أعد السلطان العثمانى محمد الفاتح الهجوم العام والنهائى على مدينة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية لفتحها، فصام الجيش كله، وعلت الدعوات، ثم جمع ضباطه وقواده وخطب فيهم يوم 27 مايو(مثل هذا اليوم) من عام 1453: قائلا:
«إننى أجمعكم فى هذا المكان لأبعث روح الحماسة فيكم، فما ينقصكم هذا الروح، ولكن جمعتكم لأعرض أمامكم المكافأة والثواب، الذى سينالكم بعد الهجوم المنتظر، فأمامكم مدينة الكنوز والثروة والجمال، التى تزدحم بها الكنائس والقصور، إنها مدينة المجد والعز-قلب العالم–هذه المدينة ستستبيحونها، بعد أن وقفت أعواما طوالا أمام الأتراك، وعملت على إضعاف الإسلام، واتحدت مع أعدائه»، ثم أشار إلى أنه بالإرادة والقوة والعزيمة الصادقة والطاقة فى تنفيذ الأوامر واتباع النظام، سنضمن الفوز «أحداث شهيرة صنعت التاريخ–تأليف: «صمويل نيسنسون» و«ويليام دى ويت»، ترجمة:إسماعيل مظهر، تحرير:أحمد الهوارى (دار عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية-القاهرة)
أمر «الفاتح» ضباط وقيادات جيشه بالرجوع إلى أماكنهم، وتناول طعامهم والاستراحة والإخلاد إلى السكينة التامة حتى مطلع الفجر فتأتيهم الأوامر بالقتال وعندئذ عليهم بالهجوم العام، كما أرسل من نادى بين الجنود بأن المدينة ستترك لهم ثلاثة أيام يستبيحونها كيفما شاءوا، رجالها ونساءها وأطفالها وكنوزها ستكون جميعها تحت تصرفهم لمدة ثلاثة أيام كاملة، وأقسم بالله جهد إيمانه ليبرن بوعده، وكان لذلك القسم أثر كبير فى نفوس الجنود «(دكتور محمد مصطفى صفوت-السلطان محمد الفاتح–فاتح القسطنطينية–دار الفكر العربي–القاهرة).
كانت هذه الحالة من الشحن تتم استعداد للهجوم لحسم جولة بدأت يوم 6 إبريل عام 1453 بوصول آلاف الجنود العثمانيين، إلى مشارف المدينة التى تأسست عام 330 ميلادية على يد الإمبراطور البيزنطى قسطنطين الأول، حسبما يؤكد الدكتور سعيد عاشور فى كتابه «تاريخ أوروبا فى العصور الوسطي-دار النهضة العربية-بيروت)، ويصفها«صفوت»:«لو كانت الدنيا مملكة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون عاصمة لها، كانت عاصمة الدولة البيزنطية، ورمز حضارتها ومركز ثقافتها، وعنوان تمدينها وقلبها المفكر النابض، كانت فى أوربا مدينة الدنيا والدين، فإلى جانب فخامة البلاط الامبراطورى وقصور البلاء الجميلة وملاهى الهبودروم، والملاعب المكتظة باللاعبين، كانت عظمة الاحتفالات الدينية وأبهتها، فلله كانت كنيسة «سانت صوفيا»، وللدنيا وللهو كانت الملاعب، وحول هذه جميعا دارت الحياة فى القسطنطينية».
كان «الفاتح» هو«السابع» فى ترتيب السلاطين العثمانيين،وحسب «صفوت»: «من أقوى الشخصيات الممتازة التى تولت السلطنة العثمانية(حكم ثلاثين عاما) وأعظم معاصريه على وجه الإطلاق ومن أكثر شخصيات العالم، تولى الحكم فى 3 فبراير 1452 وعمره 21 عاما، دربه والده السلطان مراد الثانى على أمور الملك، كانت أمه مسيحية، فامتزجت فيه أحسن صفات الشرق والغرب فى ذلك الوقت، كان قمحى اللون، متوسط الطول، متين العضلات، كبير الثقة بنفسه، ذا بصير ثاقب وذكاء حاد ومقدرة على تحمل المشاق، يحسن ركوب الخيل واستعمال السلاح، كان محبا للتفوق، ميالا للسيطرة، طموحا سريعا فى فهم المواقف، يحسن معالجة الأمور، علمه أبوه فأحسن تعليمه، فنشأ مثقفا ثقافة حقيقية، مهتما بدراسة التاريخ مغرما بقراءة سير العظماء والأبطال، فقرأ بإمعان حياة القياصرة أوغسطس وقسطنطين الأكبر، وتيودوسيوس الأكبر، وأعجب بشخصية الإسكندر المقدونى ولمح فيها صورة من نفسه، وكان ملما بجملة لغات أجنبية، فإلى جانب لغته التركية، كان يتحدث العربية والفارسية والإغريقية ويفهم الإيطالية، وكان واسع الإطلاع بآداب هذه اللغات ويتذوق الجميل منها، كان يحب الفنون لاسميا الموسيقى والرسم ويحفظ الشعر الجميل، ويهتم بدراسة الفلك ويحسن استغلاله، وكرجل من رجل الحرب هو من الطراز الأول لا يدانيه أحد، وكان عدوا للترف منصرفا عن حياة إرضاء الشهوات، لم يكن له ندماء ولا محظيات بالمعنى الذى يفهمه سلاطين ذلك العصر».
كان الاستيلاء على «القسطنطينية» حلمه منذ صغره بعد أن أفلت من بين أيدى أبيه وأجداده أكثر من مرة حسب قاسم عبده قاسم فى كتابه نظرات فى تاريخ المسلمين (عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية–القاهرة)، ويضع «صفوت» هذا الحلم كما يضع تصرفات صاحبه والعنف، الذى ساد فيه فى سياق سياسى عالمى ساد وقتئذ، هكذا مضت عملية فتح القسطنطينية منذ يومها الأول، وحتى وصلت إلى يوم 27 مايو، أى فى الساعات القليلة السابقة على اقتحام الجيش العثمانى للمدينة، الذى تم يوم «29 مايو»، وكان يوم «28» استكمالا للاستعداد.