"البيرة مصنوعة من الشعير، والخمر المصنوع من التمر، والنبيذ من غير العنب، فإنه يحرُم الكثير المسكر منه، أما القليل الذى لا يسكر فإن تناوله حلال".. تلك فتوى صدرت من الدكتور سعد الدين هلالى، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، وأحدثت بلبلة بعدما رفضها كافة علماء الأزهر، وتجددت هذه الفتوى مع تداول رواد مواقع التواصل للفيديو الذى أطلقه "الهلالى".
الدكتورة إلهام شاهين، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، قالت إن المشكلة أن تخرج مثل تلك الآراء لعامة الناس، بل ويفترض أن تكون فى مجالس العلم فقط، وليس للعامة الذين ليس لديهم أدنى قدر من العلم الشرعى، لذلك تحدث البلبلة، خاصة مع وجود من يتصيدون الأخطاء ويبحثون عن الغرائب، فالواجب علينا فقط إخراج العلم النافع للناس وليس العلم الذى يضرهم أو يشوش أفكارهم.
وأضافت أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، فى تصريحات لـ"انفراد"، أن الخمر بكل أصنافها محرمة، قليلها وكثيرها، ومن أى مصدر العنب وغير العنب، وفى كل زمان ومكان، فما كان كثيرة مسكر فقليله حرام، وهذا ما عليه أكثر الفقهاء والله تعالى يقول "اجتنبوه"، ولم يقل ابتعدوا عنه، أى أنه حرم حتى الاقتراب منه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "كل مسكر خمر وكل خمر حرام"، وهناك قاعدة فقهية تقول "سد الذرائع تلزم ترك بعض المباح من أجل الاطمئنان إلى البعد عن الحرام".
من جهته قال الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف السابق، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، "كل مسكر خمر وكل خمر حرام"، وقال ما أسكر كثيره فقليله حرام، والنبى لعن الخمر وشاربها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه والمنتفع بثمنها، والخمر أم الخبائث، والرجل إذا سكر هذى وإذا هذى أتى أمه وهو لا يدرى والذى يشرب الخمر إنما يبيع عقله، وقال الله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".
وأضاف "الأطرش"، فى تصريحات لـ"انفراد"، ليس هناك دليل واحد يبيح للمسلم أن يشرب الخمر فى الدنيا، بأى حال من الأحوال، فالرجل إذا سكر زنا وقتل وغاب عقله، فليس هناك دليل يبيح للمسلم تناول القليل من الخمر، اللهم إلا فى حالة واحدة لإزالة الغصة، كأن وقف فى حلق الإنسان شىء ولم يجد سوى الخمر لإزالة الغصة قدر إزالتها، والضرورات تبيح المحظورات، وكل ضرورة تقدر بقدرها.
والرأى الصادر عن دار الإفتاء المصرية فى الخمر هو أن الله كرّم الإنسان وفضَّله على سائر المخلوقات، وأنعم عليه بنعمة العقل وجعله مناطًا للتكليف؛ إذ إن به يمكن الإدراك والتمييز بين النافع والضار والحسن والقبيح والخير والشر.
وحفظ العقل من مقاصد الشريعة الإسلامية، التى أطلق عليها الفقهاء الضرورات الخمس؛ وهى "حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ العرض وحفظ المال"، وإذا كان حفظ العقل وسلامته من بين هذه الضرورات فقد حرَّم الإسلام الموبقات والمفسدات، وكل ما يُذْهِبُ العقل أو يفسده من مطعوم أو مشروب، وفى مقدمة الموبقات المفسدات المهلكات أم الخبائث الخمر، وثبت تحريمها بالقرآن الكريم والسنة وبالإجماع؛ ففى القرآن قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ • إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾، وتعبير القرآن فى هذه الآية بقوله: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ آكد فى التحريم؛ لأن هذا اللفظ دالٌّ صراحةً على تحريم الاقتراب من الخمور ومجالسها، فما بالك بشربها!
وفى السُّنة قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه مسلم من حديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وآله سلم قال: «كُلُّ مُسْكِرٍ خمرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حرامٌ»، وقد فسَّر سيدنا عمرُ بن الخطاب رضى الله عنه الخمرَ بأنها: "ما خامر العقل وحجبه". "بلوغ المرام" لابن حجر وشرحه "سبل السلام" للصنعانى.
وانعقد إجماع الصحابة على هذا التفسير، وعلى تحريم الخمر، وعلى أن العلة فى التحريم الإسكار.
هذا وثبت أن للخمر آثارًا وأضرارًا جسيمة أدبية ومادية؛ إذ هى تؤدى إلى زوال العقل وإفساد الإنسانية للشارب وإهدار آدميته وكرامته، كما تفسد علاقته بأهله وأقاربه ومجتمعه وتحطُّ من شأنه وتقضى على حيويته وتصيب الجسم بالعلل؛ لما لها من تأثير ضارٍّ على المعدة والكبد، ومع هذا تذهب بأموال الشارب وممتلكاته، ومتى اختل العقل وفسد بشرب المسكرات انقطعت صلة شاربها بربه وابتعد عن عبادته؛ لأنها تورث قسوة القلب وتدنس النفس فلا يتذكر عظمة الله وقدرته.
لهذا كانت الخمر صنوًا للشرك بالله ورجسًا من عمل الشيطان؛ كما وصفها القرآن الكريم فى تلك الآية. جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أما وزارة الأوقاف، فأكدت فى شأن تحريم الخمر وبيان مضارها يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنْتَهُونَ}.
وقد وضع النبى (صلى الله عليه وسلم) قاعدة ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ولا الأحوال والأشخاص، وتبين الوصف الذى ينطبق على الخمر أو أى نوعٍ من أنواع المسكرات، فقال (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فى الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِى الآخِرَةِ ) .
ومن هنا نعلم أن الخمر شاملُ لكل ما يُسكر مهما استحدث الناس له من أسماء، وسواء أكان مائعًا أم جامدًا، طالما توافر فيه المعنى المحرم وهو الإسكار، يقول (صلى الله عليه وسلم) : (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)، فالخمر حرمها الله (عز وجل) فهى حرام إلى يوم القيـامة، بل إن اللعنـة تصـل إلى كل من امتدت يده للخمر من قريب أو بعيد، بائعًا، أو مشتريًا، أو تاجرًا أو حاملاً، أو شاهدًا، أو كاتبًا فقد شمله اللعن والطرد من رحمة الله (عز وجل)، وسبب لعنته أنه خالف أمر الله تعالى وأمر رسوله (صلى الله عليه وسلم)، فإن مات شـارب الخمـر ومدمن المخـدرات على ذلك.
مات ملعونا مطرودًا من رحمة الله (عز وجل)، قال (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : (لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ، وَلَعَنَ شَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَآكِلَ ثَمَنِهَا).
وهنا نؤكد أن العبرة ليست بالأسماء، وإنما العبرة بما يذهب العقل ويغيبه، فكل مسكر خمر، وكل خمر حرام.