صافرة حكم تعلن بداية المباراة التى يتخللها صمت، ومدرجات خاوية هجرها المحبون، فى انتظار معجزة السماء التى تحل عليهم وتعطيهم إشارة البدء للدخول من جديد، مشاهد قاسية على قلوب ومحبى كرة القدم فى مصر، هذا الوقت الذى تلعب فيه مباراة لقطبى الكرة المصرية الأهلى والزمالك بلا جمهور، قرار صعب لم ولن يقدر محبو الساحرة المستديرة على تحمله، هذه المقاعد الخاوية تناديهم، اللاعبون محتاجون لسماع دوى أصواتهم فى أرجاء الملعب، يحفزونهم أحياناً ويعاتبونهم أحياناً أخرى، هذه الضجة التى صمتت منذ سنوات طويلة، ومن المتوقع أن تعود من جديد ولكن لا أحد يعرف هذا الموعد.
لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يحرم فيها الجماهير من حضور المباريات، أربع سنوات ظل فيها قرار المنع حائط سد ومنيع أمام أحلام الجمهور المتعطش إلى الهتاف من جديد، لهذه اللحظة التى يدخل فيها إلى أرض الملعب، ويهز صوته أركان المدرجات، التى هى الآن خاوية نسيت شكل الحضور، منذ أن سالت دماؤهم فى أحداث بورسعيد ومحرم عليهم أن تخطى أقدامهم أى ملعب، ومحرم عليهم التشجيع، فذهبت الجماهير إلى جحيم الروتين والتأجيل وبقيت المباريات خالية من أى تفاعل أو مشاركة يكون لها طعم، أو تعيد للأذهان هذه المشاهد التى كانت قديماً، أصبحت الآن المدرجات خالية من أى فرحة أو حتى شاهدة على أى انكسار، حتى محاولات العودة جميعها التى باءت بالفشل، كانت وما زالت محاولات لا ترتقى إلى قرار بالعودة.
قبل ساعات قليلة من مباراة الأهلى والزمالك، وقبل أن يعلن الحكم بدء المباراة التى سيشاهدها المحبون من شرق مصر إلى غربها، قرر العاشقون والمتلهفون على اللقاء إرسال رسائلهم إلى هذه المدرجات التى تشتاق هى الأخرى إليهم..
"يا رب يا عالى انصر الزمالك الغالى"، هكذا بدأت شيماء سليم حديثها إلينا، فكانت هذه هى الرسالة المقتضبة التى أرادت أن ترسلها إلى مقعدها الخاوى فى المدرج، وتمنت لو كانت حاضرة لهذه المباراة المهمة فى الدورى، والتى كانت ستفرق كثيراً مع اللاعبين إذا كان هناك جمهور مسموح له بالدخول والمشاركة، وأرادت أن ترسل التحية لكل الشهداء الذين دفعوا حياتهم من قبل ثمناً للحضور، وتمنت هى أن تكون موجودة فى مكانها يوم المباراة.
أما أحمد جابر، المشجع الأهلاوى الأصيل، الذى يعيش أسوأ فترات حياته لأنه ممنوع عليه هو وغيره من الملايين حضور مباريات ناديه المفضل، فيقول فى ليلة القمة "الأهلى ولا غيره يفرحنى.. يا رب تفوز وتفرحنا".
"يا مكانى حافظ على عهدى فى التالتة يمين ادعى لأبطالنا يجلبوا لينا النصر الغالى"، هذه كانت نص الرسالة التى أرسلها محمد عاطف مشجع نادى الزمالك إلى مقعده الخاوى فى التالتة يمين، بكل حزن على عدم حضوره مباراة مهمة مثل هذه لناديه المفضل.
ريم عاصم الزملكاوية المتعصبة تبعث هى الأخرى برسالتها إلى المدرجات الخاوية على عروشها، وتشد على أزرها بأن تكون إلى جوار ناديها المفضل فى الساعات القليلة المقبلة، وتوصيه خيراً بهم، وأن يطلق الشماريخ فى لحظة الفوز فرحاً بفوز الأبطال.
أما علا، الشهيرة على مواقع التواصل الاجتماعى بـ"علا زمالك" فأكدت فى رسالة رومانسية إلى المدرجات الخاوية" خدنى الحنين بعد السنين جابنى هنا.. يا زمالك المكان اللى اتولد فيه حبنا".
مصطفى سالم، الأهلى المشاكس هكذا أطلق عليه أصدقاؤه، لأنه هو فقط الذى يشجع النادى الأهلى على عكسهم تماماً، فهم رجال القلعة البيضاء "الزمالك"، يحكى مصطفى عن حزنه وشعوره بالقهر لأنه غير قادر على أن يحضر مباراة القمة قائلاً "كل اللى بتمناه إنى أرجع مكانى تانى فى المدرج وأنا شايل العلم وبهتف بعلو صوتى ولا حد غيره يفرحنى، أتمنى أن يتفهم القائمين على ذلك أن تشجيعى ليس أمراً من الممكن التنازل عنه بكل سهولة، بل هو الحياة بالنسبة لى، أتمنى أن أدعم اللاعبين من مقعدى فى المدرج وليس من المنزل".
"فى يوم هنرجع ونملاك أغانى وأفراح والذى منه والماتشات من غير جمهور فى المدرج ملهاش طعم ونتمنى الجمهور يرجع"، هذه هى الرسالة الرومانسية التى أراد أن يرسلها محمد سحن طالب ثانوى، والذى كان يبكى بالدموع على كل مرة يحلم بها بالعودة إلى مكانه فى "التالتة يمين" مشجعاً ناديه المفضل، إلا أن الجهات المعنية غير قادرة حتى الآن على أن تعيد الحياة إلى قلوب جماهير كرة القدم، وأن تحيى المدرجات التى انتهت منذ أربع سنوات.