يمتد تاريخ الصراع الإسرائيلى مع العرب لعدة عقود منذ هزيمة عام 1948 وإعلان قيام إسرائيل فى الخامس عشر من العام ذاته، وعكفت الدول العربية على التنسيق والتعاون لاستعادة الأراضى العربية المسلوبة والتى تمكنت تل أبيب من السيطرة عليها، وشهدت المواجهات بين الإسرائيليين والعرب جولات عدة فى سيناء والجولان والضفة الغربية ولبنان.
وعلى مدار السنوات الماضية نجحت إسرائيل فى تجنيد عملاء لها فى البلاد العربية ودعمتهم لإعتلاء المناصب العليا فى تلك البلدان ليكون هؤلاء العملاء صوتًا لإسرائيل داخل منظومة الحكم العربية والدفاع عن مشروع الدولة الصهيونية مقابل امتيازات بخسة لهؤلاء الخونة الذين باعوا أوطانهم نظير حفنة من الدولارات.
وتزامنا مع احتفالات المصريين والعرب بالذكرى الـ 44 لنصر حرب أكتوبر غد الأحد، خرج عضو اللجنة المركزية لحركة فتح اللواء جبريل الرجوب بتصريحات مثيرة للجدل كعادته تخدم المصالح الإسرائيلية وتدافع عنها بشكل كبير بالرغم من تقلده منصبا رفيعا فى السلطة الوطنية الفلسطينية، ورغبته فى اعتلاء كرسى السلطة خلفا للرئيس محمود عباس أبو مازن، وذلك بمساعدة شركائه الصهاينة فى الشاباك والموساد.
وبالرغم من مرور عقود على الأسلوب الذى تتبعه إسرائيل فى تجنيد عملاء لها فى دوائر صنع القرار فى الدول العربية، نجحت إسرائيل فى دعم صديقها الأبرز داخل السلطة الفلسطينية، والرجل الوفى الذى طالما تعاون مع إسرائيل فى عمليات أمنية مشتركة لتسليم مقاومين فلسطينيين أو إحداث شرخ فى الصف الفلسطينى بالتمرد على أبو عمار، وهو الدور الذى قاده جبريل الرجوب عراب المشروع الصهيونى فى المنطقة العربية.
واشتهر جيريل الرجوب بتصريحاته الشاذة سياسيا والمتتبع لها يكتشف رسمها على جدار العمالة والخيانة الإسرائيلى فى جهاز الموساد لخدمة مصالح تل أبيب فى المنطقة، فجر اللواء الرجوب مفاجأة من العيار الثقيل فى حديث مع قناة إسرائيلية كسر خلالها الثوابت العربية والفلسطينية، والتى تقوم على أساس أن القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، زاعما أن حائط البراق "المبكى" فى القدس الشرقية المحتلة يجب أن يكون "تحت السيادة اليهودية" فى مقابل أن يكون المسجد الأقصى المبارك وساحاته "حق خالص للمسلمين وللشعب الفلسطيني".
صفقة الخيانة التى يروج إليها جبريل الرجوب ليس بالأمر الجديد، فطالما خرج الرجل "المتصهين" فى وسائل الإعلام الإسرائيلية لمغازلة أحذية ساسة تل أبيب لتزكيته خليفة لأبو مازن، فقد خرج الرجل فى مقابلة سابقة مع قناة رياضية إسرائيلية بتصريحات شاذة اعترف خلالها بالسيادة الإسرائيلية على فلسطين من البحر إلى النهر.
تصريحات الرجوب الداعمة لسياسة إسرائيل دوما تكشف عن صفقة خفية تطهى على نار هادئة بين عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وراسمى السياسة الإسرائيلية، وارتبط اسم الرجوب دوما بالتعاون والتخابر والعمالة لصالح إسرائيل، فقد اعترف عبد الرجوب أحد أفراد أسرة اللواء جبريل الرجوب بتجنيده عميلا لدى جهاز الشاباك، زاعما فى حوار مع وسائل إعلام إسرائيلية أن عمله كان لإبعاد الأذى عن البشر، وقد عرف عن عائلته التخابر مع أجهزة الأمن الإسرائيلية ضد المقاومة الفلسطينية.
ويؤكد خروج اللواء جبريل الرجوب فى المقابلة التى أجراها مع القناة الثانية الإسرائيلية، وتحدث خلالها بالعبرية، أن صراعا خفيا يدور فى البيت الفلسطينى لخلافة أبو مازن وسعى عدد من القادة الفلسطينيين للتقرب لتل أبيب عبر غزل سياسى وتصريحات داعمة للمشروع الفلسطينى، وقال الرجوب فى المقابلة إن "حائط البراق" له مكانة وقدسية لدى الشعب اليهودى، وعليه يجب أن يبقى تحت السيادة اليهودية، فلا خلاف على ذلك، فى المقابل فإن المسجد الأقصى وساحاته حق خالص للمسلمين وللشعب الفلسطيني".
ويقع حائط البراق فى القدس الشرقية التى تحتلها إسرائيل منذ 1967 وضمتها، الأمر الذى لا يعترف به المجتمع الدولى، وتعتبر مصير الأماكن المقدسة فى القدس الشرقية المحتلة أحد أكثر القضايا حساسية وتعقيدا فى النزاع الفلسطينى الإسرائيلى، وتصريحات الرجوب حول سيادة إسرائيل على البراق هو بمثابة اعتراف بالدولة اليهودية وبـ"السيادة الإسرائيلية" على أراضى فلسطين المحتلة.
وارتبط اسم جبريل الرجوب بالتعاون الأمنى مع إسرائيل، خاصة حينما كان رئيسًا لجهاز الأمن الوقائى الفلسطينى، لدرجة أنه يوصف برجل تل أبيب الوفى، حتى بعد أن ترك الأجهزة الأمنية، وتولى رئاسة اتحاد الكرة الفلسطينى، لم يتوقف تعاونه مع الإسرائيليين ولم يستطع الرجوب التخلى عن التعاون مع الاحتلال، لكنها هذه المرة تحولت من التعاون الأمنى إلى المجال الرياضى، وهو ما وضح حينما سحب الرجوب، طلب التصويت الذى كان مطروحًا على الجمعية العمومية للاتحاد الدولى لكرة القدم "فيفا" لتعليق عضوية الاتحاد الإسرائيلى.
وارتبط اللواء جبريل الرجوب بعلاقات صداقة وود مع مفتش عام الشرطة الإسرائيلية رونى الشيخ وقت أن كان مسئولا فى "الشاباك" عن الضفة الغربية، ويعد الرجوب صاحب أول محاولة تمرد ضد السلطة الوطنية الفلسطينية ضد الشهيد الراحل ياسر عرفات فى مارس 1996، وكانت بداية هذا التمرد الذى وصل إلى حدود رفض الانصياع لأوامر "أبو عمار" حينما امتنع الرجوب عن الالتزام بتعليمات القائد العسكرى للضفة الغربية اللواء الحاج إسماعيل جبر، ورفض حضور أى اجتماعات برئاسته وهدد بعصيان مسلح فى مقر قيادة جهاز الأمن الوقائى فى مدينة أريحا، وبعد اتخاذ الرئيس عرفات قرارًا بتنحية الرجوب من منصبه كمسئول للأمن الوقائى، وتعيين المقدم حسين الشيخ بديلا له رفض الرجوب تنفيذ الأمر بدعم قوى من إسرائيل، وأمر الرجوب ضباط وأفراد جهاز الأمن الوقائى بألا ينفذوا أى تعليمات تصدر من أى فرد وأن ينصاعوا لأوامره فقط.
وكشف تسريب صوتى بين الرجوب والشهيد عبد العزيز الرنتيسى طبيعة التعاون بين اللواء الرجوب وتل أبيب، وحاول الأخير تبرئة ساحته من تورطته فى اغتيال 8 قادة من كتائب عز الدين القسام فى الضفة الغربية وإلصاق التهمة بالرئيس الشهيد ياسر عرفات، فقد أصدر الرئيس عرفات قرارًا بإخلاء جميع المعتقلين فى الضفة الغربية، وهو ما وعد الرجوب بتنفيذه فى حضور القائد الأسير مروان البرغوثى فى مكتب الرجوب، فى حين تعهد اللواء الرجوب لصديقه رونى الشيخ "يمنى الأصل" بعدم تحرير المعتقلين التابعين لقادة القسام والذين تم تصفيتهم فى مقر الأمن الوقائى دون معرفة سبب رفض الرجوب الإفراج عنهم أو تسليحهم للدفاع عن أنفسهم.
ومع ارتباط الشعوب العربية بشكل كبير للغاية بكرة القدم، اختار الرجوب بوابة اتحاد كرة القدم فى فلسطين للتسويق لنفسه بين أبناء الشعب الفلسطينى بعد اخفاقاته الكبيرة بدءا من تسليمه 8 من قادة كتائب عز الدين القسام إلى إسرائيل انتهاء بإفساده العلاقات الفلسطينية الأردنية وتهكمه على المسيحيين فى فلسطين، ويسعى الرجوب فى تصريحاته الاستفزازية لإثارة الرأى العام والإعلام حوله رغبة منه فى تحقيق حلم ترأس السلطة الفلسطينية بدعم أمريكى إسرائيلى قطرى، وهو ما كشفت عنها وثائق مسربة عن وزارة الخارجية القطرية فى محضر اجتماع أمير الدوحة تميم بن حمد والرجوب دائم التردد على قطر بزعم حضور فعاليات رياضية.
وتكشف الزيارات المتكررة للرجوب وتودده لقادة حماس مدى التنسيق القطرى بينه وبين الحركة، فى محاولة منه لخلافة أبو مازن فى رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث يرتبط الرجوب بعلاقات واسعة مع قادة حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة، فقد سعى جبريل الرجوب عقب اتهامه بتسليم قادة القسام لإسرائيل ليتم تصفيتهم لتوطيد علاقته بـ"حماس".
وسعى جبريل الرجوب فى الأونة الأخيرة لإفساد جهود الرباعية العربية للم الشمل الفلسطينى وتوحيد صفوف حركة فتح عبر تهكمه على الأردن والتطاول على مصر وتحركه لضرب أى تحرك عربى لتوحيد صفوف الفلسطينيين وهو التحرك الذى يخدم السياسة الإسرائيلية بامتياز ويرسخ ويعزز الانقسام الفلسطينى.