شهدت الأيام الماضية اجتماعات مكثفة لعدد من اللجان النوعية بمجلس النواب، لدراسة مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالى (2017/ 2018)، استعدادا لإصدار تقارير وافية بشأن أبوابها ومخصصات الهيئات والجهات المختلفة، لعرضها على لجنة الخطة والموازنة فى 10 يونيو المقبل، تمهيدا لمناقشة الموازنة والتصويت عليها بالجلسة العامة قبل انتهاء العام المالى الجارى فى 30 يونيو.
تبدو الموازنة أحيانا أرقاما صعبة وبنودا مختلفة ومتنوعة، وأحيانا متشابكة ومعقدة، ما يمنع كثيرين من المواطنين، من غير المختصين، من متابعتها والقراءة عن تفاصيلها، رغم أهميتها الشديدة فى إطار إدراك كل مواطن لحالة الاقتصاد والخدمات التى توفرها له الدولة، إذ تحمل الموازنة أرقاما غاية فى الدلالة والتأثير على حياته الشخصية.
وإيمانا من "انفراد" بحق القارئ غير المتخصص فى المعرفة والاطلاع الوافى على الموقف الاقتصادى، نقدم للمواطن قراءة "مبسطة" للموازنة العامة الجديدة للدولة، للعام المالى 2017/ 2018، تخاطب كل مواطن بأسلوب نتمنى أن يكون سهلا، ليعرف أكثر عن الموازنة العامة للدولة ودلالاتها، ويكون على اطلاع وإدراك كاملين لما يدور داخل أروقة البرلمان حاليا من مناقشات للموازنة العامة، وذلك من خلال "س" و "ج" تستعرض عددا من الأسئلة البسيطة والمهمة، وإجابات موجزة وسهلة لها.
ماذا تعنى كلمة "الموازنة العامة للدولة"؟
الموازنة العامة للدولة هى الخطة المالية الإجمالية للدولة، تتضمن إجمالى توقعات المصروفات والالتزامات التى تواجهها الدولة خلال عام مالى كامل، إلى جانب مواردها وإيراداتها المالية من المصادر المختلفة، ويبدأ العام المالى من 1 يوليو وينتهى فى 30 يونيو من كل عام.
هل تختلف "توقعات" الدولة فى الموازنة عن "الواقع"؟
بالطبع تختلف التوقعات عن النتائج النهائية، رغم استخدام أسس مالية قوية وأسلوب تنبؤ قائم على أساس علمى، لكن هذا الخلاف لا يكون جوهريا أو كارثيا، دائما ما يدور فى فلك التوقعات (بالنقص أو الزيادة ) وفق هامش متوقع مسبقا، ويرجع هذا لتغيرات تحدث خلال العام، نظرا لظروف اقتصادية أو سياسية طارئة، أو حتى توجهات استثمارية للدولة، وتلجأ الجهات فى هذه الحالة إلى طلب اعتماد إضافى لها.
كيف يتم إعداد الموازنة العامة للدولة؟
تقوم كل وزارة ومؤسسة من الدولة بإرسال طلبات اعتمادها لوزارة المالية فى شهر مارس من كل عام، والاعتمادات تعنى طلبات الصرف، وذلك وفقا للخطط الموضوعة لكل جهة، وكذلك توقعات إيراداتها إن وجدت، وذلك وفق أسس محاسبية يطلق عليها "الكتاب المحاسبى الموحد" تضعه وزارة المالية، يدور نقاش بين مندوبى وزارة المالية والوزارات حول الاعتمادات المطلوبة وأسبابها، وفى النهاية تُجمع كل هذه الموازنات الفرعية فى موازنة عامة للدولة كلها.
مما تتكون الموازنة العامة للدولة؟
بشكل بسيط للغاية يمكن اعتبار الدولة مثل مواطن يدير بيته، لديه عدد من المصروفات المتوقعة، ولديه إيرادات متوقعة أيضا، ويستطيع المواطن بشكل تقريبى تحديد مستوى إنفاقه وفقا لمستوى دخله أو إيراداته، وكذلك الدولة، لديها عدد من المصروفات المطلوبة منها، والإيرادات التى تدر عليها دخلا.
وبالنظر للمواطن، فإذا كانت مصروفات المواطن أكثر من إيراداته، يصبح لديه "عجز"، أما إذا كانت إيراداته أكثر من مصروفاته فيكون لديه فائض يمكن ادخاره، أو إعادة توجيهه مرة أخرى لمصروفات كان قد استغنى عنها فى فترة سابقة، أو زيادة فى رفاهيته أو استثماراته.
هل تحقق الموازنة العامة المصرية "عجزا" أم "فائضا"؟
مصر تعانى "عجزا" مزمنا فى الموازنة منذ سنوات طويلة، إذ إن مصروفات الدولة، وبشكل شبه دائم، تزيد بشكل كبير عن إيراداتها، لذا فإن لدينا عجزا يبلغ هذا العام فقط 370 مليار جنيه، وذلك بزيادة قدرها 11.8 مليار جنيه عن العجز فى العام المالى السابق (2016/ 2017) البالغ 358.2 مليار جنيه، ويأتى العجز بالطبع من أن الإنفاق المتوقع للدولة يبلغ تريليونا و206 مليارات و30 مليون جنيه، أما إيرادتها فمن المتوقع أن تكون 834 مليارا و622 مليون جنيه.
ماذا ستفعل الدولة إذن لتغطى هذا العجز؟
مثل المواطن تماما، إذا زادت مصروفاتك عن "راتبك" فإنك ستضطر إلى البحث عن مصادر أخرى للأموال لتنفق منها، وعلى الأرجح ستتجه لصديق لك لتقترض منه مبلغا ماليا، أما إذا كان المبلغ فى العجز كبيرا جدا عن حاجتك، فإنك ستلجأ إلى بنك من البنوك للاقتراض منه.
هذا ما تفعله الدولة بالضبط، تضطر الدولة إلى الاستدانة وغالبا من البنوك، فلا يوجد شخص أو حتى مجموعة أشخاص فى مصر يستطيعون إقراض الدولة 370 مليار جنيهفى عام واحد.
ما هى الأدوات التى تستخدمها الدولة لتغطية هذا العجز؟
لدى الدولة عدد من الأدوات التى تقترض بها، وبالطبع فإنها لا تحتاج إلى ضامن مباشر مثل اقتراض الأفراد، إذ تقترض من خلال أدوات ضمان ودين عديدة، مثل السندات وأذون الخزانة، التى تطرحها بفوائد على البنوك، كما تطرح سندات دولارية بالخارج، إضافة إلى الاقتراض من بعض الدول الخارجية، أو من صندوق النقد الدولى، والبنك الدولى، أو نادى باريس، وغير ذلك من مؤسسات الائتمان الدولية.
وهل تقبل البنوك على إقراض الحكومة لتغطية عجزها أم تمتنع؟
يمكن اعتبار إقراض الحكومة الكنز الذهبى الذى عثرت عليه البنوك العاملة فى مصر، فالحكومة "زبون" مضمون لدى البنوك، يدفع فائدة مرتفعة، ولن يأخذ طائرته الخاصة ويهرب إلى الخارج مثلا بأموال القروض، كما أنه زبون يستهلك بكميات ضخمة، لذا فإن البنوك تقبل بشغف على تسليف الحكومة، حتى أن أعمال البنوك فى مصر تعانى مما يمكن أن يطلق عليه "المزاحمة"، وهو أن الحكومة تزاحم الأفراد والمستثمرين فى الاقتراض من البنوك، ومن ثم يتضرر المستثمر أو الشخص الذى يحتاج قرضا شخصيا أو استثماريا، لأن أغلب أموال البنوك لدى الحكومة.
هل الحكومة "مديونة" بمبالغ كبيرة للبنوك إذن؟
كما قلنا فى السطور السابقة، فإن الدولة المصرية تعانى كل عام من "عجز الموازنة"، وبالتالى فإنها تقترض وتقترض، ثم تقترض لتسدد ديونا سابقة، ثم تقترض لتسدد فوائد الديون، ثم يظهر لها عجز، فتضطر للاقتراض، وهكذا وفق دائرة مفرغة.
أما إجابة السؤال، فالحقيقة أنه نعم، الحكومة مديونة بمبالغ ضخمة للغاية، وهو ما يطلق عليه "الدين العام" ويبلغ إجمالى ديون الحكومة رقما ضخما، إذ يبلغ فى 28 فبراير 2017 ما قيمته 3 تريليونات و58 مليارا و105 ملايين جنيه، ويبلغ حجم الاقتراض من الداخل فى 28 فبراير 2017 ما قيمته تريليونان و586 مليارا و181 مليون جنيه، فى حين تبلغ الديون الخارجية 471 مليارا و924 مليون جنيه.
لماذا تركنا الحديث عن "الموازنة" واستفضنا فى الحديث عن "الدين العام"؟
كما قلنا فى البداية فإن الموازنة وببساطة هى "مصروفات" و"ايرادات"، والحقيقة أن البند الأكبر فيما تنفقه الدولة هو سداد فوائد دينها العام البالغة 380 مليارا و986 مليون جنيه، وهو ما يعادل 37% من إجمالى إنفاق الحكومة، أى أن الحكومة تنفق أكثر من ثلث مصروفاتها على سداد فوائد ما اقترضته سابقا.
عودة للموازنة .. أين تنفق الدولة أموالها؟
يمكن أن نقسم مصروفات الدولة إلى 6 أبواب رئيسية، وهى:
1- أجور العاملين فى الدولة.. 239 مليارا و555 مليون جنيه تدفعها مصر فى العام المالى 2017/ 2018 لعمالها وموظفيها البالغ عددهم 5.5 مليون موظف، بحسب منشور الموازنة العامة.
2- شراء السلع والخدمات، وهى مصروفات دولاب العمل الحكومى، وتبلغ 51 مليارا و565 مليون جنيه، مثل مصاريف الصيانة، والإنارة، وأغذية المستشفيات والمدارس، وأدويتها.
3-فوائد الدين، وسبق أن قلنا إنها ستبلغ 380 مليارا 986 مليون جنيه.
4- الدعم.. يبلغ 332 مليارا و727 مليون جنيه، وهو ثانى أكبر أبواب الموازنة، وأكبر أقسامه بالطبع الدعم الموجه للوقود بقيمة 110 مليارات و148 مليون جنيه، وكذلك دعم رغيف الخبز والسلع التموينية ويبلغ 63 مليارا و95 مليون جنيه، وهناك أوجه أخرى للدعم والمنح، مثل دعم المزارعين، دعم الكهرباء، دعم المياه، دعم ألبان الأطفال، دعم نقل الركاب، إضافة إلى حقبة كبيرة من المعاشات.
5- المصروفات الأخرى وتبلغ 65 مليارا و765 مليون جنيه، وهى بشكل أساسى الأموال المخصصة، للدفاع والأمن القومى، والقضاء، والأجهزة الرقابية، ومجلس النواب، إلى جانب مصروفات الضرائب والرسوم والغرامات والاشتراكات الدولية التى تسددها الحكومة
6- الاستثمارات.. تبلغ 135 مليارا و431 مليون جنيه، وهى مصروفات استصلاح الأراضى، والرى، وإنشاء الطرق والكبارى، وتطوير خطوط المترو، والتنمية العمرانية وتنمية العشوائيات، وإنشاء شبكات الشرب والصرف الصحى، وأيضا الإنفاق على الصحة والتعليم.
حين تجمع هذه الأرقام جميعها فإنك ستحصل على إجمالى مصروفات الدولة، بقيمة تريليون و206 مليارات و29 مليون جنيه، وهو إجمالى مصروفات الدولة المتوقعة بمشروع الموازنة العامة للعام المالى 2017/ 2018.
ماذا تعنى أرقام المصروفات هذه.. وما علاقتها بنا؟
دعنا نكون أكثر بساطة، تخيل نفسك موظفا تريد تطوير بيتك، لديك عدد من "اللمبات المحروقة"، سجاد البيت تقادم وأصبح عديم اللون، لديك أيضا كراسى الصالون التى تسقط بالجالسين عليها، أما الطلاء فقد تساقط تماما، كما أن البيت أصلا صار ضيقا على أولادك الذين كبروا فى السن وتريد شراء بيت جديد.
هذا وضعك الآن، راتبك 1200 جنيه شهريا تقريبا، أنت مضطر لأن تدفع لأولادك شهريا 300 جنيه "مصروف"، أما القرض الذى أخذته من البنك فتدفع شهريا له 380 جنيها، ولأن "المصروف" غالبا لن يكفى الأولاد فأنت مضطر لدعمهم بسداد جزء من مصروفاتهم اليومية حتى لا يغضبوا منك، وإجمالى ما تدفعه لهم يبلغ 330 جنيها، وهناك نفقات ثابتة للمنزل واشتراكات تدفعها، تبلغ 65 جنيها، أما المصروفات النثرية التى تظهر من حين لآخر مثل مرض أحد الأولاد واضطرارك لشراء أدوية له، أو تلف أحد الأجهزة فى المنزل، فيستحوذ على 50 جنيها من دخلك.
الآن، وبعد أن أنفقت كل هذه المصروفات لم يعد لديك سوى 135 جنيها لتنفقها على تجديد منزلك وجعله مكانا أكثر راحة، وهو بالطبع مبلغ ضئيل ولن يكفى توقعاتك، هذا هو تقريبا الوضع الاقتصادى للبلاد، لديك مصروفات ثابتة لا تستطيع التخلى عنها بسهولة، ولديك قرض ضخم تسدد فائدته، ومن ثم فإن ما يأمله المواطن من أجل حياة أكثر راحة وسعادة هو أمر صعب للحكومة التى تأكل المصروفات الثابتة أغلب إنفاقها، ولا تنسى أصلا أن المصروفات التى قدرتها تزيد أصلا عن دخلها.
انتهينا من المصروفات.. إذن من أين تأتى الإيرادات وكم تبلغ؟
كما أسلفنا، فإن الدولة تتوقع إيرادات قيمتها 834 مليارا و622 مليون جنيه، ويمكننا تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
الشطر الأول الأكبر من هذه الإيرادات يأتى من الضرائب المستحقة للدولة، إذ تتوقع الدولة أن تحصل ضرائب بقيمة 603 مليارات و918 مليون جنيه.
ثانى هذه الإيرادات ما يسمى بـ"الإيرادات الأخرى"، وتبلغ 229 مليارا و561 مليون جنيه، وهى أرباح الهيئة العامة للبترول، المتوقع أن تبلغ 21 مليارا و239 مليون جنيه، وأرباح هيئة قناة السويس ويتوقع أن تبلغ 31 مليارا و423 مليون جنيه، وأرباح البنك المركزى والمتوقع بلوغها 10 مليارات و976 مليون جنيه.
كما أن هناك هيئات اقتصادية تربح، مثل ميناء الإسكندرية، والجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، وتبلغ أرباحها حوالى 5 مليارات جنيه، وهناك أرباح الشركات الحكومية ومتوقع بلوغها 11 مليارا و628 مليون جنيه، وأهم هذه الشركات بنكا مصر والأهلى، والمتوقع أن تكون أرباحهما 8 مليارات و927 مليون جنيه، والمصرية للاتصالات ومتوقع أن تبلغ أرباحها مليار جنيه، وشركة المطارات ومتوقع أن تبلغ أرباحها 487 مليون جنيه، وهناك مليار و555 مليون جنيه إيرادات المناجم والمخازن.
أما ثالث إيرادات الحكومة فتتكون من المنح الخارجية، ومن المتوقع أن تبلغ مليارا و143 مليون جنيه.
ما أهم مصادر الضرائب التى تجنى منها الدولة إيراداتها؟
يمكن تقسيم الإيرادات الضريبية بشكل أساسى إلى:
1- الضريبة العامة، وتبلغ حصيلتها 285 مليارا و159 مليون جنيه، وهى الضرائب على أرباح الشركات ومرتبات الأفراد.
2- ضريبة القيمة المضافة، وهى بديل ضريبة المبيعات، وطبقتها الحكومة منذ العام الماضى وأثبتت نجاحا كبيرا، ويتوقع أن تحقق هذا العام 252 مليارا و779 مليون جنيه.
3- الجمارك على الواردات والصادرات، وتُعتبر من أبواب الضرائب، ومن المتوقع أن تبلغ 36 مليارا و414 مليون جنيه.
4- ضرائب أخرى ورسوم متنوعة، وتتوقع الحكومة أن تبلغ 29 مليارا و566 مليون جنيه.
بنظرة عامة على الموازنة ماذا يمكن أن نفهم عن وضعنا الاقتصادى؟
بنظرة عامة سنجد مصروفات ثابتة ضخمة تلتهم الشطر الأكبر من الموازنة، وهى كما قلنا فوائد الديون، والدعم، والأجور، وتبلغ نحو 80% من إجمالى المصروفات، ولدينا مشكلة عجز الموازنة المزمنة، لأن المصروفات أكثر من الإيرادات، ومن ثم فإن رغبة الدولة فى التنمية، وتحسين حياة المواطن، محدودة بمصروفات تغل يدها، إضافة إلى موروث ضخم من الاقتراض.
إيرادات الدولة المتوقعة أقل من مصروفاتها.. ماذا ستفعل الحكومة؟
لدينا عجز بالموازنة العامة يبلغ 370 مليار جنيه كما قلنا، وهو يمثل الفجوة بين المصروفات والإيرادات، أى أن المصروفات أكثر من الإيرادات بهذا الرقم، والآن على الدولة أن تستدين 370 مليار جنيه من الداخل والخارج لتغطية هذا العجز.
ما الحلول المتاحة لتحسين حالة الموازنة العامة للدولة؟
الحل على الورق بسيط وسهل،لكنه على أرض الواقع يحتاج مزيدا من الجهود الجادة، فببساطة إذا كانت نفقاتك أكثر من راتبك، فإنك تحتاج إلى شىء من اثنين، إما تخفيض النفقات أو زيادة راتبك، من هنا يجب على الحكومة ترشيد نفقاتها، وهو ما تتجه إليه الدولة حاليا فى إطار سياستها لخفض الدعم، فى إطار برنامجها للإصلاح الاقتصادى.
واتخذت الحكومة بالفعل إجراءات عملية فيما يخص باب الأجور، أهمها صدور قانون الخدمة المدنية، الذى يوقف كثيرا من التبذير الذى كان يتم تحت باب بند الأجور، كما رشدت الحكومة من نفقاتها فى باب السلع والخدمات، الذى رغم زيادته إلا أن الزيادة جاءت أقل من معدل التضخم.
من ناحية أخرى وفى إطار الخطة نفسها، يتعين على الدولة زيادة إيرادتها، المتمثلة بشكل أكبر فى الحصيلة الضريبية، ولكن فى الوقت نفسه فإن زيادة الضرائب إجراءات طاردة للاستثمار، ومن ثم فإن زيادة الضرائب لن تأتى إلا عبر جذب مزيد من رؤوس الأموال وتحفيزها على العمل، ما يعنى مزيدا من جنى الضرائب.
لكن فى الوقت نفسه فإن جذب رؤوس الأموال يحتاج إلى نفقات استثمارية لتحسين البنية التحتية، ما يعنى زيادة المصروفات، ويعيدنا للمعضلة القديمة من جديد، بسبب ضغط المصروفات على الموازنة العامة للدولة.
ماذا يحدث فى البرلمان الآن بشأن الموازنة العامة للدولة؟
تعقد اللجان النوعية فى مجلس النواب اجتماعات متواصلة مع الوزارات وقطاعات الدولة، لمراجعة اعتماداتها، وبيان ما إذا كانت هناك نفقات غير ضرورية يمكن تخفيضها أم لا، وللتأكد من أنها تستخدم الاعتمادات المخصصة لها الاستخدام الأمثل.
ومن المتوقع أن تنتهى اللجان من مناقشاتها بشأن أبواب الوازنة الخاصة بالجهات والهيئات المتصلة بعملها، وترسل تقاريرها بشأنها للجنة الخطة والموازنة، التى ستراجعها وتصدر تقريرا نهائيا بشأن الموازنة، فى 10 يونيو المقبل، لعرضها على الجلسة العامة للمجلس، تمهيدا لمناقشته والتصويت على مشروع الموازنة قبل 30 يونيو المقبل.
كيف تنعكس هذه الأرقام على كل مواطن؟
التنمية عبارة عن كرة ثلج، كلما تحسنت أحوال الموازنة، واستطاعت الدولة توجيه إنفاقها للاتجاه الصحيح، تمكنت من تحسين حياة المواطن، وهو ما سيزيد من الاستثمارات، ما يعنى مزيدا من فرص العمل، ومزيدا من الضرائب التى تجنيها الدولة، وبالتبعية مزيدا من النفقات على تحسين حياة المواطن.
الإخفاق أيضا يشبه كرة الثلج، فإذا كانت مصروفات الدولة أكثر من مواردها، فإنها ستتجه لمزيد من الاستدانة، ومن ثم مزيد من الفوائد، وقليل من المصروفات الموجهة لتحسين حياة المواطنين والبنية التحتية، وبالتبعية سنكون أمام مناخ طارد للاستثمار، فتقل الضرائب، وتقل الإيرادات، فى مقابل تضخم المصروفات، وهكذا نجد أنفسنا فى دوامة الاستدانة لتغطية العجز، مع مزيد من الضغط والتردى.
هل هناك أمل فى تحسن أرقام الموازنة وحالة الاقتصاد؟
نعم، هناك أمل دوما، التوقعات للاقتصاد المصرى من الجهات المختصة عالميا متفائلة، والدولة تمضى قدما فى عدد من الإصلاحات، ربما تكون قاسية نوعا ما، لكنها إصلاحات تأخرت كثيرا، حتى تسبب هذا التأخر فى الموقف الحالى الذى نعانيه، من تدهور الأرقام الذى أفضنا فى الحديث عنه، وهناك عدد من التشريعات المهمة التى صدرت فى الفترة الأخيرة، منها قانون الضريبة على القيمة المضافة، الذى انعكس بشكل واضح على الموازنة، وحقق حصيلة ضريبية كبيرة، وهناك قانون الاستثمار الجديد، وهناك قانون الخدمة العامة الذى سيسهم فى ترشيد باب الأجور.