صحفيون ومقدمو برامج من عشرات المؤسسات المصرية يقتربون من مصيدة «دويتش فيله»
كشف «انفراد» حقيقة المؤسسة اضطرها لإلغاء زيارتها لمصر فى إبريل الماضى
خطة واسعة لاستمالة الشباب المدعوين لمنتدى «بون» لتقديم برامج وكتابة مقالات وإنتاج محتوى مشترك
تستعد مؤسسة «دويتش فيله» الألمانية لعقد دورة جديدة من منتداها الدولى للإعلام، الذى تقيمه فى يونيو من كل عام، ويمثل فرصة سنوية للمؤسسة لتوطيد علاقاتها بالفاعلين الإعلاميين فى عدد من دول العالم، وتدشين تحالفات وروابط جديدة مع أفراد ومؤسسات من دوائر مختلفة بالمناطق التى تشغل حيزًا ضمن اهتمامات المؤسسة والدولة الألمانية. فى الدورة العاشرة للمنتدى، التى تنطلق خلال الشهر المقبل، وجهت المؤسسة الدعوة لعشرات الإعلاميين المصريين الشباب، ضمن 1800 إعلامى من المنتظر مشاركتهم فى المنتدى، واللافت فى خريطة الدعوات للدورة الجديدة أنها لم تكتف بالوجوه البارزة من المعارضين والمنتمين لتيارات سياسية محددة، كما كان الأمر فى الدورات السابقة، واتسع القوس ليضم أسماء إعلاميين شباب من توجهات واسعة، فى إطار سعى المؤسسة لتدشين حضور مختلف لها فى مصر، بعد ست سنوات من العمل المكثف فى الساحة المصرية من خلال وسطاء، تحديدًا منذ اندلاع ثورة يناير 2011، التى قالت المؤسسة فى بيانات سابقة إنها تحركت فى استجابة مباشرة لها، لزيادة حجم وجودها وعملها فى مصر.
«دويتش فيله» تغير سياستها فى الاستقطاب
فى سياق طبيعى، كان من الممكن اعتبار دعوات «دويتش فيله» لصحفيين وإعلاميين شباب، محاولة من مؤسسة إعلامية دولية لنقل تجربتها للكوادر الشابة فى الساحة الإعلامية المصرية، والتعرف على مساحة التنوع، ومستوى الأداء المهنى الذى يقود المؤسسات والمنصات الإعلامية فى مصر، ولكن حقيقة الصورة وتطورات الأوضاع خلال الفترة الأخيرة لا تترك لهذا السياق الطبيعى لقراءة المواقف وتفسيرها أى فرصة لالتماس حُسن النوايا، مع اكتشاف قدر غير هيّن من التحركات المحاطة بالشبهة وعلامات الاستفهام من جانب المؤسسة ورجالها، فى ألمانيا ومصر، لتدشين دائرة من التحالفات والولاءات، وصبغ عديد من المؤسسات الإعلامية المصرية بصبغة موجهة، تستجيب لانحيازات «DW» ورسالتها الإعلامية فيما يخص تناول الشأن المصرى.
فى ملف موسع لـ«انفراد» خلال شهر مارس الماضى، كشفنا عن تحركات واسعة للمؤسسة الإعلامية الألمانية، وقسمها العربى الذى يقوده الفلسطينى ناصر الشروف، المرتبط بعلاقات وثيقة مع حركة حماس، الفرع الفلسطينى لجماعة الإخوان، ويدير عملياتها فى مصر عماد عبدالله، المحسوب على الجماعة بشكل مباشر، وتناول الملف كيف تأسست «دويتش فيله»، وخرجت من رحم الهزيمة التى عانتها ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية، وارتبطت منذ نشأتها بعلاقات وثيقة ببقايا جهاز «الجستابو» الأمنى الذى قاد ألمانيا منذ أواخر ثلاثينيات القرن الماضى، ثم ارتباطها بدائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية «BND»، واستعانتها فى تحركاتها بتقارير وإضاءات يوفرها الجهاز الذى يعمل من خلال 7 آلاف عميل ومتعاون عبر 300 مكتب ونقطة على امتداد العالم، وبموازنة إجمالية تقترب من المليار يورو، تُخصص الدائرة حصة منها لأنشطة التعاون والعمل المشترك مع المؤسسة الإعلامية الألمانية.
فى ضوء ما كشفناه فى ملفنا عن حقيقة المؤسسة وعلاقاتها وأطر عملها، غيرت المؤسسة من برامجها وخططها التى كانت معدّة من قبل للتعامل مع الإعلام المصرى.. اضطرت المؤسسة لإلغاء زيارة موسعة لمصر، كان مخططًا أن تكون فى الأسبوع الأول من إبريل الماضى، وتضم فريقًا من كوادر الإدارة العليا بـ«DW»، ويتضمن برنامجها توقيع عدد من الاتفاقات وبروتوكولات التعاون مع عدد من الصحف والمواقع والقنوات التليفزيونية، توفرت لنا قائمة بأسمائها والمكلفين بلقاء قيادات «دويتش فيله»، والاتفاق وتوقيع التعاقدات معهم، وتحفظنا على نشرها لأننا لا نتهم مؤسسات زميلة، ولا ندين أحدًا من زملاء المهنة، وليس الغرض صنع مستنقع من الاتهامات والتشويه للمنصات الإعلامية المصرية، تعاملنا مع الأمر على أنه محاولة محكمة من المؤسسة الألمانية للخداع والاستقطاب، تستدعى الكشف والتفنيد والتوعية قبل إقامة الحجة على الإعلاميين ومؤسساتهم، وصدق رهاننا كما توقعنا، إذ ألغى كثير من المؤسسات الإعلامية خطط الاتفاق والتعاون مع «دويتش فيله»، وأبلغت المؤسسة بتراجعها عن لقاء وفدها، وإتمام التعاقدات المتفق عليها مسبقًا، لتضطر المؤسسة لاحقًا لإلغاء الزيارة لانعدام جدواها.
الآن تمثل استراتيجية المؤسسة الجديدة بنقل الملعب إلى مدينة «بون»، واستدعاء من وقع اختيارها عليهم للتعاون وتبنى خطاب «DW»، آلية جديدة لاستقطاب الإعلاميين الشباب، وتشير إلى قدر من التحول فى طريقة عملها، التى ارتكنت لفترة طويلة على استهداف المؤسسات والوجوه البارزة بشكل مباشر، وتحديدًا من الداعمين لخطاب قريب من خطاب المؤسسة وحلفائها، وفى الوقت نفسه التغاضى بشكل تام عن الأصوات والتوجهات الأخرى، ما يعنى أن سياسة تحريرية جديدة للمؤسسة الألمانية قيد التشكل فى الوقت الراهن، ربما لا تكون أكثر انفتاحًا على التوجهات السياسية، وتنوع الآراء والمواقف الذى تحمله قائمة دعواتها الواسعة لشباب الإعلاميين، وإنما تقوم بدرجة ما على تفتيت الرسالة الإعلامية، وتوجيهها فى صيغة رسائل جزئية متناثرة عبر منصات عديدة، ما يصنع سياقًا عامًا مخلصًا لروح المؤسسة، وفى الوقت ذاته لا يكشف عن مراكز عمل ونقاط تركز وثقل محددة، أو عن حلفاء واضحين من المؤسسات والمنصات الإعلامية، بشكل يُسهّل على المتابعين رصد الرسالة ونقدها وتفنيدها، إذ توفر هذه الصيغة فرصة لتحول الرسالة إلى رسائل، وتحول المؤسسة إلى مؤسسات، وكل هذا فى إطار توجهات وتحركات فردية يحملها إعلاميون وصحفيون، ولا تتبناها جهات ونوافذ ذات شخصيات اعتبارية، وكيانات ملموسة بمحددات مهنية واضحة ومتاحة للرصد الدقيق والمُحيط.
منتدى الإعلام.. مصيدة «دويتش فيله»
خلال السنوات الأخيرة حملت برامج ومحاور المنتدى الدولى للإعلام، الذى تنظمه المؤسسة الإعلامية الألمانية، وقائمة الدعوات والمشاركين فى فعالياته، عناوين وأنشطة وورش عمل تفصح بدقة عن كثير مما كشفناه بشأن خطط «دويتش فيله» وتوجهاتها، فالمؤسسة التى تنتهج خطًا إعلاميًا دعائى الطابع، مستعارًا من آليات إعلام حزب العمال الاشتراكى الذى حكم ألمانيا بين ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، انطلاقها من القاعدة التى صاغها وزير الدعاية السياسية آنذاك: «إن استجواب الأسرى الإنجليز أظهر لى أنهم ينتبهون للأنباء أكثر من التعليقات، واستخلصت من هذا نتيجة مهمة، مفادها وجوب تعديل الإذاعة الألمانية الموجهة باللغات الأجنبية تعديلًا شاملًا».
لم توفر المرحلة السياسية المرتبكة فى حقبتى الثلاثينيات والأربعينيات إنجاز التعديل الشامل للإذاعة الألمانية الموجهة باللغات الأجنبية، ولكن تيسر هذا فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لتأتى «دويتش فيله» تجسيدًا عمليًا على هذا التعديل، مازجة بين آليات الدعاية السياسية بما تقوم عليه من شحن عاطفى، واجتزاء للأخبار والمعلومات، وإنتاج صياغات موجهة وملونة للتأثير فى نفسيات المتلقين، ودفعهم لاتخاذ مواقف وانحيازات مصنوعة وفق رؤية عميقة لإعادة هيكلة علاقات القوى الاجتماعية والسياسية فى مجتمع من المجتمعات، والاتكاء على دوائر داخلية من الموالين والحلفاء والطابور الخامس لتبنى هذا الخطاب، وإشاعة منظومة القيم والأفكار والمعلومات المراد ترويجها، بلسان أهلها، وبالمنطق الذى يفهمونه ويؤثر فيهم، ووفق هذا التوجه دشنت «دويتش فيله» منتداها الدولى للإعلام، ليكون مساحة للتفاعل مع المختارين للعب هذا الدور، أو مع المراد اصطيادهم وتوظيفهم ضمن هذه المنظومة، وعلى هذه الأرضية انطلق المنتدى قبل 10 سنوات تقريبًا، ومن باب المفارقة فهذا هو التوقيت الذى كتب فيه عمرو حمزاوى، الباحث السياسى بمعهد «كارنيجى» الأمريكى للشرق الأوسط، بحثًا عن أوضاع المنطقة العربية، عنونه بـ«حمّى الربيع العربى»، مقدمًا فيه قراءة لأوسط المعارضة السياسية فى عدد من الدول العربية إبان كتابة البحث فى 2007، وطارحًا لأفكار ورؤى حول آلية التواصل مع القوى والجماعات السياسية الفاعلة بهذه الدول، وتغذية واستغلال أشواقهم للتغيير السياسى، لإعادة هيكلة خريطة المنطقة، وعلاقات قواها الفاعلة اجتماعيًا وسياسيًا.
عمرو حمزاوى الذى كتب عن «الربيع العربى» قبل اندلاعه بأربع سنوات تقريبًا، تحديدًا فى صيف 2007، وكان أول من استخدم هذا التعبير، فى ضوء عمله مع وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كوندوليزا رايس، زميلته فى معهد «كارنيجى»، هو نفسه حامل الجنسية الألمانية الحاصل على الدكتوراة من جامعة برلين الحرة، والمرتبط بعلاقات وثيقة بـ«دويتش فيله»، زادت قوة بعد انتقال صديقه يسرى فودة للعمل بها، ولكنها كانت قبل هذا، وعلى مدى سنوات، بابًا خلفيًا لعبور «حمزاوى» لحديقة دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية «BND»، التى قدّم محاضرات عديدة للعاملين بها بشأن أوضاع الشرق الأوسط، وخريطة القوى السياسية بالدول العربية، وآليات التواصل الفعال مع العرب، ومخاطبة واستمالة الفاعلين فى دوائر السياسة والمعارضة بدولهم، ولا تستقيم هذه الصورة وتكشف عن جوهرها إلا بالالتفات لحقيقة العلاقات الوثيقة بين الاستخبارات الألمانية والمخابرات المركزية الأمريكية «CIA»، رغم ما يظهر على السطح من مناوشات بينهما أحيانًا، وفق آلية خداع وإيهام للتغطية على مساحة التنسيق الواسعة بينهما، خاصة أن ألمانيا الدولة الأوروبية الوحيدة التى تحتفظ على أرضها بقواعد عسكرية أمريكية تضم آلاف الجنود، وقد شهدت مظاهرات واسعة فى صيف العام الماضى، من عدد من الأحزاب الصغيرة وتجمعات اليمين المحافظ والنازيين الجدد، تتهم الحكومة الألمانية بالعمالة للولايات المتحدة الأمريكية، والصمت على احتلال البلاد، وهيمنة واشنطن على مقدراتها السياسية، ودائرة إدارتها العليا.
من يسرى فودة لشباب الإعلاميين
فى المنتدى التاسع الذى نظمته المؤسسة فى مدينة «بون» بين 24 و27 يونيو الماضى، استضافت «دويتش فيله» أكثر من 1800 صحفى وإعلامى من عشرات الدول، وشهد المنتدى حضورًا واحتفاء بارزين بالإعلامى يسرى فودة، صديق ألمانيا القديم منذ عمله فى مؤسسة «فريدريش ناومان» التى أطلقها مؤسس «دويتش فيله»، قبل التحاقه بهيئة الإذاعة البريطانية «BBC»، ثم قناة «الجزيرة» القطرية، مرورًا باستراحته القصيرة فى الإعلام المصرى، وشهد المنتدى الإعلان عن تعاقد «فودة» مع المؤسسة الإعلامية الألمانية لتقديم برنامج عبر شاشة قناتها العربية تحت اسم «السلطة الخامسة»، نظير 250 ألف يورو سنويًا، كما شهد المنتدى نفسه إنجاز عدد من الاتفاقات والتعاقدات مع عدد من الصحفيين والإعلاميين وكتّاب الرأى، واجتذاب عدّة مؤسسات إعلامية مصرية لتوقيع بروتوكولات تعاون واتفاقات إنتاج وتسويق مشتركة.
فى ضوء كثافة المشاركة وحجم الاتفاقات والتعاقدات التى يشهدها المنتدى سنويًا، فإن «دويتش فيله» تتعامل مع فعاليتها الإعلامية الضخمة باعتبارها نافذة إعلامية أخرى، ولكنها مفتوحة على الإعلاميين وأرباب المهنة، لا على المتلقين والمستهدفين بالشحن والتوجيه، فالأمر أشبه بسوق دولية تنتقى فيها المؤسسة الكوادر والعناصر التى تمنحها وكالتها وتوليها مهمة إذاعة وتسويق رؤاها وأفكارها، والمتوفر من معلومات بشأن الدورة المرتقبة من المنتدى تشير إلى استعداد المؤسسة الألمانية لعقد اتفاقات وتحالفات وتعاقدات جديدة مع عدد من الإعلاميين الشباب، لتقديم برامج عبر شاشتها، وإنتاج محتوى مشترك بتمويل من المؤسسة، وكتابة مقالات رأى وتقارير للموقع الإلكترونى لـ«DW»، وللمواقع والمؤسسات التى يعملون فيها، بعيدًا عن صعوبة وتبعات الاتفاق مع إدارات المؤسسات والقائمين عليها بشكل مباشر، أى أن الأمر فى هذه المرة لن يتحرك من خلال قنوات معلنة بأية صورة من الصور، وسيقتصر على بناء قاعدة واسعة من المتعاونين بشكل حر، لضمان نفاذ رسالة «دويتش فيله» لأكبر عدد من المؤسسات الإعلامية والقنوات التليفزيونية، دون تعاقد واضح يؤكد تبعية هذا المحتوى للمؤسسة، أو صلات وروابط ظاهرة تكشف حجم تحركها وإنفاقها فى الساحة الإعلامية المصرية.
10 ملايين يورو لإبهار شباب الإعلاميين
نقطة الإنفاق كانت واحدة من أزمات «دويتش فيله» خلال الفترة الأخيرة، «انفراد» كشفت فى ملفها الموسع عن تخصيص المؤسسة الإعلامية الألمانية 250 مليون يورو سنويًا لتوسيع نشاطها فى مصر، وبناء كتلة ضخمة من التحالفات واتفاقات التعاون والإنتاج المشترك مع عدد من الصحف والمؤسسات الإعلامية، وهو ما رد عليه مدير عام المؤسسة ردًا غريبًا ومثيرًا للدهشة، فالرجل لم يقترب من جوهر المعلومة، إنما قال إن إجمالى موازنة المؤسسة السنوية 326 مليون يورو، دون تقديم تأكيدات ملموسة لهذه المعلومة نفسها، وكان الملف قد أشار- بحسب ما كشفه مقربون من المؤسسة وعاملون بها- إلى أن «دويتش فيله» تتمتع بملاءة مالية واسعة، وتحصل على تمويل من الحكومة الاتحادية، ومن حكومات بعض الولايات، إضافة إلى غطاء مالى وبرامج مشتركة مع دائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية، وتمويل آخر من موازنة وزارة الخارجية الألمانية، وبعثاتها الدبلوماسية فى مناطق عمل المؤسسة ونشاطها، وهو ما جاء بيان السفير الألمانى بالقاهرة، يوليوس جيورج لوى، حاملًا تأكيدًا ضمنيًا له.
فى رده على ملف «انفراد» قال السفير الألمانى إن «دويتش فيله» مؤسسة مستقلة، وتحصل على تمويلها من الحكومة الاتحادية، وبعيدًا عن التناقض والمفارقة فيما قاله الرجل، وأن الحصول على تمويل من الحكومة الاتحادية يعنى أنها مؤسسة رسمية خاضعة للدولة الألمانية وليست مستقلة كما ادّعى، فإن دفاعه الشخصى المباشر عنها ببيان رسمى يحمل اسم السفارة، وشعار الخارجية الألمانية، يضرب فكرة الاستقلال فى مقتل، ويؤكد ما ذهب إليه الملف من كون المؤسسة ذراعًا من أذرع دوائر السلطة والأمن الألمانيين، وكون خارجية برلين واحدة من ممولى المؤسسة ومقدمى العون لها فى مناطق عملها.
المصادر التى كشفت لنا من قبل عن حجم موازنة المؤسسة، وحدود علاقتها بالمستشارية الألمانية، ودائرة الاستخبارات الاتحادية، أكدت أن «دويتش فيله» خصصت للمنتدى الإعلام العاشر المزمع انعقاده على مدى أربعة أيام خلال يونيو المقبل، موازنة تقديرية تقترب من 10 ملايين يورو، للإنفاق على انتقالات واستضافة وإعاشة ورفاهية وجولات 1800 مشارك، إلى جانب بدلات يومية لمئات الإعلاميين الشباب من عدد من الدول، وهدايا ومنح تدريب وعمل مشترك لعشرات منهم، وتوقيع باقة من الاتفاقات والتفاهمات والتعاقدات مع أفراد ومؤسسات من المشاركين فى المنتدى، وهذا المستوى من الإنفاق ينسف تمامًا تصريحات بيتر ليمبورج، مدير عام المؤسسة، حول الإنفاق على موقع إلكترونى يبث بـ30 لغة، ومكاتب فى عشرات الدول، وأطقم إنتاج وتصوير فى دول أخرى، و5 قنوات تليفزيونية يعمل بها عشرات الإعلاميين، من يتجاوز تعاقد الشخص الواحد منهم 250 ألف يورو، وكل هذا بموازنة 326 مليون يورو كما قال «ليمبورج» فى بيانه التبريرى الكاذب.
منتدى «بون».. استهداف لمستقبل الإعلام
أمام ما استعرضه ملف «انفراد» من معلومات بشأن «دويتش فيله»، ورحلتها من التأسيس منذ 1953 حتى الآن، وآليات عملها، ومدونتها التحريرية الموجهة والملونة، وعلاقتها بدائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية، وحجم ما تنفقه من أموال، ونصيب مصر الضخم من موازنة المؤسسة وخططها، واستمالتها لعدد من المؤسسات الإعلامية القومية والخاصة، والجامعات والمؤسسات الأكاديمية المختلفة، قد يكون من قبيل التكرار أن نسأل عن سبب هذا التوجه، ولماذا توجه «دويتش فيله» كل هذه الأموال لتغطية أخبار دولة واحدة، بينما لا تنفق مقدار هذه المبالغ على باقى خدماتها الإخبارية التى تتناول الشأن العالمى بكامل دوله وتعقيداته؟، ولماذا تنظم المؤسسة دورات تدريبة لطالبات وطلاب لا يدرسون الإعلام؟، ولماذا تتبنى خطابًا منحازًا لجماعة الإخوان والتيارات الإسلامية؟، وما سبب استعانتها بصحفيين وكتّاب من اتجاهات سياسية محددة وضيقة، وإغفال التناول المهنى والموضوعى للشأن المصرى؟، وكيف ترتكب مؤسسة إعلامية تدعى الموضوعية كل ما تتورط فيه «DW» من مغالطات فى التناول والعرض وبناء المحتوى وتوجيهه؟، لكنها رغم سابق توجيهها تظل أسئلة قائمة وضرورية، أمام سياسات إعلامية شديدة البذخ والانحياز، دون استناد لأسباب مهنية وموضوعية، وباقتراب أكبر للمعالجة السياسية منه للمعالجة الإعلامية.
بعيدًا عن قائمة الأسئلة المكررة التى لم تجب عنها «دويتش فيله» من قبل، وتعمدت تجاوزها، والرد على نقاط منتقاة وبطريقة رمادية غير مقنعة، فى إطار استمراء حالة التضليل والبلبلة، نعود للتأكيد على أننا لا ندين مؤسسة ولا زميلًا، فقط نكشف ما توفر لدينا من قرائن ومعلومات وأرقام، ونضع الحقائق أمام الجميع ليحذر من لا يعلم، وفى ضوء هذا الانحياز فإننا اخترنا ألا ننشر قائمة المدعوين لمنتدى «DW» المرتقب فى يونيو المقبل، ولدينا عشرات الأسماء ممن وُجّهت لهم الدعوة بالفعل، أو فى سبيلها للوصول إليهم، وأغلبهم من الصحفيين ومقدمى البرامج الشباب فى عدد من المؤسسات القومية والخاصة، نضىء لهم ضوءًا على طريق المؤسسة الألمانية الملغوم، والمحاط عمدًا بالضباب والسواد، ونثق فى أنهم لن يتورطوا فى «مصيدة دويتش فيله».