القادم وارد بنسبة 50%"، مضيفا أن تحريك سعر الفائدة لن يكون عاملا فعالا فى استهداف التضخم فى هذه الحالة.
جدير بالذكر أن مصر وقعت اتفاقا مع صندوق النقد الدولى فى نوفمبر الماضى للحصول على قرض "تسهيل تمويل ممتد" بقيمة ١٢ مليار دولار على ست شرائح. وتحصل مصر على كل شريحة بعد التأكد من قبل فريق خبراء الصندوق أن الحكومة قد التزمت بكل ما اتفق عليه من إجراءات، وفقًا للخطة الزمنية الموقع عليها. وحصلت مصر على الشريحة الأولى بقيمة 2.75 مليار دولار بعد تنفيذ عدد من الإجراءات تمثل فى تحرير سعر الصرف، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وتخفيض الدعم عن الوقود والكهرباء.
ونتج عن تنفيذ البرنامج ارتفاع كبير بالأسعار تسبب فى موجة حادة من التضخم الذى لم ينخفض حتى الآن، وإن بدأت وتيرة ارتفاعه تهدأ.
من جانبها قالت الدكتورة داليا بركات مدرس الاقتصاد بكلية التجارة بجامعة الأزهر، إن الوسيلة الفعالة لاستهداف التضخم فى مصر والحل الجذرى لهذه المشكلة هى زيادة الإنتاج، حتى يكون العرض متوازنا مع الطلب فينخفض التضخم.
وأشارت داليا بركات إلى أن تشجيع الصناعة والصادرات وجذب الاستثمارات وخفض الإنفاق العام وعودة السياحة، كلها إجراءات تؤدى لتقليل عجز الموازنة والميزان التجارى وميزان المدفوعات .
وأوضحت أن هذه الإجراءات إذا تم تنفيذها بصورة جادة فهى كفيلة بكبح جماح التضخم، ولكن على المدى القصير فهناك إجراءات يجب أن تتبعها الحكومة تتمثل فى إحكام الرقابة على الأسواق وتوضيح الأسعار الحقيقية للمستهلكين، لأن جزءا كبيرا من التضخم المرتفع مبالغ فيه وناتج عن تلاعب التجار، واختتمت قولها بأن: "رفع سعر الفائدة لن يكون فعالا فى استهداف التضخم فى الحالة المصرية الآن".