كنت شاهدا على أحداث الفتنة الطائفية فى «الزاوية الحمراء» يوم 17 يونيو «مثل هذا اليوم» عام 1981، ورأيت بعينى حالة الانفلات الرهيبة التى تجسدت فى القتل واستباحة محلات الصاغة، ورأيت بعينى مبنى تلتهمه النيران التهاما، وأصبحت جدرانه جمرا تتهاوى قطعه على الأرض.
كنت فى عامى الجامعى الثانى، وأشارك أسرة قريبة لى مناسبة حفل زواج فيها، وكانت الأسرة تسكن أحد شوارع حى «الوايلى» المتاخم لـ«الزاوية الحمراء»، وكان الحفل فى سرادق بالشارع الذى يقع فيه منزل هذه الأسرة، وبينما كان المشاركون يجلسون فى السرادق، فوجئنا فى حوالى الساعة التاسعة مساء بأطفال وصبية يجرون وبعضهم يهتف بهتافات عدائية ضد المسيحيين، وعلمنا منهم أن هناك مشاجرات وحرائق فى الزاوية الحمراء، فأسرعت مع آخرين إلى هناك، لأرى ملثمون يحملون سيوفا ويقتحمون محلات صاغة، ولا يفارقنى إلى الآن منظر ورقة بيضاء معلقة على بابا محل مكتوب عليها: «صاحب هذا المحل مسلم، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله»، وبالطبع كانت الورقة مصدر حماية للمحل، وفيما كنت أطل مع آخرين من سور على المبنى الذى صار كومة رماد، كانت أصوات صراخ تنبعث من أماكن متفرقة وتحمل معها أنباء: «قتلوا فلان، وقتلوا علان»، والضحايا كلهم كانوا مسيحيين.
كان كل شىء خارج حدود السيطرة والعقل، وعمليات النهب والقتل والسطو دون وجود شرطة ولا دولة، فأكد المشهد أن هذا الذى يحدث هو «من أسوء حوادث الفتنة الطائفية التى شهدتها مصر منذ سنوات بعيدة»، بوصف محمد حسنين هيكل فى كتابه «خريف الغضب»، مضيفاً: «تحول فى حى الزاوية الحمراء شجار شخصى إلى معركة مسلحة، ومرة أخرى كانت بداية الشجار محاولة غير قانونية لبناء كنيسة، وسارع بعض أعضاء حزب السادات «الحزب الوطنى» إلى التدخل فى الموضوع، فى محاولة انتهازية لاثبات تمسكهم بالشكل الإسلامى، فإذا هم يدخلون فى محاولات قانونية وغير قانونية لإيقاف بناء الكنيسة».
وقعت هذه الأحداث فى أجواء سياسية ملتهبة خيم عليها النعرة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، حتى بلغت ذروتها فى هذا اليوم الذى يروى وقائعه الرئيس السادات فى خطابه أمام اجتماع مجلسى الشعب والشورى يوم 5 سبتمبر 1981، ويأتى به دكتور شريف درويش اللبان وأسماء فؤاد محفوظ فى دراسة بعنوان «قراءة موضوعية فى تاريخ الفتنة الطائفية وواقعها المعاصر فى مصر» عن «المركز العربى للبحوث والدراسات - القاهرة»، قال السادات إنه بتاريخ 12 يونية 1981 أبلغ مصنع العلف بالزاوية الحمراء التابع للمؤسسة المصرية العامة لإجراء توسعات فيه ولإقامة مصلى للعاملين، وحسم هذا النزاع بالقرار الإدارى رقم 6 فى 13 يونية 1981، الذى صدر من حى شمال القاهرة، ونص على إزالة التعديات، ونفذ القرار بالفعل، وانتهى النزاع عند هذا الحد، وفى مساء يوم 17 يونيو 1981 حدث شجار بين أفراد أسرتى موريس صاروفيم إبراهيم، ومحمد سليمان، بسبب سقوط مياه قذرة من شرفة مسكن الأول على ملابس بشرفة منزل الثانى، وأسفر الحادث عن إصابة أفراد الأسرتين بإصابات بسيطة، ونتيجة للشائعات تحول الأمر من حادث عادى وفردى إلى حادث طائفى، وما زاد الأمور اشتعالا تردد شائعات أن المواطن كامل مرزوق صاحب مشكلة الأرض مع مصنع الدواجن هو الذى أزكى هذا الحادث، وهو الذى أشعل الفتنة الطائفية، وتوجه البعض إلى منزله فأطلق النار عليهم من سلاحه المرخص، فاشتعلت الأحداث نتيجة إصابة العديد من المواطنين.
وطبقاً لخطاب السادات فإن عدد الضحايا بلغ 17 قتيلا و112 مصابا بينهم ضابطان وثلاثة جنود، وإتلاف 171 مكانا من الأماكن العامة والخاصة، بخلاف عمليات سرقة ونهب لبعض المحلات والشقق، غير أن هناك تقدير منسوب إلى اللواء حسن أبوباشا وزير الداخلية بعد إقالة «النبوى إسماعيل» عام 1982 قاله لـ«الأهرام الدولى»: «عدد القتلى 81 من الأقباط».
وتؤكد مواقع قبطية إلكترونية عديدة أنه ضمن أحداث اليوم البشعة، عملية ذبح القمص مكسيموس جرجس، حيث وضعوا السكاكين فى رقبته، وطلبوا منه أن ينطق الشهادتين، فرفض فنتفوا ذقنه وذبحوه وجرجروا جثته، وسحلوه فى شوارع الزاوية الحمراء، وقرر البابا شنودة بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية دفنه فى القاهرة وعدم سفره إلى مسقط رأسه بـ «طها» فى محافظة سوهاج منعا لإثارة الفتنة الطائفية.