كانت الساعة الواحدة من يوم الثلاثاء صباح 29 مايو «مثل هذا اليوم» من عام 1453، حين بدأ الهجوم العام من الجيش العثمانى، بقيادة السلطان محمد الفاتح، على مدينة القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، جاء الهجوم تتويجا لاستعدادات الساعات الأخيرة بين الطرفين العثمانى والبيزنطى «راجع ذات يوم 27 مايو و28 مايو 2017»، وحسب الدكتور محمد مصطفى صفوت فى كتابه: «السلطان محمد الفاتح- فاتح القسطنطينية» عن «دار الفكر العربى - القاهرة - عام 1948»: «بدأ الهجوم العام على المدينة، بعد أن صدرت الأوامر، وعلت الأصوات بالتكبير، وانطلق الجنود نحو الأسوار، وخاف البيزنطيون خوفًا عظيمًا، وشرعوا فى دق نواقيس الكنائس»، ويضيف: «وصل جنود الانكشارية إلى داخل المدينة وارتقوا الأسوار وأزالوا علم الامبراطورية وعلم البندقية، ورفعوا علم الأتراك، وتدفق الأتراك إلى داخل المدينة، وأما الامبراطور البيزنطى فحمل أنفه ومات كريما لم تذم خلائقه، قتل وعمره تسعة وأربعون عاما، فكان آخر الأباطرة البيزنطيين».
يذكر «صفوت»، أن المدينة استبيحت وكل شىء فيها للفاتحين، وقتل أربعون ألفًا من البيزنطيين منذ بدء حصارها فى شهر أبريل وحتى الهجوم عليها، ويضيف: «تم أخذ خمسين ألفًا، وسلم عشرة آلاف، وقتل عدد كبير من الارستقراطية الإغريقية، وأخذ أبناؤهم ليتعلموا اللغة التركية والدين الإسلامى، وضم النساء إلى حريم السلطان وحريم تابعيه، وحاول عدد كبير من سكان المدينة بمختلف أعمارهم الهروب إلى الميناء، والتجأ جمع غفير إلى كنيسة «سانت صوفيا» وغيرها من الكنائس معتقدين أنهم وجدوا الأمان، وأن الآلهة ستحميهم من عدوان الترك، وأن الملائكة ستنزل من السماء وتجعل العدو ترابا، وأغلقوا الأبواب وتوسلوا إلى الله، ولكن الأتراك حطموا الأبواب واستولوا على كل شىء، واستمر القتل فى اليوم الأول، واستبيحت المدينة ثلاثة أيام».
وفى الظهر دخل السلطان محمد الفاتح المدينة من باب «القديس رومانوس» يمتطى صهوة جواده فى موكب حافل يتبعه وزراؤه وقواده وجنوده، وسار فى الشارع المؤدى إلى كنيسة «سانت صوفيا»، وترجل أمام الباب، وانحنى ووضع حفنة من التراب على رأسه خضوعا لله وشكرا، ودخل إلى الكنيسة فبهرة جمالها وبهاؤها، ثم دخل إلى المذبح، حيث قابله رجال الكنيسة وكانوا مختبئين فيها، فأحسن استقبالهم، وأكد حمايته لهم، وطلب من المسيحيين الفزعين الموجودين الذهاب إلى مساكنهم آمنين»، ثم طلب من أحد الشيوخ أن يؤذن للصلاة فى هذه الكنيسة العظيمة، التى أصبحت مسجد «آيا صوفيا».
طاف «الفاتح» بالمدينة، وحسب «صفوت»: «شاهد آيات جمالها وعظمتها، ومر بالقصر الإمبراطورى فهاله مغادرة أصحابه له، وبعث إلى أمراء المسلمين وسلاطينهم ينبئهم بذلك الفتح العظيم، فيقول ابن إياس صاحب «بدائع الزهور»، أنه أرسل إلى مصر بهذا الفتح، فلما بلغ ذلك دقت البشائر بالقلعة، ونودى فى القاهرة بالزينة».
ويعتبر الدكتور قاسم عبد قاسم: «هذا الحدث من الحوادث القليلة الفارقة فى مجرى التاريخ الإنسانى»، مضيفًا فى كتابه «نظرات فى تاريخ المسلمين» عن «دار عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية - القاهرة»: «تحولت القسطنطينية عاصمة المسيحية الشرقية إلى «إسلامبول» أى عاصمة الإسلام، ولم يكن هذا فتحًا عاديًا لمدينة عادية، كما أنه لم يكن مجرد تغيير فى اسم مدينة، ولم يكن هذا الحدث مجرد تغيير فى اسم جغرافى، وإنما كان تغييرًا فى مجرى التاريخ الإنسانى بأسره.
ويتأسف «قاسم» على أنه «بالرغم من أهمية هذا الحدث الفذ فى تاريخ المسلمين، فإن ستارًا من النسيان، وربما التناسى قد أسدل على هذا الحدث التاريخى المهم، الذى لا يعرف تفاصيله ومقدماته ونتائجه كثيرًا من المسلمين من العامة والمثقفين»، ويضيف قاسم: «بسبب تطورات التاريخ الثقافى السلبية فى أنحاء العالم الإسلامى، ظل هذا الحدث أسير الإنحيازات الغربية ضد المسلمين وتاريخهم».
ويعلق «صفوت» على هذه النقطة قائلًا: «يحاول كثير من المؤرخين الأفرنج المبالغة فى وصف أعمال السلب والنهب والقتل، التى قام بها الأتراك العثمانيون فى المدينة الخالدة، ونسبوا ذلك إلى قسوة المسلمين ووحشية فى الأتراك، ونسوا أن هذا روح العصر كله، وأن هذا العصر هو عصر الحروب الصليبية، ولم يرتكب الأتراك العثمانيون ما ارتكبه اللاتين الصليبيون حين استولوا على القسطنطينية عام 1204، ويصف البابا «أنسنت الثالث» البلوى، التى حلت فى المدينة فى هذه السنة: «إن اتباع المسيح وناصر دينه، الذين سفكوا الدم المسيحى الحرام وغرقوا فى بحاره لم يحترموا الدين ولا السن ولا الجنس فارتكبوا زنا فى وضح النهار».