هو الشيطان الذى كثيرا ما تفوق قدراته إمكانيات البشر، وفى ذات الوقت هو الملاك الذى يرى نور الله ويهتدى بهداه، فيمكنه أن يتجاوز حدود القدرات البشرية.
قادر أن يقنعك بأنه «ونوس» الوسواس الخناس، وفى ذات الوقت يبهرك بشخصية الخواجة عبد القادر العابد المتصوف، يفاجئك فى كل مسلسل بشخصية مختلفة، ويستطيع أن يغير جلده بصورة مبهرة، يستفزك ويبكيك فى ذات الوقت فى مشهد عبقرى تجاوز حدود الإبداع، حين يتناول حمادة عزو البليلة ويبكى حزنا على وفاة ماما نونة فى مسلسل «يتربى فى عزو».
تشعر أنك قابلت هذه الشخصية الصعيدية التى أبدع فى تقديمها مجسدا شخصية شيخ العرب همام، وحين تراه فى ليالى الحلمية تشعر أنه لا يستطيع فنان غيره أن يجسد أسطورة سليم البدرى.
إنه يحيى الفخرانى الذى لا يكرر نفسه مطلقا ولا ينافس إلا نفسه، لا يمكنك أن تقارن أعماله إلا بأعماله، وتفشل دائما حين تحاول أن تعرف أيها أفضل، عباس الأبيض، أم رحيم فى «الليل وآخره»، أم بشر عامر عبدالظاهر فى«زيزينيا»، يبدع فى تقديم قصص القرآن، ولديه من الإمكانيات ما جعله يقدم فوازير رمضان عام 1988.
وحش فنى، وحالة إنسانية متفردة لا مثيل لها، بسهولة تتسلل شخصياته لتعيش معك وتبقى فى ذاكرتك، تحفظ كلماتها ومشاهدها حتى تصبح جزءا من تكوينك.
بيته وطن يجمع الهلال والصليب، وضع أساسه منذ 45 عاما، حين كان طالبا بكلية الطب وتعرف على زميلته الدكتورة لميس جابر التى أحبها وتعلق بها فقرر الزواج منها، رغم اختلاف الديانة، فهو مسلم وهى مسيحية، وتقدم لخطبتها مؤكدا أن الأمور كانت عادية وقتها، ووصف والدها قائلا: «كان شخصية عظيمة وجميلة جدًا، لما رحت له قالى الله محبة وبارك جوازنا».
واستمر زواجهما وحبهما طوال هذه السنوات الطويلة يتشاركان مع ابنيهما طارق وشادى وأحفادهما الطقوس والأعياد الدينية.
ولد الفخرانى عام 1945 فى الدقهلية، وكان يهوى الموسيقى والعزف على الأوكرديون، وتشبع بالسماحة الدينية التى غرسها فيه والده الصائغ الذى اتجه لتجارة ماكينات الخياطة، فلا ينسى كلماته التى كان يقولها له، مؤكدا أن الكنيسة بيت الله، وأنه يمكن أن يصلى فيها مع أصدقائه المسيحيين، وصوته وهو يقول: «لما تدخل مع أصحابك المسيحيين ابقى اقرأ الفاتحة وكده يبقى بتصلى زيهم».
التحق يحيى الفخرانى بكلية الطب وفيها انضم إلى فريق التمثيل وبدأت موهبته تسطع، حيث حصل على جائزة أحسن ممثل على مستوى الجامعات المصرية، وتعرف على شريكة حياته، وبعد تخرجه عام 1971، عمل كممارس عام فى صندوق الخدمات الطبية بالتليفزيون، وكان ينوى التخصص فى الأمراض النفسية والعصبية.
تنازعت فى داخله موهبته ومهنته، ولأنه يعيش بقلب مغامر قرر أن يترك الطب ويحترف التمثيل.
بدأت شهرة الفخرانى مع نجاحه فى المسلسل الاجتماعى الشهير «أبنائى الأعزاء شكرا»، وبعدها توالت أعماله الناجحة، وأثبت موهبته العملاقة المتفردة.
ارتبط الجمهور بالعديد من أعمال الفخرانى التى قدمها فى شهر رمضان وأولها مسلسل «صيام صيام» الذى عرض عام 1981، فى أول بطولة له، وتوالت بعدها العديد من النجاحات والإبداعات.
كما حقق الفخرانى نجاحا كبيرا فى السينما وأصبحت أعماله علامات فى تاريخ السينما المصرية، ومنها «خرج ولم يعد، الكيف، عودة مواطن، إعدام ميت، رجل وامرأتان، الأقزام قادمون»، وقدم للمسرح العديد من المسرحيات المهمة، ومنها «الملك لير، والبهلوان، وليلة من ألف ليلة» وحصل خلال مشواره الفنى على أكثر من 50 جائزة.
استفاد الفخرانى من مهنة والده الصائغ، فأصبح كالجوهرجى الذى يزن الأعمال الفنية المعروضة عليه بميزان الذهب، فيحرص على ألا تتشابه أعماله ولا يكرر أى دور قام به، ويكون انطباعا سلبيا عن العمل المعروض عليه إذا ما وجد فيه خطأ إملائيا.
رفض الفنان يحيى الفخرانى 17 عملا عرضت عليه لتقديمها فى رمضان الحالى، لأنه وجد تشابها بينها وبين أعمال قدمها من قبل، ولأنه يحب البيت، انتهز فرصة عدم انشغاله بالتصوير لقضاء أغلب وقته فى رمضان الحالى بالمنزل بين أحفاده ويفضل الإفطار فى بيته، حيث أشار إلى أن الدكتورة لميس تشاركه الصيام وتعد له الأطعمة التى يفضلها.
الفخرانى فنان يجد نفسه دائما فى صف المواطن، وليس فى صف الحاكم فى أى عصر، كان يرفض الذهاب للقاءات التى عقدها الرئيس السادات مع الفنانين رغم توجيه عدة دعوات له، وحين ذهب للقاء مبارك مع مجموعة فنانين سأله سؤالا عن التوريث لم يجرؤ غيره على طرحه أمام الرئيس، كما سأله عن إلغاء خانة الديانة من البطاقة، وكرر سؤاله رغم تجاهل مبارك للإجابة.
هكذا يكون الفنان، ينجذب لصفوف المواطنين ولا يمالئ السلطة، يعرف قدر فنه فيعرف الجمهور قدره، يسع كل الاختلافات فيصبح قلبه وبيته وطنا تسوده المحبة ويسكنه الإبداع.