نشر مركز الدراسات الروسية تقريرًا جديدًا تحت عنوان "مصر وروسيا إلى أين"، حيث شرح فيه تطور التعاون بين موسكو والقاهرة وكيفية تجاوز الأزمة الحالية المتعلقة بوقف الطيران الروسى إلى مصر ومنع السياح من زيارة المنتجعات المصرية منذ سقوط الطائرة الروسية فى سيناء فى 31 أكتوبر عام 2015 ومقتل 224 شخص على متنها.
وأوضح المركز الذى يرأسه الخبير المصرى فى الشئون الروسية أشرف كمال، أن الحوار الاستراتيجى بين مصر وروسيا بدأ منذ عام 2009 على مستوى وزيرى خارجية البلدين، ومع تطور الأحداث فى منطقة الشرق الأوسط انتقل الحوار الاستراتيجى إلى صيغة 2+2 لتصبح مصر الدولة السادسة التى ترتبط معها روسيا بهذا الإطار من المباحثات الاستراتيجية على مستوى وزيرى الخارجية والدفاع بعد الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان.
وأضاف أن الحوار الاستراتيجى بهذه الصيغة الجديدة وصل إلى المرحلة الثالثة، حيث كانت الجولة الأولى فى نوفمبر 2013، والثانية فى فبراير 2014، وهو ما يعكس الأهمية الاستراتيجية للحوار بين روسيا الدولة العظمى، العضو الدائم فى مجلس الامن ومصر القوة الإقليمية فى المنطقة، حيث تحظى مصر بمكانة متقدمة فى السياسة الخارجية الروسية، والقاهرة منفتحة على موسكو فى حوار يشمل كافة المجالات فى إطار سياسة خارجية متوازنة مع كافة القوى الدولية.
ملفات ساخنة فى اجتماع القاهرة
وأشار مركز الدراسات الروسية إلى أن مباحثات وزير الخارجية الروسى سامح شكرى ونظيره الروسى سيرجى لافروف تناولت سبل الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين البلدين فى شتى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية، والأزمات الإقليمية فى كل من سوريا وليبيا واليمن والعراق والمواقف المصرية والروسية إزاءها، فضلًا عن تناول قضية الإرهاب فى أعقاب الأحداث الإرهابية الأخيرة التى شهدتها مصر، بالإضافة إلى العواصم الأوروبية التى تعرضت لعدة أحداث إرهابية عنيفة مؤخرًا، ما يدق ناقوس الخطر بشأن تصاعد ظاهرة الإرهاب التى باتت تحصد الأرواح البريئة على نحو مستمر.
ونوه بأن المباحثات كان مقرر لها الشهر الماضى، وتم الاتفاق بين البلدين على تأجيلها إلى نهاية مايو الجارى وتحديدا فى 29 مايو 2017، بعد أيام من قمة الرياض التى شارك فيها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وعدد كبير من الدول العربية والإسلامية التى اهتمت بملف مكافحة الإرهاب والتعاون المشترك، حيث أن ملفات الحوار الاستراتيجى المصرى الروسى بصيغة 2+2 هى ملفات ذات طابع سياسى وعسكرى واقتصادى ثنائى وإقليمى ودولى، فضلا عن مكافحة الإرهاب والتطرف إلى جانب تأخر رفع حظر الطيران، وما لذلك من تداعيات سلبية على التعاون المشترك بين البلدين وحتى لا يضر ذلك بسمعة روسيا داخل المجتمع المصرى بعد أن ارتفعت شعبية بوتين بين المصريين عقب تأييده ثورة 30 يونيو 2013.
خلافات القاهرة وموسكو
لا شك أن العلاقات بين القاهرة وموسكو بدأت بعد ثورة 30 يونيو بشكل قوى أوحى للجميع بعودة قوية للتعاون فى كافة المجالات خاصة مكافحة الإرهاب الذى تعانى منه مصر منذ سقوط حكم الإخوان، ودعم الاقتصاد المصرى الذى يسعى للنهوض من كبوته، والتى بدأت بوتيرة متسارعة من خلال توقيع عدد من الاتفاقيات التجارية والعسكرية والمشاريع الاقتصادية الكبرى والتى تتضمن إنشاء منطقة صناعية روسية فى منطقة شرق بورسعيد بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
ولكن رغم هذا الزخم الكبير الذى صاحب لقاءات المسؤولين فى البلدين على مدار المرحلة السابقة إلا أن حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، والذى راح ضحيته 224 مواطن فى أكتوبر من العام 2015 تراجع هذا الزخم مع قرار الكرملين حظر الطيران بين البلدين وتحذير المواطنين من السفر إلى مصر.
ورغم تفهم الإدارة المصرية لآليات اتخاذ القرار فى روسيا، فإن المجتمع المصري بات يطرح الكثير من التساؤلات حول استمرار حظر الطيران رغم الإجراءات الأمنية التى تمت فى كافة المطارات والتى شهدت توافد عدد كبير من لجان المتابعة والتفتيش من روسيا ودول أخرى.
تصاعدت التساؤلات داخل المجتمع وفى أوساط النخبة عن أسباب استمرار الحظر، خاصة على خلاف مناطق أخرى من العالم لم تتخذ فيها روسيا نفس الموقف، حيث يرى المجتمع المصرى أن هناك تعنت روسى واضح يتعلق بعودة السياحة في حين أن المسؤولين الروس أكدوا أكثر من مرة أن روسيا تدعم الاقتصاد المصرى وتريد أن ترى مصر قوية فى كافة المجالات.
تساؤلات المجتمع فى مصر مشروعة، خاصة وأن القاهرة ترى أنها استجابت لمطالب اللجان الروسية لتعزيز الإجراءات الأمنية فى المطارات حيث تعاقدت مع شركة عالمية لتقييم الوضع الأمنى، كما قامت بإنشاء شركة خاصة لتأمين المطارات من الخارج والداخل، وكذلك إعادة هيكلة أنظمة الأمن وتغيير أجهزة الكشف عن المفرقعات، وغير ذلك من الإجراءات التى بلغت تكلفتها ما يزيد عن 45 مليون دولار، ويعتقد أنها كفيلة للمساهمة فى قرار رفع الحظر.
استمرار الحظر يضع العلاقات بين البلدين أمام تحد صعب فى مواجهة الرأى العام المصرى الذى يتوق لعودة السياحة الروسية باعتبارها قاطرة الاقتصاد الذى يمر بمرحلة من أصعب مراحل تاريخه المعاصر.
فرصة تجاوز الأزمة
المشهد الراهن يشير إلى وجود أزمة تتعلق بملف عودة الطيران وهذا ما يفسر توقف المفاوضات حول اتفاق سلامة الطيران منذ فبراير الماضى لأسباب ربما تعود إلى شروط روسيا بوجود فريق أمنى بشكل دائم فى المطارات المصرية.
فمشهد العلاقات المصرية الروسية لا يخلو من الخلافات وإن تجاوز هذه الخلافات لا يحتاج إلى تقارير الخبراء الفنيين بل إلى قرار سياسى وإرادة تشبه تلك التى كانت بين البلدين قبل الحادث الأليم للطائرة الروسية، وكما أن مصر فى حاجة للتعاون والتنسيق مع روسيا فإن موسكو تدرك حجم وثقل القاهرة فى منطقة الشرق الأوسط.