أسدلت وزارة التجارة والصناعة الستار - بصورة مؤقتة - على قضية إغراق السوق المصرى بالحديد المستورد من الصين وتركيا وأوكرانيا، فبعد 5 أشهر من التحقيقات التى أجراها جهاز مكافحة الدعم والإغراق التابع للوزارة، قرر المهندس طارق قابيل فرض رسوم إغراق بنسب متفاوتة على الشركات الموردة للحديد لمدة 4 أشهر.. وفى هذا التقرير نرصد أهم المحطات التى شهدتها تلك القضية، وكيف بدأت ولماذا انتهت بهذا الشكل، وهل يتيح القانون فرض رسوم إغراق دائمة على نتج، أم أنها ترتبط بممارسة معينة وتتم إزالة الرسوم بمجرد التوقف عن هذه الممارسة؟
بداية قضية إغراق السوق بالحديد المستورد
تحقيقات أزمة إغراق السوق المصرى بحديد مستورد من الصين وأوكرانيا وتركيا بدأت فى نهاية شهر ديسمبر عام 2016، بعد أن نشرت الجريدة الرسمية قرار وزير الصناعة والتجارة بفتح التحقيق فى تلك القضية، طبقا لأحكام القانون 161 لسنة 1998 بشأن حماية الاقتصاد القومى من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة للتجارة الدولية، ولائحته التنفيذية الصادرة برقم 549 لسنة 1998 وتعديلاتها، وبدأت تحركات من المستوردين فى مهاجمة خطوات المصنعين لفتح التحقيق فى تلك القضية، وكان هجومهم ليس من فراغ، فتجارتهم تعتمد فى الأساس على استيراد سلع رخيصة والدفع بها للسوق المحلى دون وضع أى اعتبار لمدى تأثير ذلك على الصناعة المحلية.
هجوم المستوردين على تحقيقات إغراق السوق
وحينها صدرت تصريحات عن الشعبة العامة لتجار مواد البناء بالاتحاد العام للغرف التجارية، جاء فيها "إن موافقة جهاز مكافحة الدعم والإغراق والوقاية على بدء التحقيق فى فرض رسوم إغراق على الحديد المستورد من تركيا وأوكرانيا والصين، ستحدث ضررا بالغا على السوق المحلى والمستهلك حال فرضها فعلا"، ولم يقدم المستوردون حينها حلولا لخفض الضغط على العملة الأجنبية، ويقومون باستيراد الحديد – ذو الجودة الضعيفة – بأسعار أقل من المنتج المحلى لأن الدول الثلاثة التى يتم الاستيراد منها تقدم دعما ماليا لشركات إنتاج الحديد، وهو الأمر الذى حقق مكاسب مالية للمستوردين وأثر بصورة كبيرة على الصناعة الوطنية وفق ما أثبتته تحقيقات جهاز مكافحة الدعم والإغراق.
بداية أزمة إغراق السوق بالحديد المستورد جاءت بناء على توصية اللجنة الاستشارية التى تم تشكيلها لبحث شكاوى المصنعين بحدوث إغراق، وفى ضوء النتائج التى توصل إليها جهاز مكافحة الدعم والإغراق عقب تلقيه بتاريخ 10/10/2016 شكوى مؤيدة مستنديا من الصناع المحليين تؤكد فيها أن الواردات من صنف حديد التسليح "أسياخ ولفائف وقضبان وعيدان" المصدرة أو ذات المنشأ من الصين وتركيا وأوكرانيا ترد بأسعار مغرقة، وألحقت ضررا ماديا بالصناعة المحلية.. وهذا النوع من القضايا قد تستغرق التحقيقات فيه مدة عام أو أكثر لكن بعد 150 يوما فقط تمكن جهاز مكافحة الإغراق من إثبات المخالفة، الأمر الذى أدى إلى إسدال الستار على الشق الأول من القضية بفرض رسوم إغراق مؤقتة لمدة 4 أشهر.
لماذا رسوم إغراق سوق الحديد مؤقتة؟
وربما يتساءل البعض عن إمكانية فرض رسوم إغراق بصورة دائمة وليست مؤقتة، والأمر هنا مرتبط بممارسات الشركات الموردة فى إحداث عملية إغراق الأسواق المصرية، أى أن هناك وقائع معينة مثبتة بالمستندات، وهى التى دعمت موقف المصنعين فى إثبات الإغراق، ويكون القرار بفرض رسوم إغراق مؤقتة، وبعد انتهاء هذه الفترة تتواصل متابعات جهاز مكافحة الدعم والإغراق للقضية، وربما يكون فيها فصل آخر بتجديد فرض الرسوم لفترة أخرى بخلاف الأربعة أشهر الحالية، وستظهر نتائج التحقيقات كاملة مع نهاية العام الحالى.
ولا يتيح القانون فرض رسوم حمائية أو رسوم إغراق على منتج ما دون تحديد فترة زمنية، أى إطلاق المدة، لأن التحركات فى مثل هذا النوع من القضايا يكون عبارة عن شكاوى من المصنعين أو الشركات الواقع عليها الضرر، وهو ما يتحرك فيه جهاز مكافحة الدعم والإغراق التابع لوزارة التجارة والصناعة، وفى حالة إثبات الضرر يتم فرض الرسوم لمدة زمنية معينة لحماية المنتج المحلى فى مواجهة المستورد، وغالبا يكون المنتج المستورد يتلقى دعما ماليا من الدول الموردة فى الوقت الذى لا يتلقى فيه المنتج المحلى دعم مالى من الدولة.
دعم الدول الثلاثة لمصانع الحديد والشركات المصدرة لمصر
اللافت للنظر أن الدول الثلاثة "تركيا وأوكرانيا والصين" تقدم دعما ماليًا للشركات المصدرة للحديد، مما يضعف المنافسة فى مصر، بسبب إدخال الحديد المستورد بكميات كبيرة، رغم وجود فائض محلى مقدر بـ4 ملايين طن سنويا، وهذا يعنى أن الدول الثلاثة تقوم بتصدير الحديد لمستوردين مصريين بأسعار مغرقة – أى أقل من الأسعار العالمية – مما يؤثر على صناعة الحديد فى مصر، وهو ما دفع جهاز مكافحة الدعم لقبول الشكوى وبدأ تحقيقات سرية.
وكان المهندس طارق قابيل، وزير التجارة والصناعة، أصدر قرارًا بفرض رسوم مكافحة إغراق مؤقتة على الواردات من صنف حديد التسليح "أسياخ ولفائف وقضبان وعيدان" المصدرة من أو ذات منشأ الصين وتركيا وأوكرانيا بواقع 17% من القيمةCIFعلى الواردات الصينية، ومن 10 إلى 199% من القيمةCIFعلى الواردات التركية، ومن 15-27% من القيمةcifعلى الواردات الأوكرانية، ويبدأ سريان هذا القرار اعتبارًا من تاريخ نشره بالوقائع المصرية وذلك لمدة 4 أشهر.