كلاجئ مقيم فى منطقة حدودية تفصل بين العديد من البلدان وكل بلد يرفض استقباله، كان هذا حال مسلسل «الإمام»، الذى أنتجته شركة «البراق» القطرية، فى البداية كانت تنوى تصويره فى المغرب، ولكن تعذر دخوله إلى مراكش، كما يذكر موقع هافنجتون بوست الموالى لقطر، وهو ما دفع الجهة المنتجة، بحسب ذات الموقع، لاختيار أوزباكستان والجزائر كمكانٍ بديل، وبعدها الهند كوجهةٍ أخيرة، ولكن كل تلك الخيارات لم تنجح، وانتهى المطاف بـ«أحمد بن حنبل» فى ماردين التركية ولبنان، وبعدما كان من المقرر عرض هذا المسلسل فى رمضان الماضى، تم تأجيله كما قال صناع الفيلم، بحسب ذات الموقع، إلى العام الحالى، «كى يظهر بصورة لائقة»، فما حكاية هذا المسلسل، ولماذا كل هذا الإنتاج الضخم، ولماذا أصرت قطر كل هذا الإصرار على إنتاجه رغم الصعوبات التى واجهته؟.
الصعوبات، التى واجهت هذا المسلسل متعددة، وهو ما لا ينكره صناع المسلسل نفسه، إنه صُوِّر حتى الآن فى 7 دول، وأُعيدت كتابته 4 مرات، وتنتجهُ دولتان، واعتذر عن العمل كل من الممثلين السوريين قصى خولى وغسان مسعود.
بداية يجب أن نشير إلى أن قطر لم تكن وحدها فى هذا المشروع، كان معها حليفتها الاستراتيجية «تركيا»، التى اشتركت معها بأكثر من شكل، حيث استقبلت تركيا هذا العمل على أراضيها بعد أن لفظته جميع الدول، كما شاركت شركة «D&B» التركية فى إنتاجه وتنفيذه مع شركة البراق، بتمويل مباشر من «تليفزيون قطر»، وهو أمر يؤكد أن العمل أكثر بكثير من كونه مسلسلا، بل مشروع استراتيجى سخرت قطر من أجله كل إمكاناتها وتحالفت مع أكثر الدول توافقًا معها لإتمامه ودفعت من ميزانيتها أموالا طائلة لإنتاجه، وتحدت أكثر الظروف قسوة لتمريره، وأعدت العدة من أجل إظهاره فى أفضل صورة، مضحية بدعاية كبيرة حصل عليها المسلسل فى العام الماضى لتنقيحه، فما السر وراء هذا كله؟ هل هو الاحتفال بشهر رمضان «مثلا»؟ أم منافسة القنوات السعودية، التى أنتجت مسلسل عمر بن الخطاب؟ أم دخول المعترك التليفزيونى بكل قوة؟ أم أن للمسلسل أغراضًا سياسية أخرى؟
عشرات الأسئلة، وعشرات التخمينات، وعشرات الإجابات الحائرة، لكن من وجهة نظرى فإن هذا المسلسل هو البداية الحقيقة لمحاولة «إعادة» قطر تقديم نفسها إلى العالم، وهى الخطة الموضوعة منذ سنوات طويلة، وجاء كشفها تسجيلاً صوتياً كان فى حوزة القذافى، وتم تسريبه إلى مواقع الإنترنت بعد مقتله، وهو عبارة عن مكالمة هاتفية بين حمد بن جاسم، رئيس وزراء قطر، والقذافى، تداولت منذ وفاة الزعيم الليبى وحتى الآن لم تكذبها قطر، وفى هذه المكالمة يقول الصوت المنسوب لـ«بن جاسم»، إن قطر ستعمل على إسقاط النظام السعودى وستدخل يومًا إلى القطيف والشرقية وتقسم السعودية، لأن النظام يعانى من الشيخوخة، والملك عبد الله، الذى كان حاكما وقتها، مجرد «واجهة»، مؤكداً أهمية استقطاب الصف الثانى من الجيش السعودى، ثم تأتى المفاجأة الأخطر، وهى أنه يقر باجتماعه مع المخابرات الأمريكية والبريطانية، وطلب منهما المعاونة فيما يريد، فطلبت منه تقريرًا عن الوضع فى السعودية، وأعربتا عن نيتهما بالخلاص من النظام والإطاحة به، لكنهما يخشيان من حكم إسلاميين آخرين غير مرغوبين، وهنا يكشف «بن جاسم» السر وراء مسلسل «ابن حنبل» قبل أن نثير هذا السؤال بعد سنوات من إذاعة المكالمة.
يقول حمد بن جاسم فى هذه المكالمة، كما ذكرنا، إن السعودية ستنتهى قريبا، وإن قطر ستحصل على نصيب من المملكة، لكن فى ذات الوقت لا يقدر أحد على أن ينكر الدور الذى تحتله السعودية ومذهبها الوهابى فى قلوب الملايين، وهو أمر لابد من الإقرار به، حتى إن اختلفنا حوله، وفى المكالمة ذاتها يؤكد بن جاسم أن «قطر» وهابية أيضًا، ولكن وهابيتها مقبولة من العالم، على خلاف وهابية السعودية غير المقبولة، ومن هنا تأتى أهمية مسلسل «الإمام»، الذى أنتجته قطر وستعرضه هذا العام، فمعروف أن الإمام أحمد بن حنبل من أشد الأئمة توقيرا عند الوهابية، بل إن البعض يعده المؤسس الحقيقى لهذا المذهب، لذا فإن اهتمام قطر بهذا الإمام يأتى كمحاولة لصناعة تاريخ من الشرعية الدينية فى العالم، فهى الدولة «الحديثة» ذات المرجعية «الدينية»، التى لا تصطدم مع المرجعية الدينية لشعب السعودية، وكذلك لا تصطدم مع رغبة العالم فى تسييد المدنية وعدم تأجيج الصراعات فى الشرق الأوسط، وكما تقول المقولة: «إن الله يمنع بالسلطان ما لا يمنع بالقرآن» فربما يصح أيضًا أن نقول «إن السياسة تنفذ بالمسلسلات ما لا تستطيع أن تنفذه بالدبابات».