"من النهاردة مافيش حكومة.. أنا الحكومة.. أنا الحكومة".. لا أحد ينسى هذا المشهد للفنان أحمد السقا فى فيلم الجزيرة، الذى جسد خلاله شخصية "عزت حنفى" إمبراطور المخدرات فى صعيد مصر، والذى عاش بجزيرة النخيلة فى محافظة أسيوط.
"عزت حنفى" كان الاسم الأبرز فى الصعيد خلال تسعينيات القرن الماضى، بعدما نجح فى إقامة حصون له بجزيرة النخيلة وتحويل الجزيرة مزارع لزراعات البانجو على مساحات مترامية الأطراف، متحديا هيبة الدولة.
اللافت للانتباه أن بعض المقربين من "عزت حنفى" وسكان المنطقة أكدوا أن إمبراطور المخدرات كان أحد رجال الأمن، حيث استعانت به الأجهزة الأمنية وقتها للقضاء على الجماعات الإرهابية التى ظهرت فى ذلك التوقيت، وساهم بالفعل فى مساعدة الأمن فى الوصول لمكان اختباء عدد كبير منهم، لكنه بعد انتهاء مهمته رفض الانصياع للأمن وتمرد، وعندما واجهته الأجهزة الأمنية قرر الثأر لكرامته، فـأوقف قطار الصعيد بالقوة فى سابقة هى الأولى من نوعها، والتى أثارت الرأى العام وقتها وتصدرت صحف عربية وعالمية، لتكون هذه الواقعة هى القشة التى قصمت ظهر البعير.
حاصرت قوات الأمن جزيرة "عزت حنفى" وعقب معركة بالرصاص استمرت عدة أيام، نجحت أجهزة الأمن فى السيطرة عليه، بعد إصابته بطلق نارى نقل على إثره للمستشفى، وتم تقديمه للمحاكمة عقب مثوله للشفاء، وصدر ضده حكم بالإعدام شنقاً، حيث تم تنفيذ الحكم بسجن برج العرب فى الإسكندرية.
وعقب ثورتين شهدتهما البلاد "25 يناير ـ 30 يونيو"، بدأت بعض المحاولات الفردية من تجار المخدرات والسلاح فى الظهور مرة أخرى بأسيوط، نفس المحافظة التى ينتمى إليها "عزت حنفي"، مما جعل البعض يطلق عليهم "فلول عزت حنفى".
ونظرا لأن مصر باتت دولة مؤسسات، فرفضت الجهات المعنية انتعاش هذه العصابات فى الصعيد مرة أخرى، ومن ثم وجه اللواء مجدى عبد الغفار وزير الداخلية، قطاع الأمن العام بإشراف اللواء جمال عبد البارى مساعد الوزير، للتوجه سريعاً نحو هذه البؤر وتفكيكها قبل انتعاشها.
وحرص "عبد البارى" على وضع دراسة أمنية، وخطة محكمة للقضاء على تجار المخدرات والسلاح، حيث قرر اقتحام 4 بؤر إجرامية بأسيوط فى توقيت واحد، ومن ثم اقتحمت قوات الأمن هذه البؤر، ودخلت فى معركة بالرصاص مع الخارجين عن القانون وتجار السلاح، وتوغلت القوات للمناطق الجبلية الوعرة التى يحتمى فيها الخارجون عن القانون، وفرضت سيطرتها بالكامل على جميع المناطق فى حملات استمرت نحو شهر.
وزلزلت قوات الأمن حصون تجار الكيف وأباطرة الصنف، واقتلعت زراعات المخدرات من جذورها، واقتحمت المخازن وضبطت 73 طن بانجو وكميات من الحشيش، وتحفظت على أسلحة وذخيرة ثقيلة بينها مدافع وجرينوف وآر بى جى وبنادق آلية، وضبطت مئات الهاربين من الأحكام القضائية، بينهم مطلوبون للإعدام والمؤبد.
وهدمت قوات الأمن فيلات وقصور تجار المخدرات والسلاح، التى أقيمت بشكل فيه تحدٍ واضح لهيبة الدولة، ليخرج الأهالى يهتفون لرجال الشرطة الذين أعادوا الأمن من جديد للمنطقة، ولسان حال رجال الشرطة يردد "من النهاردة فيه حكومة.. احنا الحكومة.. احنا الحكومة".