نزلت درجات السلم كملكة متوجة تتعلق بها الأنظار ونجمة أسطورية تشبه أبطال حواديت ألف ليلة وليلة التى أمتعتنا بتقديمها لسنوات ، وكأنها تعبر مع كل خطوة بحر الأحزان والآلام التى مرت بها.
ترتفع دقات قلبها ويكاد يقفز من بين ضلوعها ، تبكى وهى تنظر إلى عيون من يترقبون طلتها بعد غياب استمر أكثر من 15 عاما، وخلال الحفل الذى أقامته شركة العدل جروب للإعلان رسميا عن عودة النجمة الأسطورة بعمل مسرحى استعراضى ، وتمنحها النظرات خليطا من مشاعر الرهبة والحب والعرفان والثقة.
وقالت بصوت يرتعد من جلال الموقف، " المرض قوانى وعاوزة أبوس راس كل واحد وقف جنبى، واجهت الموت والمرض ولكن الرهبة من الوقوف أمامكم أكبر".
وتزيح النجمة شعرها الذى يشبه الليالى الطويلة التى مرت عليها، كاشفة لأول مرة عن نص وجهها الذى اعتادت أن تغطيه طوال سنوات بسبب تأثيرات المرض النادر الذى اختار وجها نادر الجمال، وكأنما منحتها نظرات الحب القدرة على التخلص من بقايا الألم وآثاره.
شريهان ..اسم يحمل كل معانى البهجة والجمال والسحر، كعروس البحور التى جسدتها فى فوازير رمضان ، التى أمتعتنا بها طوال سنوات خلت فيها الشوارع من المارة وقت عرض حلقاتها .
أيقونة الجمال والاستعراض ونجمة الفوازير والمسرح والسينما والتلفزيون، التى تستطيع تجسيد أقسى معانى الحزن ، وأجمل أوقات الفرح.
تعلن بكل ثقة أنها تجاوزت الخمسين كما كتبت بعض الأقلام التى تتشكك فى قدرتها على العودة بنفس القوة التى كانت عليها، وتؤكد أن عمرها يتجاوز ألف عام ، فهى بالفعل بطلة اسطورية استطاعت أن تهزم ألاما تفوق قدرة البشر ، تكسرت وتفتتت عظام جسدها بالكامل فى حادث مروع فاستطاعت مثل ايزيس التى تنسج الحياة من أشلاء الموت ، أن تعود من جديد لتتألق وترقص وتقدم فوازير رمضان والمسرحيات وانتصرت على كل التوقعات التى أكدت أنها لن تستطيع الوقوف على قدمها من جديد.
منحتنا جرعات سحر وإبهار ، جعلتها رمزا للبهجة فى شهر رمضان ، وكالساحرة استطاعت أن تقدم عدة شخصيات فى وقت واحد، فلا يزال الجمهور يذكر فاتيما وحليمة وكريمة اللاتى يسطعن فى وقت واحد عبر مسلسل ألف ليلة وليلة.
تعرف شريهان حجم ارتباط الجمهور بها وانتظاره لما ستقدمه بعدما هزمت الألم فى جولة جديدة ، فتستعد بكل قوتها للعودة من جديد ، ولأنها نجمة خارقة اختارت الطريق الصعب لتكافئ جمهورها بجرعات بهجة وإبهار مكثفة بعد طول غياب ، لذلك تعاقدت مع العدل جروب على مشروع مسرحى استعراضى ضخم.
ورغم صعوبة هذه التجربة التى تتطلب قدرات وتدريبات ولياقة خاصة ، ورغم الأصوات التى تحاول إحباطها متعللة بالسن والحالة الصحية ، إلا أنها كعادتها تستطيع أن تتحدى المنطق والوجع ، وتنتصر حتى على توقعات الأطباء بحب جمهورها وتعلقه بها الذى لم يفتر يوما رغم الغياب .
ارتبط الجمهور بشريهان ارتباطا خاصا، رأى فيها الشباب فتاة الأحلام، واعتبرتها الفتيات نموذجا للجمال والسحر والموضة، اعتادت البيوت على استقبالها والحفاوة بطلتها على الشاشة منذ أن كانت طفلة ومراهقة حتى وصلت لمرحلة النضج ، فأصبحت ابنة لكل الأسر.
تابع الملايين أزماتها وأوجاعها التى بدأت منذ سن مبكرة، أزمتها الأسرية مع أسرة والدها، ووفاة شقيقها الموسيقار عمر خورشيد الذى كان سندها فى الحياة، ثم وفاة والدتها، والحوادث التى تعرضت لها، ثم مرضها النادر.
طوال مراحل حياتها تجرعت شريهان أنواعا من الوجع والألم، دخلت فى حرب مع كل مسببات الحزن، لكنها كانت دائما تخرج منتصرة، لا تستسلم، تقاوم كل المعوقات حتى تعود لجمهورها أفضل مما كانت.
ساندها الجمهور وانتظر عودتها بعدما أصيبت فى حادث مروع عام 1990 وانكسر ظهرها وعمودها الفقرى ،وهى فى أوج شهرتها ونجوميتها، وظلت لسنوات عاجزة عن الحركة ، لكنها هزمت العجز وعادت أقوى، لتحقق نجاحا وحبا أكبر وقامت ببطولة الفوازير وقدمت مسرحية شارع محمد على وعددا من الافلام.
ثم عادت النجمة لتصارع الألم عندما اختارها مرض نادر من بين ملايين البشر ، فأصيبت عام 2002 بسرطان الغدد اللعابية أحد أشرس أنواع السرطان، لتخوض النجمة معركة جديدة تتحدى فيها الالم ، وتجرى عشرات الجراحات وتغيب عن جمهورها لمدة 15 عام كاملة، ولأنها تتحدى كل التوقعات، أنجبت ابنتها الثانية تالية القرآن خلال فترة مرضها، وظلت صلبة صامدة رغم الضعف والألم، يساندها ويقويها دعوات الأباء والأمهات وحب جمهور لم ينسى محبوبته يوما، تقترب أكثر إلى الله وتزيدها الأزمة نضجا وإرادة وإيمان.
لم تغب شريهان عن الأحداث وظهرت للمرة الأولى بعد غياب بين الجماهير فى ثورة 25 يناير، بينما عارضت حكم الإخوان وتبرعت بمنزلها لحملة تمرد، وطالبت مرسى بالتنحى، وكان التواصل مع جمهورها عبر وسائل التواصل الاجتماعى أكبر مصدر قوة لها، ترد على كل الرسائل ،ويشجعها هذا التواصل على مواصلة التحدى.
وما إن تعافت أيقونة الجمال حتى فكرت فى العودة لمكافأة جمهورها بهدايا البهجة ، انهالت عليها العروض ولكنها دائما ما تختار الأصعب لتقدمه لجمهور يستحق أن تتعب من أجله وتتحدى ألامها وتنتصر على أحزانها.
تقضى أغلب وقتها الحالى فى الاستعداد للعودة ، زارت بيروت للقاء مصممة الرقص أليسار كركلا، وخاضت بروفات أولية، لمعرفة مدى لياقتها البدنية واستعدادها لمباشرة البروفات المكثفة.
تحرص على كل التفاصيل والاستعدادات مهما كلفها ذلك من جهد ووقت ، فالعودة بعد 15 عاما يجب أن تليق بنجمة اعتاد جمهورها أن يراها متألقة متفردة دائما.
لا تنس شريهان عادات وعبادات تقربت بها إلى الله طوال سنوات المحنة ، فاستجاب الله دعاءها وخرجت من محنتها، مناجاة وقراءة قرآن وتبرعات للفقراء وموائد رحمن و زيارات فى الخفاء لأداء العمرة.
شريهان ليست مجرد فنانة ولكنها حالة إنسانية متفردة لا مثيل لها، جميلة ومبهجة، حزينة وصابرة، تصل إلى أقصى مراحل الضعف ثم تثور وتنهض وتعود أكثر قوة وجمالا.