لم يحلم الفتى الصغير ابن الجناينى البسيط وهو يكنس مصنع الطوب الذى يعمل به أن يصل يوما إلى هذه الشهرة والنجاح العالمى، وأن يتمتع بكل هذا الحب من الجماهير فى مصر والعالم.
وبرغم كل هذا النجاح لم ولن يمر عام على اللاعب الأسطورة محمد أبو تريكة أصعب من هذا العام، سيثير رمضان الحالى شجونا وأحزانا لن يمحوها الزمن، وسيكون مجبرا على أن يتخلى عن أهم عاداته التى حرص طوال سنوات عمره على التمسك بها مهما كانت الظروف.
لن يفطر النجم العالمى مع والده ووالدته كما اعتاد فى أول أيام الشهر الكريم، ولن ينسى أن رمضان 2017 جاء وقد رحل والده عن الحياة، دون أن يتمكن ابنه البار من حضور جنازته أو تغسيله والصلاة عليه وتلقى العزاء فيه كما كان يتمنى.
يغمض عينيه ويتذكر تلك الأظرف التى كان يوصى زوجته بإعدادها ووضع مبالغ مالية مختلفة فى كل منها، دون أن يعرف قيمة ما يحتويه كل ظرف، حاملا مجموعة من هذه الأظرف معه ذهابا وإيابا ليوزعها على المحتاجين طوال شهر رمضان دون أن يعرف قيمة ما أعطاه لكل فقير.
يقضى النجم محمد أبو تريكة هذا العام خارج مصر بعد قرار التحفظ على أمواله، والاتهامات الموجهة له بتمويل الإرهاب والانتماء لجماعة الإخوان والمشاركة فى اعتصام رابعة وتمويله.
وبعيدا عن السياسة وبرغم كراهية الشعب المصرى للإخوان ومن ينتمى إليهم، لم تستطع هذه الشائعات التى نفاها تريكة، مؤكدا أن البعض استغل صمته لترويجها أن تصمد أمام شعبيته الجارفة ومحبة الجمهور الذى لم يصدق أيا منها بل ازدادت شعبيته والتعاطف معه بعدها. لم يلتق تريكة بأى من قيادات الإخوان من قبل، بل عارضهم وهم فى سدة الحكم، ففى عام 2012 وبعد مجزرة استاد بورسعيد قرر تريكة عدم خوض أى مباراة إلا بعد القصاص للشهداء، وهو ما عرضه لانتقادات من زملائه ومسؤولى الأهلى، وطالبته الرئاسة فى عهد مرسى بالتراجع عن موقفه امتصاصا للغضب الشعبى ولكنه رفض وتمسك بقراره.
سيعتكف تريكة هذا العام فى غير مساجد مصر ولن يتعبد فى الخلوة التى اعتاد أن يتعبد فيها فى الطابق الأرضى من منزله كما كان يفعل فى رمضان.
سيعيش على ذكرياته التى لا ينساها فى هذا الشهر الكريم، أول فانوس حظى به فى حياته عندما فاز بالمركز الأول فى مسابقة لحفظ القرآن الكريم بأحد مساجد ناهيا، وكان عمره وقتها 10 سنوات، فكافأه عمه إمام المسجد بفانوس رمضان.
سيتذكر والده الجناينى البسيط المكافح المحب للعمل، الذى ظل يعمل حتى وفاته ورفض إلحاح ابنه المشهور فى التوقف عن العمل، وكيف توفى الأب فى المكان الذى كان يعمل به.
سيتذكر أحزانا أخرى مرت عليه، وأهمها فقده لأقرب أشقائه إليه، شقيقه الأكبر أحمد، الذى كان يشجعه على ممارسة كرة القدم ويدربه ويقدم له فى الأندية، وكيف مات شقيقه فجأة لتصبح هذه الصدمة من أكبر صدمات وأحزان حياته.
لن ينسى سائقى التاكسيات والجماهير الذين حرصوا على التقاط الصور معه فى كل مكان فى مصر ويحتفظ بصورهم على هاتفه المحمول.
لن ينسى مفارقات مهمة فى حياته ارتبطت بشهر رمضان، ومنها تحليل مباريات كأس العالم بالبرازيل عام 2014، والتى كان يتمنى أن يشارك فيها كلاعب فإذا به يشارك فيها محللا للمباريات.
لن ينسى اضطراره للإفطار فى دورة الألعاب الأولمبية بلندن 2012، والتى كان يرفض فى البداية المشاركة فيها لأنها عقدت فى شهر رمضان، ومع ضغط الفريق سافر وأفطر يوم المباراة لطول عدد ساعات الصيام، وكيف احتفت به كبريات الصحف العالمية ووصفته بنجم أفريقيا، وسعادته بهذا الانجاز الذى سبقه إليه الخطيب فى 1984، وهى الدورة التى توطدت فيها علاقة الصداقة بينه وبين نجم الكرة محمد صلاح، وكانت أهم بطولة فى تاريخه.
لن ينسى أن الله أكرمه بأكثر مما يتخيل أو يحلم محليا وعالميا، حيث تم تصنيفه فى 2016 ضمن قائمة أساطير كرة القدم وتم تكريمه عالميا وحظى بحفاوة دولية تتجاوز كل الحدود.
أثرت طفولة وحياة أبوتريكة على مواقفه دائما وجعلته يشعر بآلام البسطاء وأوجاع الفقراء، فلم يتأخر يوما عن مواساة محزون أو مساعدة فقير فى الخفاء، وهو ما يجعل محبته تتضاعف فى النفوس فتنتصر على أى شائعات.
زار كل أسر شهداء مجزرة بورسعيد وتواصل معهم وساعدهم، كما زار أسر الأطفال ضحايا قطار أسيوط وكان عائدا لتوه من بطولة تونس 2012.
لم تتوقف مساعداته الإنسانية على المستوى المحلى، ولكنه خاض العديد من التجارب العالمية فى مبادرات خير ضد الجوع فى العالم.
سيحتفظ الساحر ببعض عاداته فى رمضان، ومنها حرصه على أداء العمرة أكثر من مرة خلال شهر رمضان.
كما سيستمر على عادته فى عدم قبول أى دعوات إفطار فى الأيام الوترية من العشر الأواخر من الشهر الكريم، حرصا على أن يتعبد فيها، لعله يصادف فى إحداها ليلة القدر فيدعو الله الذى لم يخذله أبدا بأن يخفف أحزانه ويفرج كربه.